ويل للذين ظلموا!!!!!د. محمد جمال حشمت

قد يظن البعض أن الحكام فقط والمسئولين الذين يتولون أمور العباد - بحق أو بغير حق أى إغتصابا- هم الظالمون الذين توعدهم الله بالخزى و العذاب فى الدنيا والآخرة فيشتد بنا الغضب عليهم وتتوجه كل طاقاتنا فى سبابهم ومقاومتهم دون أن ندرك أنه من الممكن أن يكون الظلم صنعتنا نحن الشعوب وأن ما نحن فيه هو سبب تسليط الله هؤلاء البشر -الذين نزع من قلوبهم الرحمة ويملكون رقابنا -علينا ، ولعل قراءة متأنية لكتاب الله توضح هذا المعنى البديهى عند البعض منا وهو ما يستوجب اتخاذ موقف من أنفسنا كما نحن مطالبين باتخاذ موقف ممن ظلمنا سواء بسواء! وقد لفتت نظرى آيات كثيرة تتحدث عن ظلم العباد لأنفسهم على سبيل المثال لا الحصر :
"ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه " " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" "ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل" "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" "بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم" "ووجدوا ما عملوا حاضرا ولايظلم ربك أحدا" " ساء مثل القوم الذين كذبوا بآيتنا وأنفسهم كانوا يظلمون" "وما تنفقوا من خير يوف اليكم وانتم لا تظلمون" "يابنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم" " ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون" " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته" " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها"
وآيات أخرى كثيرة تتحدث عن الظلم والظالمين تؤكد أننا بظلمنا لأنفسنا قد فقدنا جزءا كبيرا ومهما من قدرتنا على مقاومة الفساد والفاسدين و الظلم والظالمين !! كيف ونحن صرنا جزءا من منظومة الفساد والظلم التى تحكمت فى رقابنا ؟!!
إن الرجل الذى ظلم أخوته وأخواته وحرمهم من ميراثهم تحت أى دعاوى هو ظالم لايقبل الله منه عدلا ولا صرفا والرجل الذى ينافق رؤسائه لينال ما ليس من حقه ظالم، والرجل الذى يكتب تقريرا عن المسئول عنهم يرضى رؤسائه ولا يرضى الله تبارك وتعالى ظالم، ورب الأسرة الذى لا يسمح لأحد فى أسرته بمناقشته أو المشاركة فى الاختيار أو إدارة الأمور هو ظالم لا يقل ظلمه عن الحاكم ! وكيف نطالب بحرية فى وطن تدار حياة الأسر فيه بالقهر والاستعلاء والإهانة أحيانا ! من ظلم من ؟ إن الطالب الذى أساء استعمال الحرية فى الاعتداء على حقوق زملائه وزميلاته وأشاع الفاحشة بينهم بنفوذ أبائه أو بفلوسهم هو ظالم لا معنى لخروجه فى مظاهرة تقاوم وتعترض على نظام فاسد أشاع الفاحشة ورعاها وحماها بقوات أمنه، المواطن المقهور المرتشى لاقيمة لغضبه الذى لا يظهر فى كثير من الأحيان لضعف أو خوف تلبسه وهو بذلك قد ظلم نفسه وخان دينه وفرط فى وطنه للمرتشين الكبار ،إن رجل الدين الذى حمل أمانة قول الحق مرتكزا على حب الشعب لدينه عندما يبرر الفساد والظلم ويشارك فيه لمصلحة يحصلها هو أسوأ من الحاكم الظالم لأنه كان محل ثقة وهو ظالم لنفسه ولمريديه، ويمكن النظر فى كل المهن والحرف والمواقع التى نملكها أو نرعاها وتقع تحت مسؤلية كل منا لنرى كيف ظلمنا أنفسنا ومارسنا ما نعيبه على الطغمة الحاكمة بكل تفصيلاتها !! ، إن أنظمة الحكم الفاسدة غالبا ما تساعد على نشر الفاسد وتوزعه على الجميع كى يغرقوا فلا يستطيعون مقاومة أو استنكارا وقد ذكرت هذا المعنى فى ردى على بيان حكومة النظام الفاسد الذى يحكمنا فى عام 2002م بمجلس الشغب( عندما أوضحت حرص الحكومة على توريط كافة فئات الشعب المصرى فيما تورطت فيه من استدانة ربوية ستقضى لا محالة على مقومات أى دولة حرة فكان من مشروعاتها التى لوثت بها الشعب قروض بنك التنمية الزراعى للفلاحين حتى صار أكثر من 70% من فلاحى مصر مهدد بدخول السجن ويحلو كل عام فيه انتخابات مزورة التحدث حول جدولة هذه الديون كى تملك رقاب الفلاحين وكذلك فعلوا فى الشباب ومصيبة الصندوق الاجتماعى الذى أدخل الشباب وأبائهم وأخواتهم السجون وفاءا لأموال بنوك لا تتعدى آلاف قليلة بفوائد باهظة فى الوقت الذى جلبت الحكومة هذه الأموال كمنح أو بفائدة لا تتعدى 1/2% !! لكنها حكومات التلويث الممهدة للتوريث فمثل هذه الأنظمة لا يستحق إلا حكم شعب ملوث مثلها وهي فى سبيل ذلك تستعمل كافة الوسائل التى تشجع الفساد والظلم بين الشعب المصرى !!
دائما كلما دعيت الى عقد قران أو زفاف فى أحد المساجد أحب أن أردد ما علمنيه الإسلام وعلماء الإسلام من ضرورة انشاء البيت المسلم ليس فقط على الالتزام بالعبادات والتمسك بالأخلاق الفاضلة ولكن على الرقى فى السلوك الاجتماعى والعلاقة الانسانية التى جعل الله من المودة والحب والرحمة فيها شأنا كبيرا وأذكر الحضور بقول العلماء" ليس البر بالمرأة كف الأذى عنها بل البر بالمرأة إحتمال الأذى منها " هذا هو مقياس الرجولة الحقة كى نتفادى ظلم استشرى فى بيوتنا دون أن ندرى!! بل البعض يلبسه أحيانا ثوب الإسلام والإسلام منه براء !
ما أفهمه باختصار كونوا فى بيوتكم أحرارا، يمنحكم الله بجهادكم الصادق وطنا حرا ، مارسوا الشورى بين أبنائكم، تستعذبون كل شئ يبذل ويقدم فى محاولة الحصول عليها والتمتع بها فى أوطانكم ! حقا ما يقال "كما تكونوا يول عليكم" والسؤال الذى ربما استحى الكثيرون من سؤاله لأنفسهم على الأقل : هل نحن بما يعترينا من ضعف وفساد داخلى وظلم لأنفسنا ولغيرنا ومعصية لله تبارك وتعالى، نستحق نظاما للحكم أفضل من النظام الحالي !! بفقره وظلمه وتعذيبه واستبداده !! أقول هذا للتخفيف من نغمة اليأس التى انتشرت فى الكتابات والمدونات والتعليقات من غياب الأمل فى تغيير قريب كأننا قد قدمنا ما نستحق عليه عيشة كريمة آمنة عادلة !! صحيح مصر تستحق أفضل من هؤلاء المتخلفين الفاسدين الذين يحكموننا !! لكننا يا أحبة لم نقدم ثمن هذا حتى الآن ! والثمن يزداد على قدر السلعة" ألا إن سلعة الله غالية " لذا فنحن يجب أن نتحرك فى أكثر من اتجاه أهمهم المصالحة مع النفس والأهل وقبلهما مع الله الذى حرم الظلم على نفسه وأعيدوا قراءة آيات الظلم التى سردت بعضها لتدركوا أن تقصيرا شديدا نفعله كل يوم بل أحيانا كل لحظة تؤدى الى ظلم النفس واضعاف القدرة على مقاومة الظلم والظالمين !! فلا تستعجبوا من قصر نفس البعض فى معركة الجهاد ضد الظلم ولا تستغربوا غياب أغلبية الشعب عن صفوف المقاومين فقد طالهم من الظلم للنفس أشياء وأشياء وهو ما جعلهم دائما فى حالة خوف وضعف وتردد ! ولن تبدأ المعالجة الصحيحة إلا بمعرف المسببات الحقيقية لحالة العجز التى انتابت أغلبنا وصاحب كل ذلك استعجال وهلع وإحباط ويأس يصب فى النهاية فى خانة المجرمين الذين تحكموا فى الشعب وأحكموا عليهم الحصار
و صدق الله العظيم "قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " "كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون"

موضوعات هادفة ومميزة

موضوع رائع جدا