هوس أمريكي جديد !

الأسبوع الماضي شهدت الجامعات الأمريكية تظاهرة عدائية ضد الإسلام والمسلمين ، تحت شعار "أسبوع التوعية بالفاشية الإسلامية " ، هذا الحشد قاده بالأساس مركز يدعى (دافيد هورويتز للحرية) ،ويتزعمه دافيد هورويتز ، وهو من الشخصيات شديدة التعصب ضد الإسلام والوجود الإسلامي كله ، ليس في أمريكا وحدها بل في العالم كله ومن رموز اليمين الأمريكي المتطرف ، التظاهرة التي شاركت فيها حوالي مائة وخمسون جامعة أمريكية حسب ما هو معلن لم تخف قلقها من "العقلانية" التي تتسم بها كثير من الجامعات الأمريكية في التعامل مع الإسلام والحالة الإسلامية ، وخاصة أن اليسار الأمريكي له حضوره القوي بين النخبة الأكاديمية ، ولذلك لم تخف الحملة أن أحد أهم أهدافها مواجهة ودحض اليسار الأمريكي ونفوذه في الجامعات الأمريكية وبين أوساط الطلاب ، دافيد هورويتز منظم التظاهرة وضع آليات عديدة لتهييج الخواطر والمشاعر الأمريكية ضد الإسلام والمسلمين ، من ذلك عرض بعض الأفلام التي تصف المسلمين بالوحشية والقتل ، وكذلك اختار ملصقه صورة مركبة لامرأة وهي تدفن حية تمهيدا لرجمها بالحجارة لأنها ارتكبت جريمة الزنا ، واعتبر أنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ المرأة في بلاد المسلمين من الإسلام ، رغم أن هذه الجريمة أو ذلك الحد لا يذكر التاريخ أنه قد ذهب فيه عشر نساء ، بينما سجل التاريخ أن أكثر من عشرة ملايين امرأة أوربية ذهبت ضحية الوحشية الضارية سواء في الصراعات الدموية المروعة بين الكاثوليك والبروتستانت ، أو في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، كما أن الإحصائيات الأمريكية ذاتها تتحدث عن امرأة تغتصب أو تقتل كل عدة دقائق في أمريكا ، لكن صاحبنا لم ير إلا المرأة التي رجمت لأنها زنت في أفغانستان ، ومسألة إلصاق تهمة الفاشية بالإسلام دشنها قبل عدة أشهر الرئيس الأمريكي نفسه جورج بوش في خطاب شهير ، بل إن وصف "الفاشية الإسلامية" لم يذكر منذ أعوام صراحة إلا على لسانه ، ثم أعقبه مع الأسف تأييد سريع من الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد زعيم "المجموعة الأمريكية" في قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط ، حيث دافع في اليوم التالي في صحيفة الشرق الأوسط بحرارة شديدة عن وصف "الفاشية الإسلامية" الذي أطلقه الرئيس الأمريكي وأثار غضبا عالما واسع النطاق ، منظم التظاهرة وجد بعض الشخصيات الأمريكية النسوية من أصول مسلمة وارتدت عن الإسلام لتقوم باللازم مثل نوني درويش ووفاء سلطان ، فلم يعد محتاجا لخدمات أمثال عبد الرحمن الراشد ، أسبوع التوعية الأمريكي المزعوم لم يثر اهتماما كبيرا في الإعلام العربي ، ربما لأن بعض الأقلام العلمانية المتطرفة تكتب في صحف مصرية وعربية في هجاء الإسلام وشريعته وتاريخه ومجتمعاته والمتمسكين به ما هو أسوأ من كلام دافيد هورويتز ، بل إني أعتقد أن الرجل لو انتبه لهم لاعتبرهم "ملهمين" له في مواجهته الخرافية مع الإسلام والمسلمين ، التظاهرة الأمريكية المجنونة قيمتها الأساسية في أنها تعطينا مؤشرا على وجود تيار قوي وشديد التعصب والتشنج في كراهيته للإسلام والمسلمين ، ويكون من المهم بذل الجهد العلمي والإعلامي لاحتواء مؤامراته وعزله عن النخبة الأوربية والأمريكية ، وتعزيز تواصلنا الأخلاقي والمستنير مع الأصوات العقلانية والنبيلة في العواصم الغربية وإن قلت ، ويكون من الخطر أن ننزلق إلى مهاترات مع أمثال هؤلاء المتعصبين أو نتيح لهم فرصة إشعال الحرائق في كل جسور الحوار مع الغرب
جمال سلطان