أعْسَرُ القمم.. خيري منصور.

ليس فقط لأن قمة دمشق تنعقد في فترة قومية حرجة، أو لأنها تختبر ما تبقى من عافية سياسية لدى العرب، تصبح الآن جاذبة لكل هذا القدر من الرهانات والتعليقات الدولية والإقليمية، فثمة بعد إضافي لها يحولها إلى قمة استثنائية رغم أنها تندرج في قائمة القمم التقليدية، منذ أصبح موعد انعقادها سنوياً تتداوله مختلف العواصم العربية. وهناك ملمحان لهذه القمة، قد لا يحددان مصيرها لكنهما يخفضان من سقف التوقعات العربية حول الدور الإنقاذي المنوط بها، الأول هو مستوى التمثيل، والثاني هو المقاطعة حتى لو كانت من قطر عربي واحد. وما يدور الآن من سجالات حول تأثير الولايات المتحدة في مناخات القمة، ينزلق أحياناً نحو قضايا قد لا تكون وثيقة الصلة بالقمة ذاتها بقدر ما هي مرتبطة بالموقف الأمريكي من هذه العاصمة العربية أو تلك، فقد طولبت دمشق من عدة أطراف عربية بإنهاء الأزمة اللبنانية قبيل موعد انعقاد القمة، وهي أزمة متعددة الأوجه لكنها تتجسد في النهاية بفراغ مقعد الرئاسة، وغالباً ما كانت هذه المطالبة لدمشق بحل الأزمة تستمد مبرراتها من قدرة دمشق على التأثير في لبنان، لا بسبب الجوار فقط، بل لأنها تستطيع أن تضغط على شخصيات وتيارات سياسية محسوبة عليها. وإذا انتهت قمة دمشق إلى فراغ قومي آخر فإن الأزمة اللبنانية التي كانت على وشك الانفراج سوف تنفجر بشكل أو بآخر، والعالم العربي الذي يعاني من كل هذا التذرر في المواقف قد يجد نفسه متورطاً بالمزيد من خطوط الخلاف مما يجهز على آخر ما تبقى من رجاء لدى العرب بتجاوز حالة الاستنقاع السياسي التي يعيشونها. وقمة دمشق مناسبة أيضاً، لتجريب أسلحة التراشق بالإدانات بين أطراف عربية بالغت في تغليب الخاص والشخصي بحيث أصبح العدو التاريخي على موعد مع البراءة. وما من مقياس دقيق لنجاح أو فشل قمة عربية من هذا الطراز الذي يختلط فيه التقليدي بالاستثنائي، فالبعض من المتشائمين يبحثون عن أضعف أضعف الإيمان، وهو مجرد انعقاد القمم، وإبقاء القضايا الساخنة على الطاولة وخارج الأجندات والملفات المهملة في الادراج. لكن هذا المفهوم النسبي للنجاح يحرم العرب من مواقف وقرارات وبالتالي ممارسات انقاذية لاستدراك ما يمكن استدراكه، فالأوضاع العربية لا حاجة بنا إلى إعادة توصيفها لأنها مرئية ومسموعة بوضوح، ولم يعد هناك أسرار أو كواليس بعد أن نشر الغسيل كله على حبال الصحف والفضائيات. وقد تكون قمة دمشق أعسر القمم على الاطلاق ليس فقط بسبب توقيت انعقادها وتزامنه مع خلافات عربية بينية، بل لأن خلط الأوراق أعطى لما هو تكتيكي وإجرائي حصة الاستراتيجية كلها، ولم تعد قائمة الأولويات موضع إجماع أو حتى ائتلاف، بعد أن أصبح لكل دولة عربية “ليلاها” التي تعزف طوال الليل تحت نافذتها. وتكرار المقولات الشاحبة حول الظرف القومي العصيب والأخطار المحدقة بالأمة، لا طائل منه، لأن مثل هذه المواعظ أفرغت من مضامينها خلال العقدين الماضيين، لهذا سيكون من الأجدى طرح عناوين أخرى تمسّ المصالح في عصبها الحي، لأن ما يفشل فيه النشيد قد يفلح فيه الخوف والحذر وبالتالي البحث عن سبل للنجاة، والعرب الآن محاصرون ومحتلون بدرجات متفاوتة، والمحرقة ليست حكراً على غزة أو سواها، لأن النار قابلة للتمدد لتأتي على الهشيم كله.