منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

من يوم الأرض إلى قيامتها ..خيري منصور

اذهب الى الأسفل

من يوم الأرض إلى قيامتها ..خيري منصور Empty من يوم الأرض إلى قيامتها ..خيري منصور

مُساهمة من طرف saied2007 الثلاثاء أبريل 01, 2008 2:07 am

للأرض التقاويم كلها، وإن كان يومها المديد لا يقاس بالساعات والدقائق، بل بعدد الشهداء الذين تتشكل من دمهم خميرة التاريخ، رغم أن الذاكرة المثقوبة لا فرق لديها بين يوم الأرض ويوم العرض، لا بالمعنى الذي يقترن بالشرف القومي بل بالمعنى الذي تحدده الواجهات في مواسم البيع بأسعار مخفضة، سواء كانت أسعار صابون أو أسعار كرامة آدمية ودماء.

ما مرّ عام لم تكن فيه الأرض هي شعلة النشيد والاسم الحركي لتاريخ وجغرافيا يجري استئصال القلب والروح منهما، لأن هذا اليوم الذي ينبثق فيه الربيع من جرح شاسع في خاصرة الأرض يشمل الاسطورة أيضاً، منذ تصورت شعوب هذه المنطقة من العالم زمن الخصب مرتبطاً بالدم، وأن الخنازير البرية يجب أن تمارس دورها في بقر البطن الذي امتلأ بالعصيان عليها وعلى كل الشرور التي أراد من يفرزونها كالسم أن تتحول الى ناموس أو قدر.

لكن يوم الأرض في عامنا هذا أقصر مما كان، لأن شمسه تلكأت في الشروق وقد تمكث قليلاً أو كثيراً عند الغروب، بحيث يتاح للبومة التي تخيلها هيجل ذات اشراقة فلسفية أن تواصل النعيب في الأفق، لعل النائمين يستيقظون، ولعل الاستغاثات المزمنة تصل إلى من ملأوا آذانهم بالطين والعجين.

قبل أعوام وعندما كانت الانتفاضة في ربيعها لم تكن أيام الأرض مجرد أوراق خضراء تتساقط من الروزنامة على الحائط الآيل للسقوط، لأن العنفوان كان يشمل حتى الصخر والتراب، ولم تكن العزائم قد تحولت الى هزائم عبر كيمياء شيطانية حولت السلام الى استسلام والاقبال الى إدبار، وبالتالي حولت الشفق إلى غسق لا آخر له.

ان روح الشعب تهجع قليلاً، وقد تصاب بالاعياء لبعض الوقت، لكن هذه الاستراحة هي لمعاودة الكرات، ولاستدراك الاخطاء ومن راهنوا على تحول يوم الأرض الى عطلة تشبه كذبة نيسان أخطؤوا مرتين لأنهم قرؤوا التاريخ بالمقلوب، ولأن عيونهم الكليلة المليئة بالقذى لم تبصر من الحريق غير الدخان.

هذا اليوم الذي يتمدد ليحول الزمان الى جغرافيا رسولية، يصل ما انقطع بين الخاصرتين في فلسطين، من خليلها الى جليلها ومن يافا الى غزة، ومن السرة المقدسية الى مختلف الشرايين التي تتدفق فيها الحياة رداً على فلسفة الابادة.

إن يوم الأرض محاصر هو الآخر بتقاويم محتلة لأن السنة التي نعيشها عجفاء بكل المقاييس وثمة اسراب من الغربان تتربص بالسنابل ولا يحتاج المشهد العربي بأسره الى فان غوخ آخر كي ينذر الربيع بخريف يقضم العناقيد والاغصان والجذوع وقد يأتي على الجذور ايضاً.

إن يوم الأرض هو يوم قيامتها من سبات شتوي طويل، تحولت فيه الكائنات الى زواحف بعد أن نزعت اجنحتها بلا تخدير، وأصبحت الثقافة الرائجة هي ثقافة ارتهان وامتثال وثمة حظر رسمي، وتلويح بالعقاب لمن يحلمون بلحظة عصيان نبيل تعيد اليهم آدميتهم المستباحة وتبعث الفرق الأبدي بين الضرورة والحرية وبين رغيف مغمس بالدمع وماء الوجه ووردة تمتلئ انساغها بالدم.

لقد حاول الواقعيون طرد الأرض من الأرض مثلما حاولوا حذف الانسان من الانسان لكنهم لم يتنبهوا بعد الى أن الواقعية ليست خضوعاً للأمر الواقع، وأن حق الانسان في أن يحلم بالحرية يتضاعف إذا كان أسيراً أو في زنزانة
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى