منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

غلاء الأسعار ما بين الأسباب والعلاج ـ د. أشرف محمد دوابه

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

غلاء الأسعار ما بين الأسباب والعلاج ـ د. أشرف محمد دوابه Empty غلاء الأسعار ما بين الأسباب والعلاج ـ د. أشرف محمد دوابه

مُساهمة من طرف saied2007 الخميس مارس 13, 2008 2:11 am

يشهد الوطن العربي سباقا محموما في ارتفاع الأسعار، وإن اختلف تأثيرها وفقا لمستويات الدخول، فالدول ذات الأفراد الأقل دخلا أكثر معاناة، والدول ذات الأفراد الأكثر دخلا أقل معاناة، ولكن القاسم المشترك أن الكل يعاني، وأن ارتفاع الأسعار لا يبقي ولا يذر، حيث يتراوح معدل التضخم في الدول العربية ما بين 7 - 16%.
وإذا كان البعض يبرر هذا الغلاء دائما بأن الغلاء أصبح ظاهرة عالمية لا يمكن أن ننفك عنها في ظل سيادة العولمة واعتبار العالم قرية صغيرة، ونحن لا ننكر تلك الحقيقة ولكن دول الاتحاد الأوربي تضع سقف للتضخم المستهدف في حدود 2% - وإن كان سجل نسبة 3% في العام الماضي في أعلى مستوى له في ست سنوات - وهو ما يحمى المستهلك في نهاية المطاف، والصورة في بلادنا تختلف عما هو عليه الحال في الغرب.
فغلاء الأسعار في بلادنا له العديد من الأسباب يأتي في مقدمتها قصور القدرات الإنتاجية الوطنية عن مقابلة الطلب المحلي فهناك عجز في الإنتاج يزيد من الاعتماد على الخارج، حتى أن الفجوة الغذائية العربية تتجاوز نسبة 30%، ودول الخليج العربي تعتمد على 90% من احتياجاتها من المواد الغذائية من الخارج. وفي ظل ارتفاع أسعار البترول وفرض ضريبة من قبل الدول المستوردة تصل إلى 40% من سعر البرميل ، وهو الأمر الذي يزيد من أسعار المنتجات المستوردة للدول العربية باعتبار البترول عنصر رئيس في إنتاج تلك المنتجات بالدول الغربية، وقد ضاعف من حدة التضخم المستورد ارتباط غالبية عملات الدول العربية بالدولار الذي يشهد انخفاضا ملحوظا لم يشهده منذ عشر سنوات حتى خسر الدولار أكبر من 70% من قيمتة أمام اليورو مقارنة بمستواه عام 2000م ، فنحن نشتري غالبية واردتنا باليورو ونبيع غالبية صادرتنا والتي في أغلبها النفط والغاز بالدولار وهو الأمر الذي ضاعف من الأزمة وزاد من اشتعالها. والتضخم المستورد يعتبر بحق من أهم أسباب الغلاء في الدول العربية البترولية حتى لو كان ميزان المدفوعات بها متوازنا أو به فائض .
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن منتجي السلع المحلية يتتبعون أيضا هذا الارتفاع في الأسعار حيث أن المشروعات الداخلية تستفيد من هذه الموجة التضخمية المستوردة لزيادة أسعار سلعها الداخلية ، وتحقيق أرباح إضافية توازى الأرباح التي يحصل عليه قطاع التجارة الداخلي ، والذي يتعامل بالسلع المستوردة.
كما أن كثيرا من السلع المصنعة داخليا تعتمد على مستلزمات سلعية مستوردة من الخارج، وارتفاع أسعار تلك المستلزمات يعنى أن السلع النهائية المنتجة في الاقتصاد الداخلي سوف تزداد نفقاتها وتزداد بالتالي أسعارها.
كما أن قطاع الإسكان وما يتضمنه من مغالاة في الإيجار بصورة غير واقعية خاصة في دول الخليج العربي يعتبر من الأسباب الرئيسة في غلاء الأسعار.
ويرجع غلاء الأسعار أيضا إلى سياسة الحكومة النقدية وإدارتها للموارد العامة التي توجد تحت تصرفها، وهو الأمر الذي تعكسه الموازنة العامة للدولة ، وبخاصة حجم الإصدار النقدي، والإسراف الحكومي، والفساد الذي يمثل نزيفا للمال العام، وأسعار ما تقدمه الدولة من خدمات كأسعار الكهرباء والمياه …الخ.
وينشأ غلاء الأسعار أيضا في حالة وجود يد خفية محركة للسوق تحول بين تحقيق السعر العادل الذي تتحقق به العدالة والكفاءة وعليه تتفق قيم الفرد والمجتمع وذلك من خلال احتكارها لبعض السلع والخدمات، وما أقل المحتكرين عددا وأكثرهم نفوذا في بلادنا؟!
ويعتبر سعر الفائدة أيضا من أسباب التضخم فارتفاع سعر الفائدة يعنى ارتفاع تكاليف الإنتاج ، وما يترتب على ذلك من رفع أسعار السلع والخدمات. كما أن القروض التي منحتها البنوك للعملاء واتجهوا بها نحو المضاربة في البورصة ، وما نتج عنها من خلق متزايد للنقود زادت من غلاء الأسعار ، فعلى سبيل المثال حققت البورصات الخليجية خسائر قدره 422 مليار دولار خلال عام 2006 من جراء المضاربة.
ومن أسباب التضخم أيضا الإنفاق الاستهلاكي والترفي، فعلى سبيل المثال كشفت بعض التقارير عن الحجم المذهل لإنفاق نساء الخليج العربي - وبخاصة اللائي تقل أعمارهن عن 25 عاما- على منتجات التجميل والصحة والذي يقدر بنحو 1.7 بليون دولار سنويا ، وكشف تقرير آخر عن أن حجم الإنفاق على التجميل يشكل 40% من دخل الأسرة الخليجية، و20% من دخل الأسرة المصرية.
ونتيجة لمعاناة الفرد من غلاء الأسعار في مسكنه وملبسه ومأكله ومشربه وكافة شئون حياته اتجهت العديد من الدول إلى رفع الأجور للتعويض عن هذا التضخم كما حدث بدول الخليج العربي، وهذا الأمر له أسبابه الاجتماعية التي لا يمكن إغفالها، ولكن في الوقت نفسه ينبغي التأكيد على أنه إذا كان هناك ارتفاع في أسعار السلع والخدمات وفي مقابل ذلك حدث ارتفاع في الأجور والقوة الشرائية لدى المستهلك، فإن ذلك يعزز من ارتفاع الأسعار والتضخم بشكل عام إذا لم يتم زيادة الإنتاج الحقيقي للعاملين على المستوى الكلي للاقتصاد بمعدل متقارب مع الزيادة في الأجور النقدية – بمعنى آخر يجب أن يتناسب التغير في الناتج الحقيقي الكلي من السلع والخدمات مع التغير في الإنفاق الاستهلاكي، فارتفاع الأسعار دون أن يقابله زيادة مناظرة للناتج القومي الحقيقي وما يترتب عليه من ارتفاع الأجور تباعا وتكرارا يدخلنا في دائرة مفرغة أو ما يسمى بلولب الأسعار / الأجور أو بالطبع الاستغناء عن العديد من العاملين لتخفيض التكاليف.
إن غلاء الأسعار له آثاره السلبية ليست على المستوى الاقتصادي فحسب بل على المستوى الاجتماعي أيضا حيث يحول بين جهاز التنمية الاقتصادية والقيام بوظيفته في توجيه الإنتاج وفقا للطلب الفعلي للمستهلكين، وقد يتوقع الناس ارتفاع الأسعار فيزيدون طلبهم الحالي فترتفع الأسعار من جديد أو يتخلص الناس من النقود ويحلون محلها سلعا استهلاكية. كما يؤدي إلى فقدان النقود لوظيفتها كوسيط للتبادل ومخزن للقيمة، فنتيجة للتضخم يزداد الميل للاستهلاك خوفا من زيادة الأسعار في المستقبل. كما أن تأثيره في توزيع الدخول ليس محايدا حيث يعيد التوازن للأشخاص الاقتصادية القوية على حساب الأشخاص الاقتصادية الضعيفة، فهو يعمل غالبا لصالح أصحاب الدخول المتغيرة على حساب أصحاب الدخول الثابتة والمحدودة، وهذه من أهم الآثار السلبية لارتفاع الأسعار حيث تؤدى إلى خلخلة الأوضاع الداخلية بين فئات المجتمع وتهديد السلام الاجتماعي بين الطبقات المختلفة، فضلا عما يسببه من إعاقة الزواج وفتح السبل للطلاق، وانتشار النمط الاستهلاكي الترفي ، وتدهور قيمة العمل المنتج وهجرة العقول أصحاب الكفاءات.
ولعلاج تلك المشكلة المزمنة ينبغي التأكيد على أنه في الغالب قد لا يوجد علاج وحيد ناجح لأي مشكلة اقتصادية قائمة على المستوى الكلي خاصة إذا تعددت أسبابها، وأن هذا العلاج قد تختلف خطواته من دولة لأخرى، وقد يكون العلاج المقترح رئيسيا فضلا عن أنواع أخرى من العلاج تصاحبه حتى يؤتي ثمرته المرجوة.
ومشكلة غلاء الأسعار هي إحدى المشكلات ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وذات الأسباب المتعددة، وقد تحدث في ظروف معينة لسبب أو أكثر. والعلاج الاقتصادي لتلك المشكلة لا يمكن أن ينفصل عن العلاج الاجتماعي، ومن ثم فإنه يجب أن نضع نصب أعيننا تحقيق الهدفين الاقتصادي الاجتماعي معا ، أو على الأقل تحقيق الهدف الاقتصادي دون إضرار بالهدف الاجتماعي عند العلاج.
وعلاج مشكلة غلاء الأسعار يرتبط بعلاج هيكلي لا يمكن إغفاله في جميع الأحوال ، بل يجب البدء به .. وعلاج نقدى من خلال التحكم في طلب وعرض النقود ومن الممكن الاستعانة به كعلاج مؤقت أو ثانوى أو مساعد. والعلاج النقدى الذي يعمل في الأجل القصير يختلف في طبيعته عن العلاج الهيكلي الذي يعمل في الأجل الطويل، وتبدو أهمية ربط العلاج النقدى بالعلاج الهيكلي بصورة يحكمها التدرج في الخطوات فما لا يدرك كله لا يترك كله، مع تطبيق العلاج النقدى بحذر شديد. وإذا كان العلاج النقدى يرتبط بالتحكم في عرض وطلب النقود فإن العلاج الهيكلي يرتبط بـتنمية الناتج الكلي الحقيقي بأعلى معدلات ممكنة مما يستلزم رفع معدلات الاستثمار في الأنشطة ذات المزايا النسبية، وتنمية الصادرات من جهة والحد من الواردات من جهة أخرى بإتباع سياسة الإحلال محل الواردات لفك الضغط والعجز – بالنسبة للدول ذات العجز- على الميزان الجاري، وكذلك ترشيد الإنفاق على مستوى الدولة والأفراد، تطبيقا للقاعدة القرآنية (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) ، مع أهمية الحفاظ على التوازن بين التغيرات في معدلات الأجور الحقيقية والتغيرات في الإنتاجية للحفاظ على مبدأ العدالة على مدى الزمن، من خلال ربط الأجور بالرقم القياسي لأسعار التجزئة حيث يعتبر مؤشرا جيدا للتغير في نفقة المعيشة ، ويقصد بالرقم القياسي للأسعار متوسط التغيرات المئوية في أسعار عدد من السلع والخدمات، وهذا يعنى التخلص من المزايدات التي تتسبب فيما يسمى (لولب الأسعار / الأجور).
كما تبدو أهمية التخلص من الهياكل الاحتكارية في الأجل الطويل، وضرورة مقاومة التصرفات الاحتكارية في الأجل القصير، مع تفعيل الدور الرقابي للدولة بصفة عامة على الأسواق لإحداث التوازن في الأسعار بصورة عادلة، والوقوف يحزم أمام الذين يحتكرون أقوات الناس ومعايشهم.

أستاذ التمويل والاقتصاد الإسلامي المساعد بجامعة الشارقة
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غلاء الأسعار ما بين الأسباب والعلاج ـ د. أشرف محمد دوابه Empty رد: غلاء الأسعار ما بين الأسباب والعلاج ـ د. أشرف محمد دوابه

مُساهمة من طرف ahmed الجمعة مارس 14, 2008 4:48 am

موضوعات متميزة ومتجددة تفيدنا ونستفيد منها
اشكرك عليها
ahmed
ahmed
عضو مبدع

عدد الرسائل : 405
تاريخ التسجيل : 07/11/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى