منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصابون لا يكفي ـ د.أيمن محمد الجندي

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الصابون لا يكفي ـ د.أيمن محمد الجندي Empty الصابون لا يكفي ـ د.أيمن محمد الجندي

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين أكتوبر 29, 2007 3:45 am

من يصدق هذا ؟
الرجل المسن يحمل دلوا صدئا مليئا بالماء يملؤه من صنبور قديم تالف ..يحمله في سعادة ثم يجلس على البلاط الساقع للشرفة المتربة التي تطل على حقول ريفية شاسعة ..في ضوء الصباح البهيج يمزج الماء بمسحوق الغسيل في الإناء القديم ثم يدعك الملابس بهمة امرأة ريفية اعتادت غسيل الثياب منذ طفولتها الباكرة
معقول ؟ الرجل الكبير يفعل هذا؟
................................
قصوره وملايينه؟ ..نفوذه الذي لا حد له ؟..يده الباطشة التي أرسلت كثيرين إلى القبر أو ما هو أسوأ ؟ ...الرجل الذي يرتزق منه الأنصار والخصوم ؟.. الامتيازات التي يغدقها على أنصاره ؟..من يصدق أن الرجل الكبير يقيم بمفرده الآن في بيت ريفي بسيط من الطوب اللبن ..
يلقي نظرة عابرة من الشرفة حيث جلس يدعك الثياب بهمة مرتديا جلبابا أبيض اللون بسيطا .. مساحات شاسعة من اللون الأخضر أمامه على مدى البصر ..والصوت الوحيد المسموع في الأنحاء نهيق حمار يحتج على شيء فتجاوبه جاموسة سمراء بشكوى مماثلة ..وعند آخر الأفق فلاحة تنحني على الأرض السمراء ..
ولكن لم لا ؟
..
الترف هلاك ومفسدة ..أنظر الفارق بينه وبين أولاده ؟...ينظر إلى شعورهم المسترسلة في دهشة ثم يعذرهم لأنهم لم يكابدوا يوما واحدا من أيامه ..لم يعرفوا غير القصور فرحمة الله على أبيه الفلاح القراري الذي لم يشبع قط إلا من البصل الأخضر والمش .
...........................
دلو آخر من الماء ..فليصب الماء صبا ..
........................
ليملأ صدره بالهواء النظيف بقدر ما يستطيع ويفرغ صدره من هواء القاهرة الأسود المعبأ بحبر المطابع وحقد القلوب ..يصمد ؟ طبعا يصمد ..إنه شجرة توت معمرة تصلح لكل الأزمنة وصناع القرار يعلمون أن لا غنى لهم عن الرجل الذي فهم اللعبة السياسية في البلد ..فهمها وأتقنها ..وصار اللاعب الرئيسي فيها وأحيانا اللاعب الوحيد.
تاريخه معروف للكل وهو لا يخجل منه..صفحاته البيضاء والسوداء مادة خصبة لا تنفذ أبدا سواء لأنصاره أو خصومه فلو اختفى من الوجود لما وجد أبناء الأبالسة ما يتكلمون عنه ..الكل يربح الملايين بفضله وطباخ السم يذوقه.. وهو ليس سما ..بل شهدا مصفى.
فاسد ؟ ..دعك من هذا الهراء ..دلوني على رجل واحد نظيف في هذا البلد ؟ ..فاسدون ومرتشون وزناه ثم يحاولون تصوير الأمر أنه صراع بين الخير والشر والحق أنه صراع سلطة واستلاب غنائم ..توصيف أي مسألة هو الخطوة الأولى للتفكير السديد.. الحكاية كلها تتلخص في كلمة واحدة : الحقد ..
..........
مزيد من الصابون من فضلك ..الثياب ما زالت متسخة ..
................................
من يصدق هذا؟. ..أولاد الأبالسة الذين يتكلمون عن قصوره وملايينه ..هل يخطر على بال أحدهم أنه يروق له في هذا الهدوء الشامل الجميل أن يغسل ثيابه بنفسه ويستعيد ذكريات زمان لم يكن يملك ترف الاستغناء عن بضعة قروش من أجل غسيل ثيابه أو كيها؟ ..
وحده في المدى الأخضر وبيت بسيط يذكره بطفولته قبل أن ينتقل للعاصمة القاسية التي لا ترحم ليسكن البدروم أحيانا والسطوح غالبا ويرتدي ثيابا يجود بها المحسنون يغسلها بنفسه بالمسحوق الرخيص وينتظر تجفيفها ليذهب للدراسة ..لا يملك سوى أرادة حديدية وطموح لا سقف له وثقة لا حد لها بالغد.
ولكن ..سحقا لهم ..لماذا يشغل ذهنه بهم وقد هرب من كل شيء ليتخفف من كافة الضغوط ..أغلق الهاتف ولم يبح بمكانه إلا لمدير مكتبه مع توصية مشددة ألا يتصل به إلا لأمر استثنائي ..ترك قصوره وذهب لهذا المكان البدائي البسيط ليستعيد جذوره ..يحتاج أن يسترجع سنين كفاحه الأولى لعله يستمد صلابة جديدة من صلابة الشجرة التي مكنته من الصمود حتى الآن.
.................................
ولكن سحقا ؟ ..لماذا فكر في البداية في غسل ثيابه؟
..............................
إنها لم تكن متسخة إلى هذا الحد حينما بدأ في غسلها. لم يرتديها إلا مسافة الطريق لا أكثر وقد غسلها لأنه راق له أن يفعل ذلك ..أعتبرها نزوة رجل مترف .. لكن الثياب لم تزل متسخة فما معنى هذا ؟ مزيد من المسحوق حتى ولو كان يذكر أن ربع هذه الكمية كانت تكفيه زمان ..لكن البركة قليلة هذه الأيام وكذلك الوفاء ..لا يهم ..يمكنه أن يبتاع بنقوده أطنانا من مسحوق الغسيل ..ولو شاء أن يملأ هذا البيت بالمسحوق لفعل ..ولكنه غاضب ..بالفعل غاضب ..لماذا لا تطيعه الثياب ؟
.....................
مزيد من المسحوق ..مزيد من دعك الثياب ..مزيد من الماء.. يصب صبا في غضب ..
........................
يركل الإناء في غيظ ليسيل الماء المرغي بالصابون في أرجاء الشرفة ..ثم يهدأ الغضب ويستعيد سيطرته على نفسه ..لو كان يطلق العنان لغضبه لما وصل إلى ما وصل إليه الآن..ينظر إلى الثياب المبتلة في غير رضا ..ثم يراوده أمل أن تجفف الشمس الماء وتخفى بقع القذارة في الوقت نفسه.. ينشر الثياب المبتلة على الحبال القديمة في أمل ويترك الباقي للشمس.
..............................
لبرهة راحت الثياب تتلاعب تحت نسائم الهواء ..يرمقها في وجوم ما لبث أن تحول إلى رعب ..لم يدر ولن يدري قط كيف اشتعلت النيران في الثياب المبتلة متحدية كل قوانين الطبيعة ثم راحت تحترق أمام عينيه ؟
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الصابون لا يكفي ـ د.أيمن محمد الجندي Empty رد: الصابون لا يكفي ـ د.أيمن محمد الجندي

مُساهمة من طرف ahmed الجمعة يناير 11, 2008 2:37 am

اشكرك على الموضوع
ahmed
ahmed
عضو مبدع

عدد الرسائل : 405
تاريخ التسجيل : 07/11/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى