الرئيس والوزير..من يتخذ القرار؟ ـ محمد علي خير

منذ سنوات وأثناء افتتاح الرئيس مبارك لأحد مشروعات وزارة الإسكان في عهد وزيرها السابق مهندس إبراهيم سليمان عرض الوزير خطة الوزارة –وقتها- والتي تهدف إلي إنشاء عدد من الكباري وخطوط المواصلات لربط مدينة أكتوبر بالعاصمة خاصة مع تزايد عدد سكان المدينة إضافة إلي تزايد النشاط الصناعي للمدينة, وبدأ الوزير في الاسترسال عن خطة الوزارة في ربط المدن الجديدة بالعاصمة خلال السنوات المقبلة, لكن الرئيس مبارك قاطعه وأبدي رفضه الشديد لهذه الخطة مخافة أن تزيد خطوط الربط الجديدة من الضغط علي العاصمة ومرافقها.
لم يفتح وزير الإسكان فمه بأي كلمة بل لم يحاول أن يشرح خطة الوزارة وأهميتها ومن ثم الدفاع عنها ومحاولة إقناع الرئيس بها, كذلك كان حال رئيس الوزراء-وقتها- الذي لم يحاول أن يبدد قلق الرئيس من الخطة, شيء من هذا كله لم يحدث ومن ثم تم دفن الخطة وتشييعها إلي مثواها الأخير في مخازن الوزارة, والسبب رفض الرئيس والذي كان قوله هو القول الفصل رغم أن الرأي الفني وقتها للحكومة (ممثلة في وزارتي الإسكان والمواصلات) كان له وجاهته, كما أن ما عرضه الوزير لم يكن - بالتأكيد- وليد اللحظة بل جاء بعد إجراء الحكومة لدراسات أفضت إلي ما ذكره الوزير للرئيس.
مرت سنوات علي هذا اللقاء وجاءت وزارة الدكتور نظيف ومعها وزير النقل لطفي منصور ومع التوسعات العمرانية والصناعية في المدن الجديدة استدعت الظروف إجراء دراسات فنية حول إنشاء خطوط مواصلات تربط المدن الجديدة والتجمعات العمرانية الناشئة بالعاصمة, لكن جاءت المفاجأة بإرجاء تنفيذ بعض هذه المشروعات - ليس بسبب الرفض السابق للرئيس- لكن بسبب الارتفاع الحاد والهائل في التكلفة, فقد ألغت وزارة النقل منذ أيام مشروع السكة الحديد العلوي الذي كان مزمعا إنشاؤه علي طريق المحور لربط مدينة 6أكتوبر بالقاهرة, وأرجعت الوزارة سبب الإلغاء إلي ضخامة تكلفة المشروع والتي تقترب من عشرة مليارات جنيه.
تذكرت لقاء الرئيس بالوزير أثناء قراءتي للخبر السابق وتساءلت:كم خسرت الموازنة العامة نتيجة تأجيل تنفيذ فكرة الربط بين المدن الجديدة والعاصمة خاصة مع ارتفاع أسعار مدخلات التشييد والبناء؟وكم عدد المشروعات التي اعترضت القيادة السياسية عليها أثناء اجتماعها بالوزراء والذي لا يمكن لأحدهم أن ينبس بحرف واحد وهم في حضرة الرئيس رغم أن الرئيس- بطبيعة الحال- ليس متخصصا في هذه المجالات بدليل دعوته لمؤتمر اقتصادي ضم كافة ألوان الطيف السياسي والاقتصادي فور توليه السلطة للوقوف علي وضعية الاقتصاد المصري, بل كان لافتا للانتباه أنه لم يجلس علي المنصة وجلس في الصف الأول مستمعا ولم يدع –وقتها- العلم والمعرفة بكل شيء وكان هذا مسلكا حميدا للرئيس نال ثناء وإعجاب الجميع.
كم حجم الفاقد الذي تتكبده الخزانة العامة في حال تأخير تنفيذ الخطط الفنية للوزارات؟ ولماذا لا نجد وزيرا يقف أمام الرئيس ليدافع عن أفكار وزارته وخططها خاصة أنها ليست وليدة العشوائية بل تأتي نتيجة تفكير وخطط ودراسات, فلا يمكن للوزير أن يتحدث عن خطة أمام الرئيس وهو غير دارس لتفاصيلها أو أهميتها حتى لا يفاجئ بأسئلة الرئيس ولا يجد لديه إجابات.
كم هي عدد القرارات التي اتخذتها القيادة السياسية وكان يجب أن تأخذ حظها من الدراسة الفنية المتخصصة في كل وزارة حسب القرار والفكرة؟.
في الاجتماع الأخير بالحكومة لبحث أزمة رغيف العيش اتخذ الرئيس قراره بتكليف جهاز الخدمة الوطنية والداخلية بالمشاركة في عمليتي إنتاج وتوزيع رغيف العيش, انتظرت أن يدلي أي وزير مختص برأيه في الموضوع أو أن يتحدث رئيس الوزراء في هذه الأزمة لكننا لم نجد, في ظني أن الرئيس مبارك –مثلما يقول في خطبه وأحاديثه عن نفسه- ليس بالشخصية التي ترفض الرأي الفني والمتخصص, كما أنه يحب سماع كافة الآراء؟إذن لماذا هذه الإيماءة الوزارية بالموافقة علي كل ما يأتي علي لسان الرئيس؟ هل هو الخوف الذي يجعل كل وزير مباركا لقرارات الرئيس حتى لو صادمت وخالفت الرأي الفني المتخصص؟.
في تقديري أن ما يحدث هو أحد الأسباب الرئيسية لأزمة مصر في كثير من قراراتها والتي تصدر بشكل فوقي دون مراجعة أو ملاحظة للمختصين لذا باتت القرارات بمثابة مسكنات لمشاكلنا... من أزمة رغيف العيش إلي أزمة العطش وجراكن المياه مرورا بكوارث الحديد والأسمنت.
عندما يغيب الرأي العلمي المتخصص فلا تنتظر صلاح الحال في بر المحروسة.