منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

من يدافع عن سمعة مصر؟!..د.حسن نافعة

اذهب الى الأسفل

من يدافع عن سمعة مصر؟!..د.حسن نافعة Empty من يدافع عن سمعة مصر؟!..د.حسن نافعة

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين مارس 24, 2008 5:27 am

مرت علينا فترات كنا نسمع فيها حكامنا يكثرون من الحديث عن «سمعة مصر» وكثيرا ما كنا نشاهدهم يغضبون ويثورون لأي أمر يتصورون فيه مساسا بهذه «السمعة». ولا جدال في أن سلوكهم علي هذا الصعيد اتسم بالمبالغة، وبخلط متعمد للأوراق، حيث لا فرق في أذهانهم بين ما يقوله باحث يناقش «المسألة القبطية» في مؤتمر علمي، علي سبيل المثال، وما يقوله مراسل فضائي، يبث تقريرا عن «ختان البنات» أو «التلوث» أو «القمامة». فكل نقد لأي سياسات في مصر يلحق الضرر - من وجهة نظرهم- بسمعة «مصر» دون أن يكون لديهم أي نوع من التمييز بين سمعة النظام الحاكم، الذي يمارس بالضرورة سياسات قد يخطئ أو يصيب فيها، وسمعة الدولة والمجتمع اللذين يدّعي أي نظام شرف تمثيله لهما والتحدث باسمهما علي الساحة الدولية. مع ذلك كان البعض منا يري في مثل هذه المبالغة والخلط المتعمد للأوراق دليلا علي وجود نوع من الغيرة أو الحساسية لا تخلو من جوانب إيجابية بناءة. غير أن كثيرين باتوا مقتنعين، كل الاقتناع، بأن أعصاب النظام باتت الآن باردة أو متجمدة إلي الدرجة التي لم تعد فيها قادرة حتي علي الإحساس بأي غيرة، لا علي سمعة النظام، ولا علي سمعة الدولة والمجتمع اللذين يمثلهما علي الصعيد الخارجي. دليلنا علي ذلك ما نقلته الفضائيات مؤخرا وجعلنا نشعر بالأسي، إلي حد الألم، علي ما آلت إليه أحوال مصر. فعلي مدي الأسابيع الماضية كانت فضائيات العالم تنقل كل يوم ما يجري في «طوابير» لم يسمع بمثلها أحد من قبل، لا في مصر، ولا في أي مكان آخر في العالم مثل: «طوابير الخبز» من ناحية، و«طوابير المحليات» من ناحية أخري. ففي «طواببر الخبز» شاهدنا جموعاً غفيرة من البشر تتزاحم علي منافذ التوزيع، ويتحول زحامها رويدا رويدا إلي معارك، يسقط فيها قتلي وجرحي. وفي «طوابير المحليات» شاهدنا، واستغربنا حشودا طويلة من الراغبين في الترشيح للانتخابات المحلية تتزاحم علي مقار تقديم الأوراق، قبل أن يتبين للمراسلين أنهم جماعات من الموظفين أو العاطلين عن العمل حشدتهم أجهزة الدولة للقيام بمهمة محددة، وهي عرقلة وصول مرشحي جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، والحيلولة دون تقديمهم أوراق الترشيح! ربما يقول قائل إن طوابير «الخبز» التي نشاهدها هذه الأيام ليست ظاهرة مصرية، وإنما ظاهرة عامة تجتاح العديد من الدول، خاصة النامية، تسببت فيها موجة ارتفاع مفاجئ وكبير في أسعار القمح العالمية، وبالتالي نجمت عن أسباب لا علاقة لها بالأوضاع المحلية. وهذا الكلام قد يكون صحيحاً شكلا لكنه مردود عليه موضوعا. فارتفاع سعر أي سلعة شيء وعجز الدولة عن توفيرها بسعر يلائم أغلبية المستهلكين لها شيء آخر. فقد تمكنت دول عربية كثيرة، يعتبر متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل القومي أقل من نظيره في مصر، من التعامل مع الأزمة ذاتها بطريقة أكثر انضباطا، ودون أن تشهد طوابير زحام طويلة، تستثير المعارك ويسقط فيها قتلي وجرحي! لو كانت أزمة الخبز الراهنة في مصر أزمة منفصلة وقائمة بذاتها لهان الأمر، ولاعتبرها الناس أزمة عابرة لا تثير أي شعور بالقلق، لكن المشكلة أنها تأتي في سياق سلسلة متوالية من أزمات تبدو بلا نهاية، ولها عنوان مشترك هو الموت الجماعي المجاني. ولأنه كُتب علي المصريين من قبل أن يموتوا، إما في عبارات متهالكة وإما في قطارات بائسة وإما فوق طرق وكبارٍ فاسدة، وها هم الآن يموتون في طوابير الخبز، فقد بات من الضروري أن نري الأزمة الراهنة في سياق مختلف. فهذه الأزمة لا تتعلق، في تقديري، بخطأ أو إهمال أو قصور ارتكبه مسؤول ما هنا أو هناك، وبالتالي يمكن تلافيه في المستقبل، وإنما هي أزمة تعكس خللا جوهريا في الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية والمالية المتبعة منذ فترة ليست بالقليلة، وتشير إلي تدني أداء الجهاز الإداري للدولة، ووصوله إلي حالة من التردي لم يسبق لها مثيل، وذلك بسبب ما تشهده سياسات الأجور والضرائب والتوزيع والرقابة من تخبط أدي إلي تحول الاقتصاد إلي جزر صغيرة شبه منعزلة، حولت الشعب المصري إلي شرائح يعيش كل منها في عوالم منفصلة لا علاقة لأي منها بالآخر. لذا يمكن القول، دون أي تجاوز أو تهور، إن أزمة الخبز الراهنة تختلف نوعيا عن كل ما سبقها من أزمات. كانت أزمات الخبز السابقة، كانتفاضة يومي ١٧ و١٨ يناير ٧٧ أو غيرها من الأزمات المشابهة، بمثابة رد فعل جماهيري احتجاجي عفوي علي قرارات برفع أسعار، بدت في حينها غير مبررة، ولم تقابلها زيادة مماثلة في الأجور والدخول. أما الأزمة الراهنة فتعكس، في تقديري، حالة تفسخ مجتمعي عام، نجم عن تراكم سلسلة أخطاء أفرزتها سياسات عشوائية غير منضبطة، بنيت علي غير أساس من القواعد والأصول النظرية السليمة. إذ يبدو واضحا للعيان أن السياسات الاقتصادية الراهنة لا تقوم علي آليات السوق وفق الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها، ولا تعكس سياسات تدخلية تحكمها رؤية واضحة لأهداف استراتيجية وأمنية تعمل علي تحقيقها، وإنما هي أقرب إلي شطحات وقفزات في المجهول تحكمها وتتحكم فيها أهواء ودوافع شخصية تعكسها طبيعة نظام سياسي يقوم علي تحالف واضح بين مجموعة رجال أعمال تسعي لاحتكار الثروة، ونخبة سياسية تسعي للإبقاء علي احتكارها للسلطة، وهي حقيقة عكستها، أو بالأحري فضحتها، ظواهر كثيرة كان آخرها طوابير لم يسمح أحد بمثلها من قبل! تقضي قواعد الانصاف بتوجيه تحية خاصة هنا إلي «ترزية السياسات»، التي تفتق ذهنها عن حيلة «طوابير المحليات»، التي لا تخلو من ابتكار، وهي حيلة لا تليق إلا بها وبتاريخها. إذ يبدو جليا أنه كان لهذه المجموعة من «الترزية» هدف واضح محدد، وهو منع أي قوة سياسية معارضة من أن يكون لها ثقل كبير في المجالس المحلية المنتخبة، حتي لا تكون في وضع يسمح لها، نظريا علي الأقل، بخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة بمرشح مستقل. لكنها لم تكن تريد في الوقت نفسه أن تقدم علي أي مخاطر من ذلك النوع الذي سمح لجماعة الإخوان المسلمين بخوض منافسة حقيقية في انتخابات مجلس الشعب، والفوز بعدد كبير من المقاعد بالفعل، رغم كل أشكال التدخل التي سمحت للحزب الوطني في نهاية المطاف بتأمين ما يزيد علي الأغلبية الحيوية، أي أكثر من ثلثي المقاعد. وللحيلولة دون تكرار ما حدث تقرر المنع من المنبع، أي من الترشيح أصلا!. ولصعوبة تقنين هذا المنع علي الصعيدين الدستوري والقانوني تفتق ذهن «ترزية السياسات» عن تلك الحيلة المبتكرة، وهي تشكيل طابور طويل من المخبرين أو الموظفين للوقوف منذ الساعات الأولي أمام لجان الترشيح وفي يد كل منهم أوراق ترشيح «كده وكده». وحين يصل الدور إلي من يرغب حقا في الترشيح يكون موعد عمل اللجنة قد انتهي، ويقال له «فوت علينا بكرة»، وتكرر المهزلة نفسها في اليوم التالي إلي أن تنتهي المهلة المحددة للترشيح! صحيح أن مهزلة كهذه لم تحل دون تمكن بعض مرشحي المعارضة من تقديم أوراقهم في نهاية المطاف، غير أن نظرة واحدة علي قائمة المرشحين للانتخابات المحلية تكفي للتأكيد علي أنها ستكون انتخابات من طرف واحد، وأن الحزب الوطني ضمن مقدما ما لايقل عن ٩٠% من مقاعدها. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث قرر الحزب الوطني ألا يعلن عن مرشحيه في الانتخابات المحلية إلا بعد غلق باب الترشيح، وهو ما فتح مجالا آخر للتلاعب والفساد داخل صفوف الحزب الوطني نفسه حيث أصبح الترشيح فيها يتم بالواسطة! لقد أثبتت «طوابير الخبز» وأحداثها الدموية أن البنية التحتية لعملية صنع السياسات الاقتصادية في النظام المصري تآكلت، وأثبتت «طواببر المحليات» أن طريق التغيير السياسي بالطرق السلمية أصبح مغلقا بالضبة والمفتاح وليس هناك من أمل لفتحه إلا عنوة أو قضاء وقدرا. لكن ليس معني ذلك أن أزمة الخبز ستظل محتدمة، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الرئيس مبارك يدرك أنها أزمة تضرب في العصب الحساس للنظام. لكن المشكلة أن بنية هذا النظام وطريقة أدائه لا تسمحان إلا بمسكنات أو بحلول قصيرة الأجل، بينما تتطلب الحلول الجذرية تغييرا في بنية النظام نفسه، وهو أمر لا يبدو واردا في ذهن أحد من داخل دائرة صنع القرار في المرحلة الراهنة، وهذا هو المأزق الحقيقي لنظام يبدو أنه لن يفيق إلا علي صوت انفجار كبير. وإذا كان جيلنا قد ترعرع في زمن بدا البعض فيه علي استعداد للتضحية بالحرية السياسية من أجل لقمة الخبز، فإن الجيل الحالي يبدو مطالبا بالتضحية بالخبز والحرية معا في وقت واحد. وهذا ثمن باهظ لا يمكن لشعب مصر، الذي بات عليه أن يدافع عن سمعة بلاده بنفسه، أن يقبله
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى