منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

انا المسجد والساجد

اذهب الى الأسفل

انا المسجد والساجد Empty انا المسجد والساجد

مُساهمة من طرف saied2007 الثلاثاء ديسمبر 11, 2007 12:20 pm

روي لي الراوي فقال: أتذكر "روضة " ريجنت في لندن ؟ أني لأعلم كم أنفقت في أيامك الخوالي من ساعات في تلك الروضة الفسيحة الجميلة، وأعلم أنها كانت لك المتنزه، والملاذ، والمحراب. فلما أقيم المسجد علي حافتها، ازدانت به الروضة وازدادت وقارا علي وقارها. ولأني أعلم عن صلتك بتلك الروضة، تعمدت أن أزورها، عندما قضيت بضع أيام هناك ـ قضيتها في مزيج من راحة وعلاج ـ وما أن بلغت الروضة، حتى أخذت سمتي نحو الأماكن التي اعلم أنها كانت أثيرة لديك، بادئا جولتي ببستان الورد. وفي ركن ظليل من أركانه، جلست علي الكنبة الخشبية، وهي الكنبة التي اعتدت أنت الجلوس عليها.. إنني يا أخي لا أعرف لذلك البستان ـ بستان الورد ـ مكانا شبيها في روضة "ريجنت" شبيها.
ولم البث في خلوتي تلك إلا دقائق، حتى جاء ليجلس معي علي الكنبة رجلان هنديان ملتحيان، وأخذا يتحدثان بالإنجليزية. ولم أنصت، ولكن لم يكن في وسعي إلا أن تسمع أذناي، فلما سمعت في حديثهما كلمة" المسجد" تتردد أنصت لأرهف السمع، فكان ختام هذا الحديث هذا السؤال وجوابه:
ــ أذاهب أنت معي إلي المسجد ؟
ــ يا صديقي أنا المسجد والساجد معا
وانصرف صاحب السؤال ـ ولم تمض خمس دقائق، حتى انصرف كذلك صاحب الجواب. فماذا تظنه يعني بقوله انه المسجد والساجد معا ؟ فلولا أنني رأيت وجهه مضئيا بتقوى العابدين لقلت ان الرجل إنما أراد أن يعفي نفسه من شيء لا يحبه . فماذا تقول في معني عبارته تلك ؟
قلت لصاحبي لقد كان الرجل قوي التعبير واضح المعني. فلقد أراد أن يقول لزميله أنه انما يعبد الله أني كان وأينما كان. أنه يعبد الله قياما وقعودا وعلي جنبه. نعم انه يؤم المسجد " المبني مع من يؤمه من المسلمين، لكنه حتى وهو في المسجد " المبني " يجعل من ذاته مسجدا داخل مسجد، بمعني انه يستغرق وجوده في عبادته. فكم هم كثيرون كثرة تذهلك، أولئك الذين يؤدون صلاتهم في بيت الله فتري الواحد منهم قائما بجسده راكعا بجسده ساجدا بجسده، وأما عقله كله وقلبه كله فشاردان هناك في الأفق البعيد يحسبان المكسب والخسارة ويكملان رسم الخطة التي يعدانها ليكيدا للخصوم، وعندئذ يتحول المسجد في حياتهم ليصبح مكانا كأي مكان أخر يرونه صالحا للتدبير والتخطيط. وأما صاحبنا الهندي بتعبيره القوي ومعناه الواضح، فقد أراد لبدنه أن يكون مسجده حتى وهو في المسجد، لكيلا يفلت منه زمام عقله أو تشرد الأهواء بقلبه. حتى ولو أخلص العابد لعبادته وهو في المسجد، مرخيا لنفسه العنان قبل ذلك. وأما فيما قبل القوس الأول وبعد القوس الأخير، فهو مطلق السراح. فيجيء التعبير الذي عبر به الهندي التقي عن ذات نفسه ليلفت أنظارنا إلي وجوب أن تستمر معنا تقوي الله، قبل المسجد وفي المسجد وبعد المسجد، ولكن كيف ؟
قبل أن أعرض ما أريد عرضه، يحسن أن أضع بين يدي القاريء أمثلة قليلة تصور له السلبية المميتة التي يريد لنا نفر من قادة الرأي أن نفهم إسلامنا علي ضوئها.
أولاـ يجمل بنا أن نضع نصب أعيننا تلك الحقيقة المرة، وهي أن الرقعة الجغرافية المتصلة والممتدة من اندونيسيا شرقا إلي المغرب غربا مرورا بباكستان وأفغانستان وإيران والوطن العربي وأقطار من أفريقيا، هذه الرقعة الجغرافيا بأسرها والتي هي الوطن الأساسي للشعوب الإسلامية، توشك أن تكون في مجموعها أقل بلاد الدنيا نصيبا من التقدم بأي مقياس نختاره لنقيس به من تقدم من الشعوب ومن تأخر، اللهم إلا إذا اخترنا " الإسلام" في ذاته علي أنه هو نفسه " التقدم"، مهما يكن من نصيب المسلمين بعد ذلك من التعليم، ومن الإنتاج الاقتصادي، ومن مستوي المعيشة، ومن الإبداع في الأدب والفن نومن الإضافة الحقيقية إلي العلم وما يتفرع عنه... فإذا رأينا أن تلك الحقيقة المرة، أفلا ينبغي لضمائرنا أن تتأرق لتدفعنا دفعا إلي جدية النظر وجدية التفكير وجدية العمل سائلين أنفسنا: لماذا ؟ ألا يجوز أن نجد بعض الجواب متضمنا في ذلك التعبير القوي، وهو أن المسلم لم يجعل من نفسه " مسجدا وساجدا" قبل المسجد وفي المسجد وبعد المسجد ؟
ثانياـ انه بغير شك، لابد للمسلم ـ شأنه في ذلك شأن أي مؤمن بأي عقيدة دينية أخري ـ أن يكون "عابدا" بما تضعه له عقيدته من صور العبادة.. وفي هذا الصدد نسأل ـ جادين ومخلصين ـ أفلا ينبغي للمسلم أن يتدبر في روية وفي عمق قول الله سبحانه: ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون )؟ فما هو ذلك الجانب من حياة الإنسان الذي يظل قائما مع الإنسان، ما امتدت لذلك الإنسان حياة واعية ؟ أيمكن أن يكون المقصود بالعبارة مقصورا علي صور العبارة المعروفة من صلاة وصوم وغيرهما ؟ نعم ـ إن هذه الصور المعروفة هي أركان الإسلام، لكنها موقوتة بـأوقاتها، فماذا عسي أن تكون الصورة المقصودة بالعبادة، حين نعلم من القران الكريم أن الإنسان ما خلق إلا ليعبد ؟ إن كاتب هذه السطور لا يري ـ بكل التواضع الذي يستطيعه انسان ـ لا يري إلا أن تكون العبادة التي ما خلقنا إلا لأدائها إنما هي ـ إلي جانب الأركان المعروفة ـ اجتهاد في سبيل معرفة الإنسان لربه، عن طريق معرفته لمخلوقات ربه.فها هنا نستطيع أمن نتصور صورة من الدأب الدءوب الذي لا يفتر لحظة علي طول الحياة الواعية، محاولا أن "يعرف" ثم "يعرف المزيد" ثم يعرف مزيدا من المزيد إذا جاءه أمر ربه.. علي أن النقطة من نقاط حديثي هي التي سوف تكون احدي ركيزتين أساسيتين سيكونان المحور الرئيس للموضوع كله.
ثالثاـ وهذه نقطة متصلة بما أسلفته لتوي، أذكرها راجيا أن تتسع صدورنا لما بقوله بعضنا لبعضنا، فكلنا طلاب حقيقة نسعى إلي إدراكها والي العمل بمقتضاها، ولا ضير في أن يصحح أحدنا الأخر، بل لابد أن يصحح أحدنا الأخر لتتحرك حياتنا الفكرية نحو ما هو أصح وأكمل، والا من ذا الذي يدعي لنفسه سعة من العلم لا تنتهي حدودها وعصمة من الخطأ لا موضع للذ لل والخطا ؟ واني إذ أقول ذلك، فإنما أقوله وفي ذهني أمثلة حية مما قرأته أو سمعته لعلماء منا لا أشك لحظة في فضلهم وفي إخلاصهم وسلامة طويتهم، لكنني في الوقت نفسه أشك كل الشك في سداد ما يكتبونه أحيانا وما يذيعون في الناس، وذلك حين أشعر في قوة ووضوح أن مؤدي ما يقولونه في موضوع "العبادة" قد يفهمه الآخذون عنهم أنها عبادة السكون والقعود والزهد والرضا بالقليل من دنيا "العلم" ومن دنيا " العمل" ؟ وكان آخر ما سمعته في هذا الباب ما أذاعه أستاذ جليل عن " القدس" وكيف تكون سبيلنا لتحريرها من قبضة إسرائيل، إذ قال أن الوسيلة هي "العبادة". والشرط الذي اشترطه فضيلة لتلك العبادة هو أن تعم الأمة الإسلامية كلها لا تقتصر علي نفر منها دون الآخرين. ولو أن فضيلته قصد " بالعبادة" ذلك المعني الواسع الذي سأجعله موضوعا لحديثي بعد قليل، لكان قوله صوابا. لكنه قال قوله ذاك في سياق لا يجعل للعبادة معني في أذهان السامعين إلا ما هو معروف من "أركان" الإسلام الخمسة. أي أنه يكفي أن يقيموا الصلاة ويؤدوا الزكاة ويصوموا رمضان ويحج منهم من هو قادر، وذلك كله بعد شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيخرج الإسرائيليون من القدس. لقد سبق لكاتب هذه السطور أن ذكر سامعيه (في محاضرة عامة ألقاها في تونس )، كما ذكر قراءه( في مقاله له)، ذكر أولئك وهؤلاء بأن أركان البناء لابد أن تقام قوية و راسخة. لكن في البناء إلي جانب "الأركان" غرفا وجدران، ومن تلك الغرف والجدران أن يكون المسلم إذا كان السلم وفي الحرب إذا كانت الحرب، وبهذا الجانب من العبادة تخلو القدس من الغاضبين.
ربما كنت بتلك النقاط الثلاث، قد مهدت الطريق إلي ما أريد عرضه تعليقا وتوضيحا لتلك العبارة التي قالها ذلك المسلم الهندي، حين أجاب صاحبه الذي سأله إن كان راغبا في مرافقته إلي المسجد إذ أجاب قائلا: يا صديقي أنا المسجد والساجد معا، لله سبحانه وتعالي.. عند كل مسلم كتابان: القران الكريم وهذا الكون العظيم الذي يحيط بنا ونسكن كوكبا من ملايين من كواكبه وأنجمه. وذلك لا ينفي أن يكون الكتاب الثاني محكوما بكتاب الأول، بمعني أن "الكلمة" تسبق فعلها، و"كن" يتبعها أن "يكون". ومن القران الكريم يستمد المسلم ـ بين ما يستمده ـ المبادئ والقواعد التي يقيم حياته السلوكية علي أسسها، ومن كتاب الكون يستمد المسلم (وغير المسلم) قوانين "العلم" التي علي أساسها وفي حدود ما يعلمه منها يصنع الغذاء ويصنع الدواء وينسج الثياب ويبني المساكن ويقيم الجسور ويصوغ المعادن أدوات لعيشه وسلاحا لحربه إلي آخر ألوف الآلاف من صنائعه إن كان لتلك الصنائع أثر. وكلا الكتابين مقروء للناس بمقادير ودرجات تتفاوت بتفاوت أفراد الناس في قدرتهم علي القراءة. ولكل من الكتابين لغته التي لابد أن تدرس دراسة دقيقة و عميقة، حتى يتمكن الدارس من استخلاص ما ظهر من مضمونها وما بطن. ولذلك كان لكل من الكتابين علماؤه المتخصصون الذين يجب أن يكونوا مرجعا يلوذ به من أراد العلم من غير المتخصصين، إلا أنه من المألوف للناس أن تكون لغة القران الكريم هي اللغة العربية، لكنه ليس من المألوف عندهم أن يقال أن لظواهر الكون لغاتها، وهي اللغات التي يحتال علي قراءتها العلماء الباحثون عن أسرار تلك الظواهر، أي أنهم باحثون عن قوانينها. غير أن لغات الظواهر الكونية أقرب إلي ما يسمونه "بالشفرة"، أو هي أقرب إلي الكتابة بمداد غير مرئي للعين إلا إذا عولج بمواد معينة فيظهر للعين بعد خفاء. واحتيال العلماء علي ظواهر الكون حتى يكشفوا عن أسرارها هو نفسه الذي نطلق عليه اسم "المنهج العلمي" في البحث، و إلا فكيف قرأ علماء الضوء ما استكن في ظاهرة الضوء بحيث استطاعوا أخر الأمر أن يطوعوه لأغراضنا، فكان لنا تلك المصابيح التي نستضئ بضوئها، كما كان لنا أجهزة أخري كثيرة كالتليفزيون وغيره ؟ وكيف قرأ علماء "الصوت" وعلماء "الكهرباء" وعلماء "الجاذبية" وعلماء هذا وعلماء ذلك، كيف استطاع العلماء، أن يقرءوا تلك الكائنات جميعا ليستخرجوا ما كان مكنونا من سرها فطوعوها، وأصبحت حياة الناس كما نراها بوسائلها و أجهزتها ولم يعد في مستطاع أحد أن يتصور لنفسه حياة بغيرها.. ؟ ولقد كان هؤلاء العلماء في جهدهم ذاك، حتى يكشفوا ما استطاعوا الكشف عن كنزه المستور.
قل لي ـ بالله ـ يا أخي أين هو المسلم الواحد الذي لا يفخر ويفاخر بآبائه المسلمين فيما قالوه وما فعلوه خلال القرون العشرة الأولي من تاريخ الإسلام والقرون الأربعة الأولي منها علي وجه الخصوص ؟وإذا كان هذا هكذا ـ فتعال معا نحلل العوامل الأساسية التي جعلت تلك القرون مختلفة عما تلاها إلي يومنا هذا. إن الأسبقية الزمنية وحدها لا تكفي للتعليل، ولابد أن يكون الفرق كامنا فيما أداه أولئك وما يؤديه هؤلاء. وإذا أذنت لي بأن أدلي بين يديك برأي عاجل، ولكنه شامل، لقلت أن الفارق الرئيس بين الفترتين إنما هو أن الأولين عنوا بالكتابين معا: القران الكريم والكون العظيم، معترفا لك بأن القران الكريم قد ظفر منهم بالاهتمام الأكبر، مما كان ينبغي أن يؤدي بنا إلي نتيجة هامة لو كنا حريصين علي أن نكون مع أسلافنا استمرارية تاريخية ايجابية وفعالة، وتلك النتيجة هي أن نعتمد إلي حد كبير علي دراساتهم القرآنية لنجعل لدراسة "العلوم" الكونية فرصة أوسع.
إننا حين نعتز بأسلافنا ترانا لا نقصر الأمر علي فقهاء الدين منهم، بل نحرص علي أن نضيف الأسماء اللامعة لعلماء الرياضة وعلماء الطب وعلماء الكيمياء وعلماء الفلك والمؤرخين والرحالة فضلا عن الشعراء والنقاد والفلاسفة. فهؤلاء جميعا قد وجهوا جهودهم نحو الكون، يقرءون ظواهره ليصفوها وليحللوها وليستخرجوا قوانينها، ثم أصابنا الجمود منذ القرن الخامس عشر الميلادي. ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا قبل ذلك لم تكد تتجه بنظرة واحدة نحو تلك العلوم، (وهذا الحكم منصب بالطبع علي ما بعد العصر اليوناني ) وكان أسلافنا المسلمون وحدهم هم فرسان الميدان، تحول الموقف تحولا حادا بعد ذلك التاريخ، فاتجهت أوروبا بكل عقولها وقلوبها نحو طبيعة الظواهر الكونية يدرسونها، ووقفنا نحن وقفة الأشل، فلم يتبقا لنا من ميادين الدراسة شيء إلا أن يعيد الدارسون ما كتبه الأولون متصلا بالقران الكريم، فلا هم أضافوا شيئا في هذا المجال، ولا هم بالطبع أنفقوا من وقتهم ساعة واحدة يدرسون فيها ظاهرة من ظواهر الكون.
وإذا شاركتني هذا الرأي، انفتح الطريق أمامنا نحو الوسيلة التي ننهي بها مأساتنا فهي ـ كما نري ـ أن نجعل إسلامنا علي نحو ما كان إسلام السابقين فيما يختص بالحياة العلمية. فقد كان عالم الرياضة أو عالم الطب أو عالم الكيمياء الخ مسلما عالما، لا "مسلما وعالما" بإضافة واو العطف بين الصفتين، بمعني أن اهتمامه بالفرع الذي يهتم به من فروع العلم الرياضي والطبيعي كان جزءا من إسلامه، أو بعبارة أخري، كانت العبادة عنده ذات وجهين: بالوجه الأول منهما يعبد الله بالأركان الخمسة، وبالوجه الثاني منهما يبحث في خلق السماوات والأرض وما بينهما كما أمره القران الكريم وبهذه النظرة نفسها يكون مخرجنا من مأساتنا، وهي المأساة التي جعلت الأمة الإسلامية علي حالتها من الضعف، كما أسلفنا القول في ذلك.
وإذا اتجه المسلمون بإيمان راسخ وعميق نحو دراسة "العلوم"، لا من حيث هي "مذكرات" حفظوها" تحفظ، بل من حيث هي ضرب من عبادة الله عز وجل لأنها نظر في خلق الله، لاستطاعوا أن يتميزوا في هذا المجال بالقياس إلي علماء الغرب. لماذا؟ لأنهم بحكم إسلامهم موجهون نحو "التوحيد" بكل معني من معانيه، فتوحيد الله سبحانه وتعالي عند المسلم، لو أخذ مأخذا بصيرا ـ لاستتبع عند المسلم توحيدا لشخصيته هو وتوحيدا للكثرة الظاهرة في كائنات العالم، بحيث تنخرط كلها في "لون" واحد متكامل الأجزاء. وكلا الجانبين من التوحيد، وأعني توحيد يعود بها إلي مبدأ واحد، أقول: إن كلا الجانبين من التوحيد غائب أو كالغائب عن الحياة الفكرية في عصرنا التي هي حياة انفرد بها حتى الآن علماء الغرب. وما ينفك أدباء الغرب ومفكروه يشيرون إلي هذا النقص الخطير الذي أدي إلي كثير من أمراض العصر النفسية وعلي رأسها القلق والشعور بالاغتراب، وكأن الإنسان يعيش في غير بيته ومع غير أسرته.
نعم ـ لو أن المسلمين عبدوا الله من ناحية دراستهم لخلق الله بالإضافة إلي عبادته سبحانه وتعالي من ناحية الأركان الخمسة، لانتهوا إلي ما يصح تسميته بالعلم "الإسلامي". فالعلم لا يصبح إسلاميا بهذا العبث الذي يطن في آذاننا كل يوم حين نسمع صيحات تقول: نريد علم نفس إسلاميا، ونريد علم اجتماع إسلاميا، ونريد علم اقتصاد إسلاميا. كلا، لأن كل علم من هذه العلوم الجزئية لا يستطيع إلا أن يكون علما لا تتغير صورته علي أيدي علماء اختلفت أوطانهم وعقائدهم، وإنما يصبح العلم إسلاميا بالوقفة العامة التي ترتب بها العلوم الجزئية في وحدة علي نحو ما نتوقع من المسلم الحق أن يوحد بين عناصره الداخلية العاقلة منها وغير العاقلة في ذات موحدة متسقة النغم متفقة الهدف. هذا،ذا كله لا يؤديه المسلم في المسجد وحده، وإنما يؤديه ـ كما قلت ـ قبل المسجد، وفي المسجد وبعد المسجد، فهل رأيت الآن يا صديقي، كيف يمكن أن تفهم عبارة المسلم الهندي التي قالها لزميله حين قال: إنني أنا المسجد والساجد ؟ هذا، ولم أقل "شيئا" عن الركيزة الثانية في حياة المسلم، ركيزة "الأخلاق" التي نزل بها القران الكريم، لينظم علي أساسها أنماط سلوكنا في حياتنا منفردة كانت تلك الحياة أو مجتمعة. ويغفر لنا هذا الحذف ضيق المقام أولا، ووضوح هذا الجانب في أذهان الناس. إذ من الذي لا يعرف أن المسلم الحق يحمل مبادئه الأخلاقية في ضميره أينما كان يحملها قبل دخوله المسجد وبعد خروجه من المسجد ـ كما يحملها وهو يؤدي صلاته في المسجد سواء سواء.

زكى نجيب محمود
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى