منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مع لغة القرآن ـ د. مصطفى رجب

اذهب الى الأسفل

مع لغة القرآن ـ د. مصطفى رجب Empty مع لغة القرآن ـ د. مصطفى رجب

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين أكتوبر 29, 2007 3:43 am

بعد نشر مقالي السابق الأسبوع قبل الماضي عن المغايرة الإعرابية في القرآن الكريم ، تلقيت من تعقيبات القراء الكرام ، وفي بريدي الألكتروني الخاص عددا كبيرا من الاستفسارات حول آيات متشابهة في ظاهرها ، ولكن بين إحداها والأخرى بعض الاختلاف في تقديم كلمة أو تأخيرها ، أو ظهور ما يوهم التناقض بين الآيتين ، وهو ما يهلل له الجاهلون بأسرار العربية من أعداء الإسلام في قنواتهم الفضائية أو منتدياتهم الألكترونية ، وقد وعدت القراء الكرام أن أجيب تساؤلاتهم التي وصلتني في مقالين متتاليين ، وهأنذا أفعل ، فأقول وبالله التوفيق :
***** سألني أحد القراء فقال : يقول الله تعالى :
" فيما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبَهم قاسيةً يُحرِّفون الكِلمَ عن مَوَاضِعِه وَنَسُوا حظا مما ذُكرِّوا به " [ المائدة / 13 ]
ثم قال في السورة نفسها :
" سمَّاعون للكذب سَمَّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك. يُحرِّفون الكلِمَ من بعد مواضعه " [ المائدة / 41 ] .
فما سبب الاختلاف بين الآيتين، أو بالأحرى بين الجملتين اللتين تتحدثان عن تحريف الكلم ؟ لم قال مرة ( عن مواضعه ) ومرة ( من بعد مواضعه ) والسورة واحدة ؟ .
أقول للقارئ الكريم الذي سأل هذا السؤال : في مثل هذه الحالات التي يبدو فيها التشابه بين الآيات قوياً ملحوظاً يحسن بنا أن نعود إلى السياق العام الذي وردت فيه كل من الآيتين : وسنرى أن الآية الأولى نزلت في شأن اليهود الذين حرفوا كلام الله ونقضوا ميثاقه الذي واثقهم به كما دلت عليه الآية السابقة للآية التي بين أيدينا إذ تقول الآية السابقة لها :
" ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم، ولأدخلنكم جناتِ تجري من تحتها الأنهار. فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلَّ سواء السبيل. [المائدة/ 12]
ومن المعلوم أنهم بعد هذا الميثاق تطاول بهم العهد وهم ينقضون الميثاق يوماً بعد يوم، فلا عبدوا الله، ولا وقّروا رسله بل قتلوهم، ولا أقرضوا الله قرضاً حسنا.. فجاءت الآية التالية مصدرة بالفاء التي تفيد التعقيب وبالباء التي تدل على السببية في قوله (فبما نقضهم ميثاقهم) أي بسبب نقضهم ميثاقهم حلت عليهم اللعنة.
وهنا كان لا بد للسياق القرآني أن يستخدم (عن) في قوله (يحرفون الكلم عن مواضعه). لأن (عن) في اللغة العربية موضوعة "لما جاوز الشئ إلى غيره ملاصقاً زمنه لزمنه" أي أن تحريفهم لكلام الله ونقضهم لميثاقه لم ينتظروا به طويلاً، بل حدث هذا منهم قريباً من نزول هذه التعاليم إليهم. فمجاورة زمن التحريف لزمن التكليف وقربه منه جاء بالحرف (عن) للدلالة على تجاور الزمنيين.
أما الآية الثانية: "يحرفون الكلم من بعد مواضعه" فقد وردت في سياق آخر يوضحه نص الآية كاملاً. إذ يقول تعالى: "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ومن الذين هادوا. سماعون للكذب، سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه. وإن لم تؤتوه فاحذروا. ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم. لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم". [المائدة/ 41]
فالسياق الكامل للآية يدل على أنها نزلت في قوم مخصوصين من اليهود على زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تحالفوا مع قوم من المنافقين ممن قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وقد أرسل هؤلاء وفداً للنبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن حكم زانٍ محصن، وقالوا للوفد: إن أفتاكم محمد بالجلد فأقيموا الحد، وإن أفتاكم بالرجم فلا ترجموا الزاني. فجملة (إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا) وهي مقول قولهم لوفدهم-كما يظهر من الآية- جملة تفسيرية للجملة السابقة عليها: "يحرفون الكلم من بعد مواضعه" لأنهم فعلوا هذا وعندهم التوراة فيها حكم الله معروف لهم في الجلد والرجم فأنكروه ونصحوا وفد المستفتين نصحاً يخالف ما استقر عندهم من شرع الله. فهنا جاءت (بعد) لتدل على استقرار كلام الله عندهم: أي من بعد طول عهد بهذا الكلام الذي يحرفونه عمداً. لأن (بعد) تفيد استقرار حكم ما بعدها.
* و وصلتني رسالة أخرى يسأل صاحبها فيقول : يقول الله تعالى في شأن موسى عليه السلام: " فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين" [الأعراف/ 107]
وقال في موضع آخر:
"تهتز كأنها جانّ..." [النمل/ 10]
وأقول للسائل الكريم : إن سياق الآيتين مختلف. فالآية الأولى جاءت في سياق حوار برزت فيه قمة التحدي بين رسول الله موسى عليه السلام من جهة، وفرعون وسحرته وجنوده من جهة أخرى. وكان سحرة فرعون يسترهبون الناس بتحويل عصيهم إلى ثعابين وحيات تسعى. فأوحى الله تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه وهي –بقدرة الله تعالى- ستتحول إلى ثعبان عظيم يلقف في جوفه كل ثعابينهم المزعومة. لتكون آيته التي سأله عنها فرعون –في السياق- من جنس آيات سحرة فرعون.
أما الآية الأولى فقد وردت في سياق أول حوار وقع بين رب العزة جل شأنه وبين موسى عليه السلام حين ناداه ربه بالوادي المقدس- للمرة الأولى –فكان اهتزاز العصا شديد الوقع على نفس موسى عليه السلام حتى بدت له كما لو كانت جنًّا يهتز. وحين نقرأ الآيات كاملة ندرك مدى الرعب الذي حاق بهذا النبي عليه السلام حين توالت عليه المفاجآت قال تعالى:
"فلما جاءها نودي أنْ بُورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين. يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم. وألق عصاك. فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب، يا موسى لا تخف إني لا يخاف لديَّ المرسلون". [النمل/ 8-10]

وسألني شيخ فاضل عن قوله تعالى في سورة آل عمران :
"وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به..." [آل عمران/ 126]
مع أنه سبحانه قال في سورة الأنفال:
"وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم..." [الأنفال/ 10]
فيلاحظ أن صيغة الجار والمجرور (لكم) جاءت بعد البشرى في آل عمران ولم ترد في الأنفال. وإن كلمة (به) جاءت بعد القلوب في آل عمران وجاءت قبلها في الأنفال. فما السر في هذه المغايرة ؟
وأقول للسائل الكريم : إن تأمل السياق الذي وردت فيه كل آية من الآيتين يكشف سر ورودها على هذا النحو. فآية آل عمران جاءت إخباراً للمؤمنين بما تحقق لهم من عونٍ من عنده سبحانه في غزوة بدر على نحو ما يظهر من الآيات السابقة على هذه الآية (لقد نصركم الله ببدر..)
أما آية الأنفال فقد وردت في سياق يدل على أن المؤمنين استغاثوا وطلبوا العون من الله. حيث يقول تعالى:
"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم.." فلما جاءت (لكم) ملتصقة بالاستجابة الفورية لاستغاثتهم. أغنى ذلك عن مجيئها مع البشرى.
وأما تأخير (به) بعد (قلوبكم) فلأنه لما أخرَّ الجار والمجرور في الكلام الأول (بشرى لكم) وعطف الكلام الثاني عليه، أخر الجار والمجرور في الثاني كما أخره في الأول.
وأما تقديم (به) في الآية الثانية فلأن نفوس المؤمنين -وهم في حال كرب واستغاثة- أحوج ما تكون إلى التثبيت والطمأنينة.
والضمير في (به) عائد على إنزال الملائكة الذي هو موضوع البشرى. فتقديم الجار والمجرور هنا –وهو ساد مسد المفعول به – أدعى لتهدئة تلك النفوس المتطلعة إلى نصره وعونه.
وسألني آخر عن قوله تعالى في سورة غافر :
" إن الساعة لآتيةٌ لا ريب فيها ..." [ غافر / 59 ]
مع قوله تعالى في سورة طه :
" إن الساعة آتية أكاد أخفيها ..." [ طه / 15 ]
فجاء خبر ( إن ) مؤكداً باللام ( لآتية ) في ( غافر )، وجاء خلواً من هذه اللام في ( طه ). والسبب في ذلك أن آية ( طه ) وردت على لسان رب العزة في خطاب لموسى عليه السلام:
" إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى " [ طه / 14-15 ]
وموسى – عليه السلام – يؤمن بالساعة فلا يحتاج إلى توكيد قيامها فجاءت الآية معه خاليةً من لام التوكيد.
أما آية سورة ( غافر ) فالسياق قبلها يدل على جدل الكفار المنكرين للبعث والنبوة حيث قال تعالى :
" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطانٍ أتاهم إن في صدورهم إلا كِبْرٌ ما هم ببالغيه. فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير. لخلق السموات والأرض أكبر خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسىء. قليلاً ما تتذكرون. إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " [ غافر / 56-59 ].
فالكلام إزاء هؤلاء الضالين الجاحدين يحتاج إلى تأكيد باللام كما جاء في الآية التي تؤكد قيام الساعة لهؤلاء الكفرة.
فالتوكيد في القرآن الكريم يُنظر إليه دائماً من خلال السياق العام للآيات ليستبين أن استعماله لا يرد إلا عند الضرورة التي تستدعيه كأن يكون الحديث عن / أو الخطاب لـ / قوم جاحدين.
• كما قد يأتي التوكيد لدفع شبهة في نفس المخاطب كما جاء في سورة الواقعة في قوله تعالى عن الزرع [ لو نشاء لجعلناه حطاماً ] [ الواقعة/65 ]. ثم قال عن الماء [ لو نشاء جعلناه أجاجا ] [ الواقعة /70 ]. والآيتان في سياق خطاب يبتدئ بقوله تعالى " ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ..." [ الواقعة /51 ]. فأدخل( اللام ) على الفعل ( جعل ) في قوله ( لجعلناهْا حطاماً ) مع الزرع عقب قوله ( تعالى ) ( أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) [ الواقعة / 63-64] فلما نسب الحرث إليهم في مخاطبته إياهم جاء التوكيد باللام مع الفعل لينفي أي احتمال في نفوسهم للمشاركة في إنبات الزرع. أما نزول الماء من المزن فلم يحتج معه السياق لتوكيد الفعل باللام لأن أحداً من الخلق لا يمكنه ادعاء مشاركة الحق تبارك وتعالى في إنزال الماء ومن هنا يتبين أهمية التوكيد في السياق القرآني ودواعيه.
• وإلى المقال الثاني في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى