العربي الطيب هو العربي الميت - د.إبراهيم البحراوى

فجأة ومنذ يوم الجمعة الماضي سلطت أضواء كاشفة علي مدرسة «مركاز هاراڤ» الدينية في القدس الغربية، وأصبحت في بؤرة النقاش الدولي في مجلس الأمن، بعد أن فتح الشاب العربي المقدسي علاء هشام أبو دهيم نيران رشاشه علي طلاب المدرسة، وبعد أن استطاع أحد طلاب المدرسة أن يوجه طلقتين من بندقيته إلي رأس علاء فينهي العملية.

تعتبر هذه المدرسة الموجودة في القدس الغربية كبري المدارس التابعة للحركة الصهيونية الدينية القومية، التي يمثلها حزب المفدال في عالم السياسة.

لقد اعتبر كثير من المحللين الإسرائيليين هجوم علاء الذي سبق له أن عمل سائقاً بالمدرسة هجوماً ذا دلالة سياسية حيث إنه موجه إلي المقر التعليمي الرئيسي للحركة التي قادت الاستيطان الديني في الضفة الغربية، حيث تعتبر الضفة جزءاً عضوياً من أرض إسرائيل وترفض إعادتها إلي العرب مقابل السلام. وإذ كان الشعار الذي تتبناه الحركة الصهيونية الدينية القومية هو «أرض إسرائيل لشعب إسرائيل طبقاً لشريعة إسرائيل»، فلقد تولدت داخل وعاء الحركة وفي ظل هذا الشعار بعد عام ١٩٦٧ منظمة تحمل اسم جوش أمونيم، فقد استطاعت المنظمة استقطاب شباب المدارس الدينية، ووضعت لنفسها برنامجاً عملياً وعسكرياً لتنفيذ الشعار.

لقد قامت منظمة جوش أمونيم بالاستيلاء علي مناطق عديدة في الضفة وأنشأت بها مستوطنات دينية، كما استولت علي بعض المنازل العربية في القدس الشرقية، وأنشأت فيها مدارس دينية جديدة، وكذلك قامت بتنفيذ برنامج إرهابي مسلح لطرد سكان القدس العرب، وذلك بإزعاجهم ليلاً وإلقاء قنابل حارقة علي منازلهم وهم نيام. كما ارتكبت العناصر التابعة لجوش أمونيم عدة عمليات إرهابية كبري، منها محاولة إحراق المسجد الأقصي عام ١٩٦٧،

ومنها الهجوم عدة مرات علي المصلين المسلمين في المساجد بالضفة، خاصة في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل. لقد تم اعتبار منظمة جوش أمونيم الوحدة الخاصة للصهيونية الدينية القومية للقيام بالأعمال الإرهابية القذرة تحت اسم المنظمة حتي لا تتعرض الحركة الأم للإدانة الدولية بتهم العنصرية أو بجرائم التطهير العرقي للعرب، أو بجرائم الاعتداء علي المقدسات الدينية.

في منتصف الثمانينيات استطاع باحث إسرائيلي سياسي يدعي داني روبنشتاين أن يندس بين صفوف منظمة جوش أمونيم، وأن يدرس أفكارها من الداخل. وقد اكتشف روبنشتاين أن هناك شعاراً سرياً يتداوله أعضاء المنظمة من شباب المدارس الدينية ويعملون طبقاً له في إخلاص، وهو شعار «العربي الطيب هو العربي الميت».

لقد أحدث نشر كتاب روبنشتاين في الثمانينيات حالة جدل داخل إسرائيل، خاصة أن الباحث صاحب الكتاب كان من الخصوم السياسيين والفكريين لمنظمة جوش أمونيم، غير أن الجدل سرعان ما خبا دون أي تأثير علي نشاط المنظمة الإرهابي الاستيطاني.

إن الجدل الجديد الذي شهدته قاعة مجلس الأمن بين سفير إسرائيل في الأمم المتحدة وبين إبراهيم الدباشي نائب السفير الليبي في المنظمة الدولية يشير إلي دلالة مهمة. لقد طلبت إسرائيل إصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن يدين الهجوم الذي قام به الشاب علاء الذي أسفر عن ثمانية قتلي باعتباره هجوماً إرهابياً ضد المدنيين،

غير أن ليبيا وهي العضو العربي في مجلس الأمن في دورته الحالية اشترطت لصدور البيان ضرورة النظر في مشروع قرار تقدمت به لإدانة إسرائيل لقيامها بقتل مدنيين أبرياء بمن فيهم أطفال في قطاع غزة. ولقد رفض الوفدان الأمريكي والإسرائيلي الطلب الليبي مما دعا الممثل الليبي إلي رفض صدور بيان الإدانة لهجوم القدس، نظراً لافتقادهالتوازن وتركيزه علي الضحايا المدنيين اليهود دون الضحايا المدنيين العرب.

الغريب في الأمر هو موقف المندوب الإسرائيلي الذي رفض التوازن الذي تطالب به ليبيا، فقد شن هجوماً شرساً علي ليبيا واتهمها بأنها دولة إرهابية تسببت في لوكيربي، ثم أضاف أن موقفها في المجلس يثير التساؤلات ليس فقط عن عضويتها في مجلس الأمن، بل عن عضويتها في الأمم المتحدة. لقد رد إبراهيم الدباشي رداً مناسباً علي السفير الإسرائيلي عندما قال: «لسنا في حاجة إلي شهادة حسن سلوك من النظام الإرهابي الإسرائيلي أو ممثليه».

إن الدلالة الواضحة لهذا الجدل الإسرائيلي العربي في مجلس الأمن تكشف عن ميل متواصل لدي الدبلوماسية الإسرائيلية لإنكار المسؤولية عن العمليات الإرهابية التي يمارسها الجيش النظامي الإسرائيلي والتي ينتج عنها سقوط الضحايا من الأطفال والنساء العزل،

كما يكشف عن التمسك الإسرائيلي بأفضلية الدم الإسرائيلي الذي يسيل من المدنيين علي الدم العربي الذي يسال بقذائف الطائرات والدبابات الإسرائيلية. إن اتهام ليبيا بالإرهاب علي لسان المندوب الإسرائيلي يعني أن كل من يقف في وجه الطلبات الإسرائيلية في المحافل الدولية معرض لإحدي تهمتين، الأولي تهمة معاداة السامية، والثانية تهمة الإرهاب.

إن هذا الجو من التلفيق السياسي الذي تمارسه إسرائيل علي نحو متواصل، لا يمكن أن يساعدها علي إدراك متوازن في مجال الصراع وفي مجال التسوية السلمية علي حد سواء. إنها تري نفسها بكل ما ترتكبه من جرائم ضد المدنيين في حالة دفاع شرعي عن النفس تبرر لها ما تقوم به من فظائع، وبناء علي ذلك ترفض أي إدانة خارجية بقدر ما ترفض الأخذ بموقف النقد الذاتي والاعتراف بالجريمة.

أما في حالة التفاوض السلمي فهي تفرض شروطها ومعتقداتها وتحاول إملاءها علي الطرف العربي. لقد دفع هذا النمط من الإدراك المتحجر وزراء الخارجية العرب إلي النظر في مبادرة السلام العربية من جديد للضغط علي هذا التحجر.. فهل تنفع العصا العربية بعد أن فشلت الجزرة؟!

موضوعات متميزة ومتجددة تفيدنا ونستفيد منها
اشكرك عليها