هذا هو الاسلام

حديث القرآن عن الفتنة وناشريها
كشف مساوئ المنافقين
بقلم‏:‏د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
شيخ الأزهــر الشريف



قد يأتي لفظ الفتنة بمعني فضيحة المنافقين‏,‏ وهتك سترهم‏,‏ وكشف مساوئهم‏,‏ وعزلهم عن المؤمنين الصادقين‏..‏

ومن الآيات القرآنية التي قررت ذلك قوله‏.‏ عز وجل‏:‏ إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه علي أمر جامع لم يذهبوا حتي يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم‏,‏ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم‏(‏ سورة النور الآية‏63062)‏

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين وما بعدهما روايات ملخصها‏:‏ أنه لما كانت غزوة الأحزاب التي تجمع فيها المشركون حول المدينة لغزوها‏,‏ اشار سلمان الفارسي‏.‏ رضي الله عنه علي الرسول صلي الله عليه وسلم بحفر خندق حول المدينة حتي لا يستطيع المشركون دخولها‏,‏ فاستحسن الرسول صلي الله عليه وسلم هذه الفكرة‏,‏ وأخذ في تنفيذها ومعه اصحابه الصادقون الذين تعبوا تعبا شديدا في حفر الخندق‏,‏ وكان الواحد منهم إذا ما أراد الذهاب الي بيته لأمر ضروري استأذن النبي صلي الله عليه وسلم ثم عاد بكل نشاط‏..‏

أما المنافقون فكانوا يتسترون بالعمل السهل‏,‏ ويتسللون إلي أهليهم دون علم الرسول‏.‏ صلي الله عليه وسلم ـ ودون إذنه‏,‏ فأنزل الله تعالي هاتين الايتين للتمييز بين المؤمنين الصادقين‏,‏ والمنافقين الكاذبين‏.‏

وخص سبحانه ـ الأمر الجامع بالذكر‏:‏ للاشعار باهميته ووجوب البقاء معه ـ صلي الله عليه وسلم ـ حتي يعطيهم الاذن بالانصراف‏,‏ إذ وجودهم معه ـ صلي الله عليه وسلم ـ يدل علي صدق وفائهم له ـ صلي الله عليه وسلم ـ كما يدل علي تعاونهم معه ـ صلي الله عليه وسلم ـ تعاونا تاما‏,‏ حتي يصلوا الي أفضل الحلول لهذا الأمر المهم‏.‏

ثم مدح ـ سبحانه ـ الذين لا يغادرون مجلس رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إذا كانوا معه علي أمر جامع حتي يستأذنوه فقال‏..‏ إن الذين يستذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله‏..)‏ أي ان الذين يستأذنونك ايها الرسول الكريم في تلك الاحوال المهمة‏,‏ والتي تستلزم وجودهم معك‏,‏ أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله حق الإيمان‏,‏ لان هذا الاستئذان في تلك الأوقات دليل علي طهارة قلوبهم‏,‏ وعمق يقينهم‏..‏

ثم وضح ـ سبحانه ـ وظيفة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقال‏..‏ فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم‏).‏
اي‏:‏ فإذا استأذنك هؤلاء المؤمنون في الانصراف‏,‏ لقضاء بعض الأمور والشئون التي هم في حاجة إليها‏,‏ فأنت مفوض ومخير في إعطاء الإذن لبعضهم وفي منعه عن البعض الآخر‏,‏ إذ الأمر في هذه المسألة متروك لتقديرك ـ ايها الرسول الكريم وعليك ان تستغفر لهم الله ـ تعالي فهو العظيم المغفرة والرحمة‏.‏

ثم أكد ـ سبحانه وجوب التوقير لنبيه محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقال‏‏ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا‏..)‏
أي‏:‏ لا تجعلوا ـ ايها المؤمنون ـ نداءكم لرسولكم محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ كنداء بعضكم لبعض‏,‏ وإنما عليكم إذا ما ناديتموه أن تنادوه بقولكم‏:‏ يانبي الله‏,‏ أو يا رسول الله‏,‏ ولا يليق بكم ان تنادوه باسمه مجردا‏,‏ بأن تقولوا يامحمد‏.‏

ثم حذر ـ سبحانه ـ المنافقين الذين يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم من سوء عاقبة أقوالهم وأفعالهم فقال‏..‏ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم‏)‏
وحرف قد هنا للتحقيق‏.‏ ولفظ يتسللون من التسلل بمعني الخروج في خفاء مع تمهل وتلصص‏.‏ ولفظ لواذا من الملاوذة ومعناها‏:‏ الاستتار بشيء مخافة الرؤية من الغير‏.‏

والمعني‏:‏ إن الله ـ تعالي ـ عليم بحال هؤلاء المنافقين الذين يخرجون من مجلس الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في خفاء واستتار‏,‏ بحيث يخرجون من الجماعة قليلا قليلا يستتر بعضهم ببعض حتي يخرجوا جميعا‏.‏
فليحذر هؤلاء المنافقون الذين يخالفون أمر النبي ـ صلي الله عليه وسلم ويصدون الناس عن دعوته‏,‏ ويتباعدون عن دعوته‏,‏ فليحذروا من ان تصيبهم فتنة أي‏:‏ من ان تصيبهم جائحة ومصيبة ونكبة يترتب عليها‏,‏ افتضاح أمرهم‏,‏ وانكشاف شرهم‏,‏ وهتك سترهم‏,‏ واحتقار سلوكهم‏,‏ وجعلهم محل مقت كل عاقل‏,‏ وازدراء كل صاحب تفكير سليم‏..‏

أو أن يصيبهم من خالقهم ـ عز وجل ـ عذاب أليم يهلكهم عن آخرهم‏,‏ ولعذاب الآخرة أشد وأبقي‏.‏
والخلاصة‏:‏ أن لفظ الفتنة هنا المقصود به فضيحة المنافقين علي رءوس الأشهاد‏.‏

موضوعات جيدة ومثمرة ومفيدة
نتمنى المزيد واشكرك

موضوع جميل وهام

موضوعات هايلة وعظيمة ونافعة

اشكرك وبارك الله فيك