منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة الفساد في مصرالفساد في عهد السادات كان مهرجاناً كبيراً..واليوم أصبح جزء

اذهب الى الأسفل

قصة الفساد في مصرالفساد في عهد السادات كان مهرجاناً كبيراً..واليوم أصبح جزء Empty قصة الفساد في مصرالفساد في عهد السادات كان مهرجاناً كبيراً..واليوم أصبح جزء

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين مارس 31, 2008 12:43 am

كيف يمكن لحدث لم يستغرق أكثر من خمسة أيام أن يكون له مثل هذا الأثر في حياة أمة بأكملها؟: يوقف مسيرة الثورة، ويشيع اليأس في الناس، ويضعف بشدة شعورهم بالانتماء للوطن، ويصيب النظام الحاكم بالضعف والعجز عن تطبيق القانون، ويخفض معدل التنمية إلي معدل لا يكاد يزيد علي معدل نمو السكان، ويدخل في الخطاب الديني تياراً لا عقلانياً يتكلم باستمرار عن المعجزات، ويقبل الخرافات، ويعلي من شأن الطقوس وشكل الزي علي حساب التمسك بالأخلاق الفاضلة والمثل العليا، ويجعل المسلمين علي استعداد للتنكيل بالأقباط بلا سبب، ويشيع في الأقباط شعوراً بالتوجس والخوف، بسبب وبلا سبب؟ كل هذا وأكثر منه حدث في مصر نتيجة لهزيمة ١٩٦٧، فهل نستغرب أن ينمو الفساد في المجتمع المصري، ابتداء من هذا التاريخ بمعدل غير مسبوق؟ وكأن سكتة قلبية قد حدثت فجأة، فتوقف تدفق الدم من القلب إلي سائر أجزاء الجسم، فأصبح الجسم معرضاً لكل أنواع الفساد. إني أرجع بداية ظاهرة «الدولة الرخوة» التي نراها اليوم، في كل مجالات الحياة في مصر، في الاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة والإعلام والعلاقات الاجتماعية، بما في ذلك العلاقة بين المسلمين والأقباط، إلي وقوع هزيمة ١٩٦٧. والدولة الرخوة، فيما تعنيه، دولة عاجزة عن التصدي للفساد بمنع حدوثه أو بمعاقبته، فيصبح المال العام وكأن لا صاحب له، ولكنها تعني أيضاً، في حالة مصر - في أواخر الستينيات - التوقف عن اتخاذ أي إجراء مهم يصحح التفاوت بين الطبقات، وكأن الدولة المهزومة في ١٩٦٧ أصبحت تخشي مواجهة الأثرياء، ومستعدة للتغاضي عن نزواتهم، وعلي استعداد لأن تسمح لهم ولغيرهم بتهريب البضائع، الممنوع استيرادها، إلي داخل مصر، وتهريب النقد الممنوع تصديره إلي خارجها. والطبقة الوسطي التي جرحتها الهزيمة أكثر مما جرحت أي شريحة اجتماعية أخري، يجب تدليلها بتوفير بعض السلع التي كانت تتوق إليها ولا تجدها، وتوفير بعض وسائل التسلية والترفيه التي لم تكن متوفرة، فلا بأس من استيراد بعض أفلام الجنس، وتوفير السلع الكمالية في الجمعيات التعاونية، والسماح لدور النشر الأجنبية بعرض الكتب التي كانت تتعرض لرقابة شديدة، وذلك في معرض سنوي للكتاب، ولبعض المسرحيات التي تنتقد النظام، بأن تعرض للناس لإتاحة فرصة للتنفيس عن الغضب. ولا بأس أيضاً من السماح لمن استطاع تكوين ثروة صغيرة في ظل القوانين الاشتراكية، أن يفتح مطعماً أو ملهي يزيد به من ثروته، مع بعض التهاون في تحصيل الضرائب منه، بل ولا بأس من التراجع عن إصلاح الجامعة والعودة إلي نظام الأعداد الكبيرة، حيث يقبل حملة الثانوية العامة في الجامعة دون تمييز يذكر بين من يستحق أن يتعلم بالمجان في الجامعة ومن لا يستحق. فالمهم هو فقط إرضاء الناس وعدم إعطائهم سبباً جديداً للتذمر. ولا بأس أيضاً من استخدام الدين في وسائل الإعلام استخداماً لصالح النظام، فيفسر الدين تفسيراً يؤكد الاستسلام للمقادير والصبر علي الشدائد، ويشجع الناس علي الانغماس في مظاهر التعبد، عسي أن ينصرفوا عن التفكير في أمور الحاضر. ويرتبط بهذا أيضاً ويساعده إحياء التاريخ المجيد للمصريين، عسي أن يكون في تذكره سلوي من مصائب الحاضر، وتشجيع الاهتمام بالتراث الثقافي والموسيقي والرياضة، عسي أن يجد الناس فيها نفس السلوي. ليس هناك مجتمع، في أي عصر، خالٍ من الأشخاص المستعدين لارتكاب أعمال الفساد، كما أن الميكروبات موجودة دائماً في أي هواء، ولكن هناك مناخاً يضعف المناعة ضد الميكروبات وآخر يقويها، وقد كان المناخ الذي بدأ يسود في مصر في أعقاب هزيمة ١٩٦٧ من النوع الذي يضعف المناعة ويساعد علي نشر العدوي. لقد ضعف ذلك الشعور بالولاء للوطن الذي أشاعه قيام الثورة في ١٩٥٢، وإحرازها نجاحاً بعد نجاح في سياستها الداخلية والخارجية علي السواء، إذ كشفت الهزيمة قناعاً كان يخفي وراءه كثيراً من الزيف. وإذ انفضح أمر النظام وفقد معظم قوته التي كان يستخدمها لفرض إرادته وفرض احترام القانون. كانت النتيجة أن هاجر بعض المثقفين وانتحر بعضهم، كما انتحر قائد الجيش، ولكن كان من النتائج أيضاً أن التفت عدد متزايد من الناس إلي أمورهم الشخصية بدلاً من اهتمامهم بشؤون الوطن، ومن كان منهم ضعيف الخلق أصلاً. لم يجد بأساً في ارتكاب أعمال غير أخلاقية، في مناخ ما بعد ١٩٦٧ تحول بعض السياسيين إلي مستثمرين، وبعض الملحنين إلي تجار، وبعض أساتذة الجامعات إلي مدرسين خصوصيين.. إلخ، ولكن فرص الإثراء الحقيقي لم تتكاثر إلا بعد مرور ثماني سنوات علي الهزيمة، أي في منتصف السبعينيات، فهنا ظهرت بوضوح تام الفرص الحقيقية للفساد والإفساد، إذ تضافرت منذ ذلك الوقت عوامل حديثة تساعد علي مزيد من إضعاف الدولة، ومن إضعاف الولاء للوطن. *** كانت شخصية الرئيس قد تغيرت قبل ذلك بخمسة أعوام، فقد تسلم الرئيس السادات الحكم بوفاة جمال عبدالناصر في ١٩٧٠، وكانت شخصية السادات بذاتها ملائمة تماماً للمناخ الجديد الذي حل بعد الهزيمة، ولكن السادات نفسه كان عاجزاً عن ارتكاب أعمال فاحشة من أعمال الفساد، طالما كان المناخ غير موات لذلك. كان السادات من النوع الذي يرتعد خوفاً من غضب الرئيس عبدالناصر فلم يجرؤ علي ارتكاب أعمال فساد كبيرة إلا بعد أن أصاب الضعف النظام كله في ١٩٦٧. إن واقعة استيلاء السادات علي قصر أحد الضباط (لمجرد أن القصر أعجب زوجته)، لم تحدث إلا بعد أن عينه عبدالناصر نائباًً للرئيس في ١٩٦٩، (وعلي كل حال فقد اكتفي عبدالناصر بإبداء غضبه لفترة قصيرة أعطاه بعدها قصراً بديلاً علي النيل). أما قبل ذلك فقد اقتصر السادات علي أعمال من نوع قبول هدايا فاخرة أثناء رئاسته ما سمي المؤتمر الإسلامي، منها سيارات كاديلاك كان يهدي بعضها لقائد الجيش المشير عبدالحكيم عامر. ولكن أياً كان حجم المخالفات التي ارتكبها السادات أثناء حياة عبدالناصر فقد كانت شخصيته من النوع الذي يسمح له بارتكاب أكثر منها بكثير في ظل مناخ مختلف (وهي ملاحظة تنطبق أيضاً وبلا شك علي شخصيات أخري مهمة لعبت دوراً مهماً في كلا العهدين). وقد كان هذا هو ما حدث فعلاً في عهد السادات بمجرد أن تغير المناخ الاقتصادي والاجتماعي العام، وتغيرت أيضاً علاقة مصر بالقوي الخارجية. حدث هذا في منتصف السبعينيات عندما بدأ في مصر عهد التضخم الجامح في أعقاب حرب أكتوبر ١٩٧٣ ودشن السادات السياسة المعروفة بالانفتاح الاقتصادي، فتدفقت سلع الاستهلاك الفاخر والاستفزازي علي مصر، وارتفع بشدة معدل الهجرة إلي دول الخليج، فارتفع أيضاً معدل الحراك الاجتماعي. وقد تجاوب التليفزيون مع هذا المناخ الجديد فشاهد الناس علي شاشته برامج ومسلسلات من نوع جديد، تعبر عن تطلعات وطموحات جديدة، وبدأ اعتماد التليفزيون في تمويل برامجه علي الإعلانات التي حقق بعضها شعبية بالغة (تزيد أحياناً علي شعبية المسلسلات)، وساهم هذا كله في دعم حمي الاستهلاك، وكأن المصريين قد اكتشفوا لأول مرة المعني الحقيقي «للحياة الحلوة»، وهي حياة الاستهلاك العالي والبذخي. كل هذا خلق مناخاً يغري بشدة بارتكاب أعمال الفساد، خاصة مع ما أصاب الشعور الوطني من ضعف بسبب الهزيمة، وتضاؤل الطموحات والآمال التي تتعلق بنهضة الوطن، فلم تبق إلا الطموحات والآمال المتعلقة بتحقيق الثراء. فإذا قويت الإغراءات وضعف الشعور بالانتماء، في ظل دولة ضعيفة علي رأسها رجل لديه ميول مماثلة، واستعداد طبيعي لقبول المعني الجديد «للحياة الحلوة» لنفسه والمحيطين به، كان من الطبيعي جداً أن ينتشر الفساد في مصر، ولا يدحض هذا إصدار السادات قانوناً جديداً من نوعه اسمه «قانون العيب»، وكأنه محاولة لا شعورية لنفي حقيقة موجودة بالفعل. هكذا شهدت مصر في النصف الثاني من عهد السادات أمثلة جديدة وغير معهودة للفساد في مختلف المجالات: في المدارس والجامعات اشتدت ظاهرة الاتجار بالكتب المدرسية والجامعية والدروس الخصوصية، وتغيرت أسس اختيار مديري الجامعات والعمداء، فلم تعد قائمة علي المركز العلمي والاحترام الذي يتمتع به الشخص المختار(كما استمر الحال حتي نهاية الخمسينيات) ولا علي الاستعداد للترويج لشعارات الاشتراكية (كما أصبح الحال في الستينيات) بل علي الاستعداد لغض البصر عما يرتكب من مخالفات للقانون في المحيط الجامعي. وشرع نفس الأساتذة الذين ألفوا كتباً في تقريظ الاشتراكية في تأليف كتب جديدة للدفاع عن الانفتاح الاقتصادي، خاصة أن الهيئات الدولية الممولة للبحوث لم تشمل بعطفها إلا البحوث التي تساير الاتجاه الجديد. وفي الاقتصاد انتشر، مع تدشين سياسة الانفتاح، توزيع تصاريح الاستيراد وتوكيلات الشركات الأجنبية علي الأقارب والمحاسيب، وبدأ تنفيذ الدولة مشروعات للتعمير مشكوكاً في فائدتها، تحقيقاً لمصالح خاصة قريبة من آذان السلطة، وتضخمت العمولات المقبوضة علي صفقات الحكومة، خاصة في شراء الأسلحة. وقد بدا الإغراء شديداً في هذه الفترة لمديري شركات القطاع العام الذين يقبلون الدخول في مشروعات مشتركة مع شركات أجنبية ولو أدي هذا إلي الإضرار بعمال وموظفي الشركات القديمة وزيادة أعباء المستهلكين. وفي الزراعة انتشر التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء المخالف للقانون، حتي كاد ما فقدناه من أراض زراعية خلال السبعينيات، بسبب البناء، يعادل ما أضافه السد العالي. وفي الإسكان بدأت ظاهرة جديدة تماماً، وتكرر حدوثها عبر فترات قصيرة، وهي سقوط عمارات حديثة البناء علي رؤوس سكانها بسبب استخدام أسمنت مغشوش، أو التوفير في كمية الحديد، أو إضافة أدوار جديدة دون ترخيص...إلخ. عندما كشف للناس بعد مقتل الرئيس السادات، حجم الثروة التي كوّنها شقيق الرئيس (عصمت السادات) في عهد أخيه، تبين للناس ليس فقط المدي الذي وصل إليه الفساد في عهده، بل أيضاً المدي الذي بلغته حمي الاستهلاك في ذلك العهد، والنهم الذي لا يروي إلا بالمزيد من الثروة، إذ تبين أن ممتلكات هذا الشقيق الذي لم يكن له من الوظيفة أو التعليم، أو حتي من الأعمال التجارية والاستثمارات، ما يؤهله لامتلاكها في هذه الفترة القصيرة، قد شملت أراضي زراعية، وأراضي بناء، وفيلات وعمارات، ومحال تجارية ومصانع ومخازن وورش، وسيارات ركوب ولوريات نقل، ووكالات للاستيراد والتصدير، وشركات للمقاولات، وأن هذه الشركات والعقارات كانت تمتد من أقصي شمال الجمهورية إلي أقصي الجنوب. لقد كان هذا مجرد مثال لما كان من الممكن عمله في عهد السادات من استيلاء علي المال العام واستغلال النفوذ، ولسماح النظام بارتكاب كل هذا دون أن يترتب عليه أي عقاب. *** اقترن كل هذا الفساد في السبعينيات بزيادة كبيرة في إيرادات الدولة وارتفاع كبير في معدل النمو، وتدفق الأموال علي أسر المهاجرين مما ادخروه في الخارج، وقد ساعدت هذه الزيادة الكبيرة في الإيرادات والدخول علي زيادة فرص الفساد، ولكنها خففت أيضاً من شعور الناس بوطأة الفساد، فقد بدا وكأن الجميع، بما في ذلك أعداد كبيرة من الفلاحين، يشاركون في مهرجان كبير يختلط فيه الصالح بالفاسد، ويعلن فيه الصالحون والفاسدون معاً عن نجاحهم الباهر في تحقيق الصعود الاجتماعي وتغيير مركزهم الطبقي. وفي مناخ كهذا كان لابد أيضاً أن يتغير شكل الخطاب الديني ومضمونه بحيث تستخدم التعبيرات والطقوس الدينية كغطاء لما يجري، وللتظاهر بالتقوي والورع حين يكون الواقع عكس هذا بالضبط. إن من ألمع الرموز الدينية التي اشتهرت وذاع صيتها في السبعينيات، من كان يعتبر الثراء السريع مظهراً من مظاهر رضا الرب، ولم يذكر كلمة واحدة للتنبيه إلي التعارض بين أبسط مبادئ الدين وأخلاقياته، وبين ما يشيع من فساد. ومع هذا فإن هذا الموقف تجاه الفساد لم يقلل من الشعبية الساحقة لهؤلاء المتحدثين باسم الدين، بل دعم من مركزهم ما كان رئيس الجمهورية نفسه يستخدمه بكثرة من تعبيرات دينية، وإشادته المتكررة «بأخلاق القرية» وكأنه بدوره كان يستخدم هذا النوع من الخطاب للتغطية علي ما شاع من فساد في عهده. *** لم ينته كل هذا بمقتل الرئيس السادات، ولكنه اتخذ أشكالاً مختلفة ابتداء من الثمانينيات، فبينما كان الفساد في عهد عبدالناصر، وخاصة في أعقاب هزيمة ١٩٦٧، يتحسس طريقه علي استحياء، ويقابل بالاستنكار الشديد إذا اكتشف أمره، تحوّل في عهد السادات إلي مهرجان كبير يمرح فيه الناس ويقتنصون أية فرصة تتاح لهم فيه دون خوف. أما في عهد الرئيس مبارك فقد خفّ الاستنكار وزال المرح، إذ أصبح الفساد جزءاً لا ينفصم عن النظام نفسه. لم يعد الفساد من زوائد النظام الجديدة عليه، بل أصبح عنصراً من عناصر النظام الذي لا يتصور النظام بغيره. بعبارة أخري، لقد جري شيئاً فشيئاً منذ الثمانينيات «تقنين الفساد»، فلم يعد شيئاً يستوجب الإنكار أو الاستحياء، ولكن هذا التطور يحتاج بلا شك إلي تفصيل.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى