عاش العراق وسقط النظام ـ د. عبدالله الأشعل

الحالة العراقية بحاجة إلى دراسة عميقة يوافق يوم التاسع من أبريل 2003 سقوط العاصمة العراقية بغداد فى أيدى القوات الأمريكية ومعها البريطانية وإسقاط تمثال صدام حسين فى ميدان الفردوس فى بغداد, فبماذا يشعر العراقيون والعرب إزاء ذكرى هذا اليوم؟
الملاحظة الأولى: أن سقوط عاصمة الرشيد والتجرؤ على احتلالها يعطى درسين فى آن واحد، الدرس الأول هو أن الحداثة التى تمثلها واشنطن بلا عمق تاريخى تتحدى التاريخ العربى والإسلامى،ومن خلال ذلك التمكين لإسرائيل لسرقة الذاكرة والانتقام لما فعله نبوخذ نصر ببنى إسرائيل فى القدس منذ آلاف السنين.والدرس الثانى هو أن قدم العواصم لا يعطيها قدسية إذا كان نظامها السياسى لا يحظى بالاحترام والقبول فى الداخل والخارج.
الملاحظة الثانية هى أن الأكراد اعتبروا يوم سقوط بغداد سقوطاً للنظام والدولة وعاصمتها التى كانت دائماً فى شقاق معها بالحق وبالباطل. ولن تجد اثنين فى العراق يتفقان على موقف بالنسبة للأكراد. فهناك من يرى أن بطش النظام بهم هو الذى تسبب فى دعمهم للغزو الأمريكى واحتفالهم بسقوط النظام والدولة. كما أن هناك من يرى أن النظام كان رقيقاً مع الأكراد، ومع ذلك فإن الأكراد كانوا يستخدمون من جانب إيران ضد الحكومة العراقية, مثلما كانت الحكومة العراقية تسمح لتركيا بالقيام بعمليات توغل ضد الأكراد فى شمال العراق. ثم أن الولايات المتحدة تلعب بالورقة الكردية منذ عام 1991،كماأن واشنطن قد أصرت على تفسيرها الخاص لقرار مجلس الأمن رقم 688 الصادر فى 3أبريل عام1991 حول ماسمى بمناطق حظر الطيران ،وهو القرار الذى يعبر بحق عن النية فى تفكيك الدولة العراقية فى وقت مبكر، وبطريقة عملية.
فإذا كان الشيعة يعتقدون بشكل عام أن صدام حسين كان يضطهدهم _ وهذا غير صحيح _ٍلأن صدام كان علمانيا لايحفل بالأديان والمذاهب والطوائف، وإذا كان صدام قد اتهم بقهرهم حين زج بهم فى الحرب ضد إيران، فدفع الشيعى إلى محاربة الشيعى، وإذا كان صدام العلمانى لا يحفل بأنه سنى أو شيعى، فمن الواضح أن هذا التقسيم الثلاثى للعراق إلى سنى وشيعى وكردى هو تقسيم أمريكى، وأن المؤامرة كانت على العراق نفسه وليس على النظام الذى نشك كثيراً فى صلاته الأمريكية.
الملاحظة الثالثةهى أن النظام كان أحد أسباب الإضرار بالوطن العراقى، سواء بممارساته فى الداخل أو الخارج حتى ضاق به الجميع، وسلم الكثيرون بأن قهر الداخل والعدوان على الجيران وتوظيف قوة الدولة وأموال الشعب فى أعمال شجعتها واشنطن صارت حيثيات للعدوان على العراق، ولكن التبس على الكثيرين داخل العراق وخارجه تلك العلاقة بين النظام والوطن، وهم معذورون لأنه فى العالم العربى يصعب التمييز بينهما، مما يدفعنا بهذه المناسبة إلى استخلاص الدروس المفيدة فى هذا المقام.
الملاحظة الرابعة هى أن واشنطن تحاول أن تضّيع معالم المقاومة فأغرقت الساحة العراقية بكل الأطياف التى يدفع المواطن العراقى ثمنها من أمنه وحياته. وتقول واشنطن على لسان سفيرها فى بغداد وقائد قواتها فى العراق خلال جلسة الكونجرس يوم 8|4|2008 أن العراق بعد خمس سنوات من الاحتلال أصبح أفضل من قبل بكثير, وهو قول يناقض الواقع تماما.
خلاصة القول أن العراق محتل وأن للاحتلال نهاية, ولم يحدث فى التاريخ أن أحسن احتلال إلى أهله، وإنما فرقهم شيعا وطوائف، وخلق جماعات تتغذى على جثة العراق الواحد ولا إنقاذ للعراقيين إلا بعراق واحد عربى واضح المعالم ،وقد تحرر جسده من ماض أليم واستبشر بمستقبل أفضل. ولايسعنى فى هذه الذكرى إلا أن أوقظ العالم العربى حتى لايترك العراق ساحة للصراع أو التسوية بين إيران والولايات المتحدة. عاش العراق وعاشت بغداد ،أما الذى سقط فهو النظام ،والنظم أردية بعضها يتحلى به جيد الوطن، وبعضها يجلب له الخراب.

موضوعات متميزة وجادة