منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وضوء الدم..خيري منصور

اذهب الى الأسفل

وضوء الدم..خيري منصور Empty وضوء الدم..خيري منصور

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين مارس 24, 2008 5:26 am

الصفحة الرئيسية / مقالات مختارة
تم استعراض هذا المقال 1 مرة




وضوء الدم..خيري منصور..الدستور الأردنية..23/3/2008





حزب الوسط الجديد- الأحد 23 مارس 2008
لا يكفي يوم واحد في العالم لتذكير العربي بأنه على موعد مع الظمأ ، وأن حصته من الماء بعد عشرين عاماً قد لا تكفي لغسل ميت أو وضوء ، فالماء في ذاكرتنا وثقافتنا هو الحياة ذاتها ، وإذا أضيفت اليه الخضرة أو الوجه الحسن فذلك على سبيل التذكير به أيضاً.

والقول بأن حروب الماء أصبحت قاب شفتين مشققتين من الظمأ ، ليس فيه كثير من المبالغة ، لأن العالم خاض حروباً من أجل السكر والملح مثلما خاض حروب الذهب بمختلف ألوانه ، نهاية باللون الأسود منه ، الذي تحول من نعمة قومية الى نقمة كونية وها نحن ندفع ثمن وجوده في باطن أرضنا. إن من تعود يده خائبة تحت الحنفية في يوم شتائي يغمره الثلج قد تعود يده الأخرى أشد خيبة في يوم الماء ، لأن هذا السهل الممتنع الذي لا نشعر بقيمته إلا لحظة غيابه كالهواء تماماً هو سبب للحياة بقدر ما إن فائضه سبب للموت غرقاً،.

والوطن العربي الممدد بين ماءين ، أي بين خليج ومحيط ، كان قدره أن منابع مائه تقع خارج نطاقه الجغرافي والقومي ، لهذا فهو مهدد على الدوام بالسدود والظمأ ، مما يدرج هذا العالم العربي في خانة المهددين بخوض حروب الماء ، وإذا كانت بعض الأزمات الناجمة عن التضخم تجعل شاحنة محملة بالنقود لا تكفي لشراء رغيف كما حدث في أمريكا عام 1929 ، فإن أموال العالم كله قد لا تعادل كوب ماء في لحظة معينة ، والاستخفاف بالماء واحتمالات غيابه قد يضاعف من الكوارث القادمة والمحتمة التي لن ينجو منها أحد ونحن في غنى عن التذكير بالاحصاءات التي تنشر موسمياً عن مستقبل الماء وقابليته للاحتراق رغم أن وظيفته هي إطفاء الحرائق،.

والعرب الذين عرفوا الأعوام العجاف على امتداد فصول تاريخهم يعرفون أكثر من سواهم الفارق الجوهري بين الماء والسّراب ، بالرغم من أن بعضهم قد يجازف الاستحمام في السّراب ليفاجأ بأنه كالفيل يراكم الغبار على جسده ، وما قيل عن الجمال التي قتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول يتكرر الآن ، خصوصاً بعد أن استولى الغزاة على الماء والتراب ولم يسلم حتى الهواء من السرقة.

وإذا كان الاهتمام بالماء استراتيجياً وأمنياً يدوم ليوم واحد فقط من العام ، فإن بقية الأيام لا تعبأ بمثل هذه التقاويم.

ومن كانوا لزمن طويل يشدون الرحال بحثاً عن الماء والكلأ ، قد يعودون بعد أكثر من ألف عام الى بحث مماثل ، حتى لو أصبح الماء نفطاً والكلأ قمحاً،.

كم هو مسكين هذا العربي الذي لا يعرف على أي جانبيه يميل ، فوراء الروم روم وخلف الجوع ظمأ ، ولعاب المتربصين يسيل من كل الجهات ، لكن الفريسة الدائخة مصابة بالعمى وتصرّ على الاجهاز على ما تبقى فيها من نبض.

ولا جدوى من قرع الأجراس حتى لو تحول الفضاء كله الى رنين لا ينقطع ما دام الصمّم قد أصبح وبائياً.

الماء ليس الحكاية كلها ، وبالرغم من ذلك فهو شجن قومي يضاف الى سائر شجوننا بحيث يصبح المستقبل جحيماً مؤجلاً،.

وعلى العربي الذي تبهظه هذه المديونيات السياسية والثقافية والمائية أيضاً أن يفكر قليلاً بأحفاده لأن الحياة لم تبدأ بولده ولن تنتهي بدفنه حياً أو ميتاً، وقد يأتي يوم لا يجد فيه ماء يتوضأ منه أو يغسل موتاه غير الدم،.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى