منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قمة.. والعياذ بالله!..عبد الحليم قنديل ..القدس العربي اللندنية

اذهب الى الأسفل

قمة.. والعياذ بالله!..عبد الحليم قنديل ..القدس العربي اللندنية Empty قمة.. والعياذ بالله!..عبد الحليم قنديل ..القدس العربي اللندنية

مُساهمة من طرف ahmed الأربعاء مارس 19, 2008 4:31 am

ربما لا يعرف أحد ـ بالضبط ـ سر ولع الملوك والرؤساء والأمراء العرب بعقد قمة دورية، مع أن القمة لم تعد تعني شيئا عربيا، ولا يهم أحدا إن هي عقدت أو تأجلت أو حتي ألغيت، فقد تحولت إلي حفلة مراسم من طراز رديء، وتحولت إلي ما يشبه الجنازة بالملابس الرسمية.
الطريف أن تقرير دورية القمة جاء في الوقت نفسه الذي ذهبت فيه قيمتها، فالدورية ـ من حيث الإجراءات ـ قد تعني الانتظام، بينما في المضمون جاءت الدورية اقرب إلي نعي سنوي للنظام العربي برمته، وربما المفارقة ذاتها في وضع الأمين العام للجامعة العربية، فالسيد عمرو موسي ـ وزير الخارجية المصري الأسبق ـ واحد من أكثر أمناء الجامعة كفاءة واقتدارا، لكنه تولي الجامعة ـ لسوء الحظ ـ في الوقت ذاته الذي ذهب فيه معناها، وربما تبقي له المبني بعد انحسار المعني، وبدا موسي حريصا علي ملء فراغ المعني بكثرة الإجراءات الإدارية، بإنشاء المفوضيات، وبتوالي المكوكيات ، وبتنشيط العلاقة مع الصحافة، وباستعراضاته اللغوية التي انتهت إلي إشهار يأس في اجتماع وزراء الخارجية العرب الممهد لقمة دمشق، وحيث استعار الآية القرآنية الكريمة إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ، ثم ختم بالآية الأخري ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .
والمعني ـ في التفسير السياسي ـ أن موسي رغب في تغيير بدا له مستحيلا، وأنه يسلم بمصير الجامعة وقممها ذاهبة الريح، وأنه يريد أن يحجز لنفسه حق القول ـ بعد التقاعد ـ أنه حذر وأنذر وما من مستجيب، فقد ألقي موسي عصاه فإذا هي حية ماتت، وتوافر للجامعة واحد من أفضل أمنائها في نفس اللحظة التي كانت تزهق فيها أنفاسها الأخيرة .
وليس الخطأ بالطبع في حرص دوري علي انعقاد القمة، ولا في محاولة بعث الروح في الجامعة التي تجاوزت سن الإحالة علي المعاش، بل الخطأ في غياب الإرادة السياسية التي تحفظ للجامعة والقمة معني، أو قل انه الخلل الجوهري الذي جعل خيمة العرب مطوية علي الرمل، لا نقول انه الانقسام في الآراء ولا في الإرادات، فلا توجد آراء ولا إرادات ذاتية لأحد من المقعدين العرب في قصور الحكم، إنما الإرادات مستعارة وتابعة بالجملة، وما يقال له محور اعتدال في مواجهة محور تشدد يبدو كلاما بلا معني، فليس من إرادة في المنطقة الآن ـ بالمعني النظامي ـ سوي إرادتين، إرادة أمريكا وإرادة إيران، وإرادة أمريكا هي السارية في أغلب عواصم العرب، والبيت الأبيض هو منزل الوحي للنظام العربي بعامة، والعواصم العربية الرئيسية ـ بحكامها ووزراء دفاعها وخارجيتها بالذات ـ هي مجرد مكاتب ترجمة للإرادة الأمريكية.
وقد كان الانهيار الكبير للنظام العربي مرتبطا أكثر بالمشروع الأمريكي، فقد خرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بكامب ديفيد الأمريكية، وكان خروج مصر ـ بثقلها الحاسم ـ من الصراع يعني خروجها علي النظام، كان خروج مصر يعني خلعا لوتد الخيمة، ثم انزلقت مصر من الخروج إلي التورط المعاكس بعد غزو العراق للكويت، وذهبت العواصم الرئيسية (القاهرة ـ الرياض ـ دمشق) بسلاحها تحت القيادة الأمريكيةإلي حرب الكويت، ثم جري الاستطراد في الخطيئة إلي نهايتها، وبدت خرائط العرب حقلا ممتدا لقواعد سلاح أمريكية من بورسعيد إلي الكويت، كانت تلك هي الصورة اللوجستية الجديدة للمنطقة، والتي ورطت العرب بدعم المجهود الحربي الأمريكي لغزو العراق بعد ثلاث عشرة سنة علي حرب الكويت، وكان طبيعيا في ظل التسابق إلي نجدة السلاح بالزحام أن انتهي النظام، وأن تغيرت هوية النظام الذي ظل يتحدث باللغة العربية علي سبيل الخداع، بينما المضمون أمريكي خالص، وبينما انعقادات القمة محفوفة دائما بالبركة الأمريكية، وبينما جداول الأعمال مرتبطة ـ دائما ـ بأضواء خضر أو حمر تصدر من واشنطن، وبينما نظام الأمن الجماعي العربي ـ باعتباراته الذاتية ـ يتواري، ويحل محله نظام أمن جماعي أمريكي الأولويات، وإلي حد بدت معه القمم العربية في خانة الموارد الإضافية للقوة الأمريكية، وتماما كقمم الثمانية الكبار، وقمم حلف الأطلنطي، وباعتبارات رعاية أكثر لقمم تعقد في ساحة الصدام المباشر مع قوة إيران التي أخذت أجندة عربية تركتها الجامعة من زمان (!).
وليست مصادفة أن عمر الجامعة وقممها من عمر الصراع العربي الإسرائيلي ذاته، وبقطع النظر عن أدوار لبريطانيا ـ التي كانت عظمي ـ في سنوات نهاية الحرب الثانية، فقد بدا التقدم لإنشاء الجامعة العربية مرتبطا بوصول التجمع الإسرائيلي الييشوف إلي ذروته في فلسطين أواسط الأربعينيات، وليست مصادفة ان اتفاقات الدفاع المشترك سبقت اتفاقات السوق المشتركة، اتفاقات الدفاع بدأت أوائل الخمسينيات، واتفاقات الاقتصاد بالقرب من نهاية الخمسينيات، واتفاق السوق المشتركة في أواسط الستينيات، وكانت الفجوة ظاهرة دائما بين الاتفاقات والوقائع،، ربما كان السبب في انقسامات تداعت بين طرف ذي إرادة عربية مركزه القاهرة، وأطراف أخري ظلت تلتحف بظل الاستعمار في دراما الخمسينيات والستينيات.
كانت القمم المتفرقة تعكس باطراد واقع انسحاب الاستعمار بقواعده من المنطقة، لكنها لم تكتسب المعني الجاد الجامع إلا في الفترة من هزيمة 1967 إلي حرب 1973، وكان الدرس ظاهرا، فقد توافر الهدف الموحد المجمع عليه، وهو إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وكان الاختيار ـ في قمة الخرطوم ـ لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف، وسمح الاتفاق علي الهدف وفي الاختيار بتوزيع أدوار هو الأكثر كفاءة في الحياة العربية الرسمية الحديثة والمعاصرة، دول علي خط النار، ودول علي خطوط الدعم، وكانت تلك هي القوة الدافعة وراء النصر العسكري النظامي في عبور 1973، والذي عاد علي عرب السلاح برد جزء من الكرامة المستباحة في عدوان 1967، وعاد علي عرب الدعم بطفرة هائلة في مداخيل البترول، وبعد تجربة قصيرة لوقف تصديره علي سبيل الضغط الداعم للسلاح، لكن خروج القاهرة بعدها ـ بخطيئة السادات ـ جعل النظام العربي فارغا من المعني، وبغير مركز تأثير يوحي وينظم، وحول مبني الجامعة في قلب القاهرة إلي متحف أثري قريب بالجغرافيا من المتحف الفرعوني، ثم كانت تداعيات الاستلاب للإرادة الأمريكية، وإلي حد أن القمة العربية سنة 1987 لم تذكر القضية الفلسطينية بحرف، وهو ما كان سببا ـ بين أسباب ـ في تفجير الانتفاضة الفلسطينية الأولي، وإلي دفعة هائلة في الأثر الملهم للمقاومة اللبنانية التي سبقت إلي التكون قبلها بسنين.
كانت فكرة المقاومة تنفصل عن نظام عربي انفصل عن القضية، راحت المقاومة تصنع إرادتها المستقلة، بينما كان النظام يحجز إرادته للآخرين، ويتحول إلي مقام التسول السياسي، وبمبادرة فهد في قمم الثمانينيات، والتي انتهت إلي حمل اسم المبادرة السعودية فالمبادرة العربية الآن، كان النظام العربي المتداعي يجهد في ستر عوراته، بينما نيران المنطقة تحترق بحجب الستر، وبعد عشرين سنة علي الظهور الأول لمبادرة السعودية، كانت المبادرة تتحول ـ في قمة بيروت 2002 ـ إلي نوع من طلب الصفح الإسرائيلي، وردت عليها إسرائيل وقتها باقتحام رام الله وحصار عرفات في بيت المقاطعة.
كان المشهد مخزيا، لكن أوراق التوت كلها سقطت حين أعيد تجديد المبادرة في قمة الرياض 2007، فقد جري التأكيد علي نزع مخاوف إسرائيل كلها من نص المبادرة، وجري إسقاط حق عودة اللاجئين بعبارة الحل العادل المتفق عليه .. مع إسرائيل طبعا! وجري التأكيد علي اعتراف عربي جماعي بإسرائيل، وعلي التطبيع بالجملة إن هي تجاوبت مع مطالب انسحاب من أرض احتلتها، ثم لم يعد الانسحاب شرطا للتطبيع، وذهب الكل ـ كقطيع الخراف ـ إلي لقاء أنابوليس بنهاية عام القمة، وفي خطوة بدت كاعتراف دون وعد بانسحاب، فلم تعد القضية الفلسطينية هي حجر الزاوية، بل صارت القضية الإيرانية، وحيث يجري توزيع الأدوار بين إسرائيل والدول العربية الثماني (دول الخليج الست + مصر والأردن) في حلف رايس، وتحت القيادة الأمريكية، وجري عزل دمشق بدفعها للخروج من لبنان، ثم بعملية خض ورج للنظام السوري، وتهديده بمصير صدام، ومحاولة دفعه للدخول في صدام بالسلاح مع حزب الله، وقطع الروابط مع العدو الإيراني الذي يراد إحلاله محل العدو الإسرائيلي السابق، وبعد ان صار الأخير صديقا ظاهرا للنظام العربي وعواصم القرار فيه.
هذه هي بيئة السياسة التي تعقد قمة دمشق في سياقها، وليست هذه دعوة لعدم الاهتمام بالقمة، ولكن لوضعها في مكانها بالضبط، فليس فيها شيء عربي من أصله، وان ازدحم جدول أعمالها بما يبدو عربيا، ولا يصح وصفها بقمة الصامتين والعاجزين كما يقال أحيانا، بل هي قمة للمتواطئين، القضية الفلسطينية علي جدول أعمالها، ولكن ليس لنصرتها بل لتصفيتها، والقضية الإيرانية هي التي في البال، ولأن أمريكا ـ راعية القمة الحقيقية ـ تريد ذلك، وتوزيع الأدوار علي أطراف العدوان الثلاثي هو جوهر الخطة، فالنظم العربية ـ بغالبها ـ هي الطرف الثالث في العدوان مع أمريكا وإسرائيل، والتصور هو أن حصار إيران ـ إلي حد الهجوم العسكري ـ هو الطريق الأسلم لتصفية جماعات المقاومة علي جبهة الصدام مع إسرائيل، فإسرائيل لم تعد عدوا للنظم العربية، بل هي في وضع الحليف الضمني، والنظم العربية لم تعد تريد من إسرائيل أن تنسحب من الأرض، بل تريد لها أن تبقي كما هي، ومقابل أن تبقي النظم العربية كما هي تحت الرعاية الأمريكية، فلم يعد مطلوبا مقايضة السلام بأرض، بل السلام مقابل سلامتك.
وربما تحتاج إلي خلع عقلك لتصدق أن خيرا له أن يتأتي من وراء اجتماع حكامنا بسلامتهم، فهم ذاهبون ليس إلي قمة فيها إيحاءات العروبة الدمشقية، بل إلي قمة يعظ فيها الشيطان الأمريكي.. والعياذ بالله!
ahmed
ahmed
عضو مبدع

عدد الرسائل : 405
تاريخ التسجيل : 07/11/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى