دلالات خطيرة ـ السفير د. عبدالله الأشعل

يثير حادث إطلاق البارجة الحربية الأمريكية فى الجزء المجاور للسويس من قناة السويس يوم 23/3/2008 عدداً من الملاحظات الهامة والخطيرة. أول هذه الملاحظات, أن الحادث أبلغ عنه أهالى الضحايا حيث قتل شخص وجرح شخصان وهم عائدون على قارب صيد وظهرهم للباخرة ولم يكن لهم بها أية علاقة، ثم بدأ التعليق الرسمى الأمريكى والمصرى على الحادث بعد أن أثار بعض أعضاء البرلمان القضية رسمياً مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية وبعد أن تناقلتها جميع وسائل الإعلام. معى ذلك أن مصر والولايات المتحدة لم يكن لديهما النية فى الحديث العلنى عن هذا الحادث خشية أن يثير الرأى العام الملتهب أصلا بسبب السياسات الأمريكية والإسرائيلية والقضايا الداخلية المتشابكة. معنى ذلك أيضاً أن مصر قد دأبت على السكوت على العدوان على انتهاك سيادتها الحقيقية وعلى مقتل مواطنيها داخل مصر دون أن تجرؤ على حمايتهم أو إن تتخذ موقفاً بشأنهم، وأظن أن سجل إسرائيل فى ذلك يشهد بموقف مصر، كما أن الاستهانة بالمصرين فى الخارج العربى والأجنبى أصبح شهادة رسمية بتدهور مكانة مصر وقدرتها ورغبتها فى حماية رعاياها.
الملاحظة الثانية, هى أن روايات الحادث المصرية والأمريكية وتطورها تثير الألم والقلق. فقد نفت البلدان فى البداية، ثم أصر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن الحادث لم يقع أصلا وليس هناك ضحايا من الأساس، وأخيراً وفى الطبعة الأخيرة قدمت البحرية الأمريكية الاعتذار عن "هذا الحادث الذى وقع بطريق الخطأ، والذى تسببت فيه طلقة تحذيرية", وكانت الخارجية الأمريكية قد غيرت موقفها بعد ساعات من إنكار وقوع الحادث إلى التأكيد على أن القارب أصر على الاقتراب ولم يكترث بالطلقات الضوئية التحذيرية، فاضطرت البارجة إلى وقف تقدمه بنيران حية. أما الطبعة مابعد الأخيرة فى مصر وأمريكا فهى اعتذار السفير الأمريكى عن "الحادث المؤسف"، وتصريح رئيس مجلس الشعب بأن مصر لن تتهاون فى هذا الحادث, وكذلك تصريح وزير الخارجية بنفس المعنى.
المتأمل فى هذا السلوك المصرى والأمريكى لا يستطيع مقاومة الانطباع بأن عدم مصداقية هذا السلوك ينطوى على استهانة كاملة بدماء المصريين فى بلادهم، ناهيك عن دمائهم خارجها كما لايستبعد توافق البلدين تماماً على ذلك حرصاً على علاقة التحالف الوثيق بين البلدين التى تهون بسببها دماء كل المصريين، وكأن المصرى لم يعد ينقصه إلا إراقة دمه ظلما وعدوانا على أرضه.
الملاحظة الثالثة, هى أن تواتر سكوت مصر على امتهان كرامة ودماء المصريين أن يستخلص المصريون أن الدولة لم تعد قائمة لحمايتهم وإنما هى أسد لقمعهم وتجويعهم وامتهان كرامتهم وجمع الإتاوة منهم. هذا الاستنتاج يفتح الباب على احتمالات خطيرة أبسطها أن المواطن لايتوقع حماية دولته وإنما يحمى نفسه وينتقم لنفسه وهذه إساءة كبرى للدولة فى الخارج وتحدث فوضى فى الداخل، كما أن المواطن ليس ملزما بأى شىء قبل دولته ما دامت الحماية هى أهم وظائف الدولة والتزاماتها.
لهذا السبب فإن التصريحات المصرية والأمريكية الهادفة إلى مجرد امتصاص الغضب سوف تدفع الناس دفعاً إلى هذه النتائج الخطيرة التى لن يكون مجرد القمع الأعمى حلا لها وإنما تصعيدا وتسريعا بنتائجها.
الملاحظة الرابعة, هى أنه من المعلوم أن مصر ملتزمة بالسماح بمرور سفن جميع الدول دون تمييز، حربية أو مدنية أو تجارية، ولكن أهم قواعد المرور هو أنه يحظر مطلقا على السفن الحربية إطلاق النار لأى سبب لأنها تعبر داخل الأراضى المصرية، وإطلاق النار هو اعتداء على سيادة مصر على أراضيها ويخول مصر صلاحيات واسعة لحماية أراضيها ومواطنيها, من بينها منع السفن الحربية الأمريكية من المرور فى القناة مادامت تهدد أمنها, والمهم أن تعترف مصر بأن إطلاق البواخر الأمريكية النار على المصريين هو أحد مهددات هذا الأمن مهما كانت علاقة التحالف والحب بين مصر والولايات المتحدة.
ولذلك لايكفى الاعتذار بعد الإنكار والتخبط والتواطؤ المكشوف على الاستخفاف بدمام المصريين. وعلى الولايات المتحدة أن تعلن اعتذارها العلنى والرسمى للحكومة المصرية عن هذا الاعتداء على سيادتها ومواطنيها بذات العبارات. ولا أظن أننا بحاجة إلى تعازى أحد فى شهداء هذا العدوان وأن تقدم واشنطن مالا يقل عن 6 مليون دولار تعويضاً لأنها حصلت على نفس المبلغ لكل مواطن أمريكى قتل فى لوكربى فى حادث إرهابى، فما بالنا بحادث متعمد من القوات الرسمية الأمريكية على الأراضى المصرية.
فهل يقيض الله للمصريين من يحميهم من حلقات دنشواى رمز الإهانة واراقة دماء المصريين فى أرضهم

موضوعات قيمة ومفيدة اشكرك عليها