منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة الفساد في مصر ملك يبيع الباشوية.. علي موائد القمار..د.جلال أمين.

اذهب الى الأسفل

قصة الفساد في مصر ملك يبيع الباشوية.. علي موائد القمار..د.جلال أمين. Empty قصة الفساد في مصر ملك يبيع الباشوية.. علي موائد القمار..د.جلال أمين.

مُساهمة من طرف saied2007 الخميس مارس 27, 2008 12:27 am

في السنوات العشر السابقة علي ثورة ١٩٥٢، حدثت في مصر أشياء كان من شأنها إعداد تربة صالحة لنمو الفساد، إذ ساد في مصر خلال الأربعينيات مناخ من التوتر الاجتماعي لم تعرف مصر مثله، لا في العقدين السابقين ولا في العقدين اللاحقين عليها. كان العامل الأساسي الذي خلق هذا التوتر هو بلا شك قيام الحرب العالمية الثانية وتغير المناخ الدولي بوجه عام، وانعكاس هذا وذاك علي الأوضاع الداخلية في مصر. ارتفع فجأة معدل التضخم، بسبب ندرة بعض السلع الضرورية مع صعوبة الاستيراد، وزيادة الإنفاق الحربي وإنفاق القوات البريطانية في مصر. ومع ارتفاع معدل التضخم ظهرت فرص لم تكن معروفة للحراك الاجتماعي، وتندر الناس بظاهرة «أغنياء الحرب»، وتداولوا القصص عن حمَّال فقير أصبح ثريا كبيرًا بسبب إتجاره مع قوات الاحتلال، أو عن صاحب ورشة صغيرة تحوّل خلال سنوات قليلة إلي مليونير بسبب الحماية الطبيعية التي وفرتها له الحرب. ارتفعت أيضًا بشدة أسعار الأراضي الزراعية بسبب ارتفاع معدل نمو السكان مع قلة ما بذل من جهد لاستصلاح أراض جديدة، وارتفع معدل الهجرة إلي المدن بحثًا عن فرص للعمل. فما أن انتهت الحرب حتي ارتفع معدل البطالة بسبب تراخي الإنفاق الحكومي وانكماش حجم القوات البريطانية، ظهرت المشكلة الاجتماعية إذن بوضوح أكبر بكثير مما كانت عليه الحال في العشرينيات والثلاثينيات، إذ اتسعت الفوارق بين الطبقات ولم يعد الفقر كما كان ظاهرة ريفية في الأساس. لا عجب أن أكبر وأشهر كاتب في مصر في ذلك الوقت (طه حسين) الذي كتب في نهاية الثلاثينيات، وقبل نشوب الحرب مباشرة، كتابًا يشع بالتفاؤل بمستقبل مصر ويضع فيه الخطط لتطوير الثقافة والتعليم (مستقبل الثقافة في مصر، ١٩٣٨)، وجد نفسه في نهاية الأربعينيات مدفوعًا إلي الكتابة في موضوع اجتماعي لم يطرقه من قبل وهو توزيع الدخل في مصر، فينشر كتابًا بعنوان (المعذبون في الأرض، ١٩٤٨). كان لابد أن يؤدي ارتفاع الطموحات، مع ارتفاع معدل الحراك الاجتماعي والتضخم، من ناحية، وزيادة السخط بسبب التدهور في توزيع الدخل، من ناحية أخري، إلي اشتداد الدافع وإلي انتهاز الفرص المتاحة لاستغلال النفوذ في سبيل الصعود الاجتماعي أو علي الأقل تجنب الهبوط. ولكن كان يحدث في نفس الوقت تراخٍ في قوة الدولة (لأسباب ليست بدورها بعيدة الصلة بالحرب) مما جعل الراغب في استغلال النفوذ أقدر علي تحقيق أغراضه، مما كانت عليه الحال في ظل دولة أكثر قوة. كان الإنجليز قد بدأوا منذ بداية الحرب، يمارسون ضغوطًا علي الدولة المصرية (ملكًا وحكومة) أكبر بكثير مما كانوا يمارسونه في وقت السلم. لم يكن من الممكن للإنجليز أن يسمحوا بأن يقوم الملك أو الحكومة المصرية بأي عمل من شأنه إضعاف فرصتهم في كسب الحرب، ولو اقتضي الأمر إرسال الدبابات البريطانية إلي قصر عابدين لفرض حكومة لا يريدها الملك (كما حدث في ٤ فبراير ١٩٤٢). وقد أثار هذا الاستعمال السافر للقوة من جانب سلطة الاحتلال، مشاعر الخوف والإحباط لدي الملك والحركة الوطنية المصرية علي السواء، ثم حدث في أعقاب الحرب مازاد الشعور بالإحباط شدة: الإنجليز لا يظهرون أي استعداد للاستجابة لمطالب الحركة الوطنية بالجلاء، وخاب رجاء حكومة مصرية بعد أخري في مفاوضاتها مع الإنجليز أو في عرض قضيتها علي الأمم المتحدة، في نفس الوقت اشتد عنف التيار الإسلامي وتجرؤه علي الدولة، فيقتل قاض كبير أصدر حكماً لا يرضي عنه الإخوان المسلمون، فتحل الدولة جماعتهم، فترد الجماعة بقتل رئيس الوزراء، ويرد رئيس الوزراء التالي بترتيب قتل رئيس الجماعة. في مناخ بهذه الدرجة من التوتر والإحباط يقوم اليهود في فلسطين بإعلان دولة إسرائيل وتنشب حرب فلسطين في ١٩٤٨ فتدخلها مصر بجيش غير مستعد للقتال، فيعود مهزومًا وفي نفس الوقت تنفتح مصر علي عالم جديد تظهر فيه لأول مرة السلع الأمريكية من السيارة الفارهة إلي الأفلام الفاتنة، إلي القميص النايلون إلي زجاجة الكوكاكولا ولبان تشيكلس...إلخ. لم يكن غريبًا في مثل هذا المناخ أن يصاب القصر الملكي بالضعف الشديد واليأس، وأن تتتابع الحكومات المصرية، فإذا بكل حكومة جديدة أضعف من سابقتها، بل وأن يصيب الضعف الشديد أيضًا أكبر الأحزاب المصرية شعبية (الوفد) وصاحب أطول تاريخ في الكفاح من أجل الاستقلال، والذي يرأسه أكثر الزعماء اشتهارًا بالنزاهة والاستقامة، لم يكن غريبًا أن يظهر هؤلاء جميعًا استعدادًا لقبول الفساد (أو السكوت عنه)، بل ممارسته بدرجة لم تعرفها مصر في العقود الأولي من القرن. هكذا بدأ الناس يسمعون ويرددون قصصًا عن فساد الحياة الشخصية للملك، وإهماله واجباته وظهوره بمظهر لا يليق بملك، وعن قبوله رشاوٍي من بعض كبار الأثرياء في مصر مقابل تخفيض الضرائب عليهم، أو عن قيام الحكومة بتقديم إعانة مالية كبيرة لشركة بواخر مقابل تجهيز «جناح ملكي» بإحدي بواخر الشركة، ووصف هذا الجناح بأنه لا مثيل له في أي باخرة ملاحية في العالم. كما انتشرت قصص عن قبول الملك للرشوة علي موائد القمار، إذ كان مجرد قيام الملك بمخاطبة شخص بقوله «يا باشا»، يصبح الرجل باشا بالفعل، بناء علي ما كان يسمي «النطق السامي». ومن ثم كان يكفي أحد الأثرياء أن يذهب إلي نادي السيارات ليلعب مع الملك علي مائدة القمار ويخسر عمدًا عشرة آلاف أو عشرين ألفًا من الجنيهات ليكسبها الملك، فيخاطبه الملك بـ«الباشا» فيصبح كذلك. يذكر أحمد بهاء الدين في كتابه (فاروق ملكًا) الذي ظهر بعد ثورة ١٩٥٢ بشهور قليلة (مكتبة الأسرة ١٩٩٩)، أنه: «في أوروبا كان عملاء الملك يعقدون صفقات السلاح الفاسد ويرسلونه إلي فلسطين ليتفجر في أيدي الجنود وقلوبهم. وكانت هذه العملية الجهنمية تدرّ مئات الألوف ربحا. وكان وزير الحربية (حيدر) يعرف، والوزارة كلها تعرف، ولكنها كانت تلوذ بالصمت لأن التاجر هو الملك» (ص ١٥٤). كما يحكي أحمد بهاء الدين القصة المؤثرة التالية التي تدل علي ما وصل إليه الملك من استهتار بالقانون، من ناحية، وما أصاب أكبر حزب وطني من ضعف، من ناحية أخري: «... كان منطقيا ألا تقصر هذه الصحف حملاتها علي شخص الملك وأفراد حاشيته، فامتد هجومها إلي النظام الاجتماعي الظالم، والحالة الاقتصادية التعسة، والموقف الوطني المائع... وذعر الملك إزاء هذا المد الثوري الذي وصل إلي أسوار قصره... وبدأ الملك يضغط علي الوزارة لمصادرة هذه الصحف، وبدأت الوزارة تصادر الصحف بالفعل، وإذا بمجلس الدولة يفرج عنها، بأحكام مدوية... وجاء سبتمبر ١٩٥١، وكان الملك في كابري. وانعقد مجلس الوزراء في الإسكندرية. ودخل مصطفي النحاس (رئيس الوزراء) قاعة المجلس يلهث، في قلق ظاهر، وألقي علي الوزراء نبأ خطيراً: إن إلياس أندراوس جاء من كابري يحمل أمراً صريحاً من الملك بأن تصدر الوزارة مرسوماً بإلغاء مجلس الدولة، عقاباً له علي ما أصدر من أحكام. وبهت الوزراء.. وتكلم حامد زكي فقال إنه مستعد أن يعد مشروعاً بالمرسوم المطلوب مع مذكرته التفسيرية حالاً، وقبل أن ينفض اجتماع المجلس، وبذلك تحقق الوزارة الرغبة السامية وتثبت ولاءها التام للملك.. ودارت مناقشة عنيفة لم ينطق خلالها النحاس بكلمة واحدة.. وقبل أن ينعقد المجلس مرة ثالثة عرف الوزراء أن رسولاً جاء من كابري يحمل مرسوماً مكتوباً وموقعاً من الملك (بإلغاء مجلس الدولة)، وأن علي الوزراء أن يوقعوه ليصبح أمراً واقعاً. وأسرع محمد صلاح الدين (وزير الخارجية) فكتب إلي النحاس خطاب استقالة قال فيه إنه يستقيل من وزارة الشعب قبل أن تصدر مرسوماً ضد الشعب.. وثار النحاس ثورة هائلة (كده ياصلاح؟ انت عايز تقتلني؟ انت عايز تعمل بطل علي حسابي؟) وكان يدق المائدة بعنف وهو يتدفق بالكلام... وظل صلاح الدين -الذي يعرف خلق النحاس- ساكتاً طول هذه المدة حتي هدأت العاصفة وأفرغ الرئيس كل ما في جوفه. ثم بدأ يتكلم في صوت مؤثر عن إخلاصه للنحاس.. ثم أخذ يبرر تصرفه وقال له: (ياباشا أنا عاوز أحميك مش أقتلك).. فوجئ الوزراء بالنحاس تنهمر الدموع من عينيه وهو يبكي بكاء حقيقياً. وأدركوا العواصف والبروق التي تخطف في باطن هذا الرجل، والعوامل التي تتجاذبه، ووقفته الدقيقة بين ماض جليل ومستقبل يحاول أن يكون مضموناً، وإدراكه للوهن الذي نزل عليه، فأسرعوا إليه كالأطفال إذ يجدون أباهم تهزمه أزمة فيبكي، وأبعدهم النحاس وهو يقول: (خلاص.. خلاص.. خد استقالتك ياصلاح، وآدي المرسوم في الدرج، موش حامضيه!) «فاروق ملكاً، ص ١٧٨ - ١٨٢». *** وقعت هذه الحادثة قبل الثورة بأقل من عشرة أشهر وهي تصور بوضوح المناخ الذي كان سائداً عند قيام الثورة، وأحد الأسباب الأساسية لترحيب الناس الشديد بالثورة وفرحهم بها، وأحد الأسانيد المهمة التي برر بها رجال الثورة للناس قيامهم بها. ولكن هناك أمرين لم يجد رجال الثورة بالطبع من الملائم أن يذكروهما، لا عند قيام الثورة ولا في أي وقت آخر: الأول: أن ما وصل إليه حال الفساد واستهتار الملك وحاشيته بالقانون، في الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، ليس هو الطابع العام للمناخ الذي ساد في مصر طوال العقود الثلاثة التي تفصل بين الثورتين (١٩١٩ - ١٩٥٢). كانت ظروف مصر والعالم مختلفة جداً عن ذلك في العشرينيات والثلاثينيات، إذ كانت مواتية تماماً لاحترام القانون وإعلاء قيمة النزاهة والالتزام بالقيم الأخلاقية والوطنية (كما حاولت أن أبين في المقال السابق). الأمر الثاني: أنه حتي في العشر سنوات السابقة علي ١٩٥٢، كان الفساد يكاد أن يكون محصوراً في دائرة ضيقة للغاية، هي دائرة الملك وحاشيته، أما في خارج هذه الدائرة فقد ظلت الطبقة الوسطي في مصر متمسكة بقيم النزاهة والشرف، وتحترم القانون، وتعتبر الخروج علي هذا أو ذاك أمراً مشيناً للغاية ويشوه سمعة مرتكبيه إلي الأبد. كانت صور الفساد في خارج هذه الدائرة الضيقة تتعلق أساساً بما شاع بين الناس تسميته بالمحسوبية، وهذه كانت تتخذ في الأغلب صوراً قليلة المساس بالصالح العام، كترقية قريب أو صديق إلي درجة أعلي في الحكومة لا يستحقها، أو تقرير علاوة لموظف مفضل وحرمان من هو أفضل منه. لم يكن من المتصور مثلاً طوال العقود الأربعة السابقة علي ثورة ١٩٥٢ أن يعين مدير للجامعة ليس لديه من الصفات العلمية والشخصية ما يؤهله لهذا المنصب الرفيع، أو أن يصدر حكم قضائي ضد شخص مهم ولا يتم تنفيذه...إلخ. بل حتي فيما يتعلق بالملك وحاشيته، فإن قراءة قصص أعمال الفساد التي ارتكبوها أوحاولوا ارتكابها، خلال العشر سنوات الأخيرة، تكاد كلها تتضمن محاولة رجل شريف أو رجال شرفاء، في داخل الحكومة، التصدي لها وإيقافها، وكثيراً ما نجح هؤلاء الشرفاء في إيقافها بالفعل. فليست قصة رفض النحاس توقيع المرسوم الملكي بإلغاء مجلس الدولة هي القصة الوحيدة من نوعها بأي حال. فما أكثر ما رفضت الحكومة تنفيذ رغبات الملك أو القصر حتي في ظل حكومات الأقلية، إذ لم تكن شعبية الرجل ووقوف الجماهير وراءه (كما كانت الحال مع مصطفي النحاس) هي السند الوحيد (بل ربما ولا السند الأساسي) في وقوف وزير أو رئيس للوزراء أو رئيس ديوان المحاسبة أو رئيس مجلس الدولة أو النائب العام أو أي قاض من القضاة، ضد رغبات الملك وحاشيته، بل كان السند الأساسي التزاماً قوياً بالمثل الأخلاقية. *** كان مما ساعد بلاشك علي تضييق نطاق الفساد قبل الثورة، ضيق نطاق النشاط الحكومي أصلاً. فمن الطبيعي أن تدخل الحكومة في كل كبيرة وصغيرة وزيادة عدد القوانين المنظمة لنشاط الأفراد، من بين العوامل المشجعة علي انتشار الفساد (بفرض بقاء الأشياء الأخري علي حالها بالطبع). ولاشك في أن هناك قدراً كبيراً من الصحة في القول المأثور: «السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة فساداً مطلقاً». وقد كان الموظف الحكومي قبل الثورة، بمختلف مراتبه قليل السلطات بالمقارنة بحالته بعد الثورة، ومن ثم كانت فرص استغلال هذه السلطات بالضرورة أقل قبل الثورة. تغير الحال بعد الثورة بزيادة عدد القوانين وزيادة القيود التي فرضتها حكومة الثورة علي نشاط الأفراد، فضلاً عن الضعف الذي أصاب المجالس الشعبية، ومن ثم كان من المتصور أن يزيد حجم الفساد بعد ثورة ١٩٥٢ لهذا السبب وحده. ولكن من حسن الحظ أن الخمسة عشر عاماً التالية مباشرة لقيام الثورة، ساد فيها مناخ مختلف تماماً عما كان سائداً في الأربعينيات، وحظي المصريون بفترة علي درجة عالية من النزاهة واحترام القانون، قبل أن يطيح بهذا كله ما حدث في ١٩٦٧ وما بعدها، ولكن هذا يحتاج إلي تفصيل.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى