الحدود في الفكر الإسرائيلي-أمين هويدي

الحديث عن الحدود في فكر إسرائيل ـ وهي دولة مازالت تبحث عن حدودها النهائية حتي الآن ـ فرض نفسه في ظل ما يجري علي حدودنا الشرقية فيما يعرف بأزمة قطاع غزة أو أزمة اجتياح بعض الفلسطينيين لحدودنا عنوة هربا من حصار إسرائيل للقطاع‏,‏ حتي يموت الشعب جوعا‏,‏ وبذلك فهي أزمة مركبة نحن في بدايتها ولا يعرف أحد متي ولا كيف تنتهي‏,‏ ولذلك لا يجوز النظر إليها قطعة قطعة‏.‏

من البديهيات أن الحدود السياسية للدول مقدسة‏,‏ اختراقها عنوة أو مخالفا للترتيبات القائمة المتفق عليها يعتبر اعتداء علي الأمن القومي للدول تواجهه بترتيبات متنوعة قادرة‏..‏ ليس مهما هوية المعتدين ولا مبرر العدوان ودوافعه لأن القضية في أساسها سياسية‏,‏ خاصة اذا كانت الظروف القائمة تميل الي احتمال الصدام والحرب أكثر من ميلها الي التعايش والسلام‏,‏ مما يحتم ضبط الأمور بالنسبة للحدود المشتركة تفاديا لصدام مباشر باستخدام القوات المسلحة‏.‏

حساسية موضوع ضبط الحدود دفعت الدول الأوروبية الي عقد اتفاقية شنجين ـ‏Schengen‏ عام‏1985‏ ـ‏1990,‏ التي تقضي بإلغاء الترتيبات التقليدية لعبور الحدود بين الدول والسيطرة عليها واستبدالها بقواعد جديدة‏,‏ وسارت الأمور بعد ذلك طبيعية لاحترام الدول لاتفاقياتها التي تتعلق بالسيادة‏.‏

في منطقتنا الملتهبة التي لا تحترم فيها شرعية أو قانون‏,‏ تم ربط قطاع غزة بالعالم الخارجي بستة معابر‏,‏ منها‏5‏ تربطه مع إسرائيل وواحد هو معبر رفح يربط القطاع بمصر‏,‏ والمفروض أن تكون هذه المعابر أدوات وصل وليس أدوات فصل‏,‏ إلا أن إسرائيل لا تري ذلك فتستخدم المعابر كأبواب مغلقة علي القطاع بعد تحويله الي مصيدة منعت مرور البضائع وكل الاحتياجات لتجويع الشعب وليعيش دون غذاء أو ماء أو كهرباء أو دواء‏,‏ وتمكنت من ذلك لظروف دولية وإقليمية أهمها عدم وجود قوة ردع عربية بإرادة سياسية قادرة لإيقافها عند حدها‏.‏

هذا التصرف من رئيس الوزراء أولمرت في بداية القرن‏21‏ وليد عقيدة قديمة ثابتة أنقل بعض قصصها من كتابي كيف يفكر زعماء الصهيونية ـ دار المعارف‏1974:‏

في عام‏1902‏ قابل هرتزل المليونير روتشيلد وعرض عليه التدخل لدي بريطانيا للمساعدة في أن يكون لليهود مستعمرة لهم تحت اشرافها وعرض عليه روتشيلد أوغندا‏,‏ ولما كان هناك آخرون في الغرفة لم يرد هرتزل الافصاح عما يدور في خلده فكتب ورقة الي روتشيلد فيها إن ما نريده هو شبه جزيرة سيناء وفلسطين العربية وقبرص‏,‏ هل توافق؟ وابتسم المليونير بعد قراءة القصاصة وقال صبرا وكان هرتزل يريد سيناء وقبرص أولا كنقطة وثوب الي فلسطين حينما تحين الفرصة‏.‏

وفي يوم‏1902/10/22‏ قابل تشمبرلين وزير المستعمرات البريطانية وطالبه بإعطاء اليهود قبرص والعريش وسيناء‏,‏ كمناطق يستوطنون فيها‏,‏ وسوف تقوم الشركة اليهودية الشرقية التي ستتكون برأسمال قدره خمسة ملايين جنيه بتنفيذ عملية الاستيطان‏,‏ وقد أحاله تشمبرلين الي اللورد كرومر في مصر لأخذ موافقته‏.‏

وردا علي مذكرة هرتزل الي كرومر وصله رد الأخير في‏1902/12/21‏ بأنه يري إمكان تحقيق مشروع شبه جزيرة سيناء‏,‏ اذا سمحت الظروف بذلك وحينئذ ستقتصر طلبات الحكومة المصرية علي ضرورة تجنس اليهود الذين يصلون الي سيناء‏,‏ بالجنسية العثمانية مع دفع مبالغ سنوية للحكومة المصرية‏,‏ وفي الحال بدأ هرتزل في وضع خطة للتنفيذ بتشكيل بعثة فنية لارسالها الي سيناء لإجراء الدراسات اللازمة‏,‏ وفي‏1903/1/20‏ وصلت البعثة الي مصر برئاسة المهندس كسلر‏.‏

ولنترك البعثة وننتقل الي رأي الجنرال الأعور موشيه ديان‏,‏ فنجده يقول وهو يشرح سياسة‏,‏ الأمن الإسرائيلي معني سياسة الأمن الإسرائيلي هو الأرض ولكن ليس صوابا أن تعلن إسرائيل ضم الأراضي التي تريدها فالأفضل من ذلك الاستيطان بخلق الأمر الواقع‏,‏ والحديث عن قداسة الحدود في هذه المنطقة مجرد هراء فلم تحدد الحدود بين فلسطين وسوريا إلا عام‏1921‏ ولم تضم الضفة الغربية للأردن إلا بعد مؤتمر أريحا عام‏1948‏ ولم تصبح سيناء ملكا لمصر إلا بعد الحرب العالمية الأولي‏,‏ فالحدود في منطقتنا ليست شيئا مقدسا بل هي دائمة التغيير والتعديل وحينما نتحدث في اسرائيل عن تعديلات لابد منها فإن هذه التعديلات سوف تجري في واقع غير ثابت‏...‏ ومتغير‏.‏

وفي نفس الزمان يتحدث إيجال ألون عن الأمن الإسرائيلي تحول بعض الاعتبارات السياسية دون التصريح علنا بضم المناطق المحتلة والبديل هو الاستيطان المسلح لهذه المناطق‏,‏ فكما لايمكن تحقيق النصر في الحرب إلا بالمعارك فإنه لايمكن تحقيق النصر في الصراع السياسي حول مناطق دون خلق حقائق استيطانية‏..‏ ليس من المقصود أن نعود في أي اتفاقية سلام الي خطوط مثل خطوط الهدنة حيث تهددنا المدفعية السورية والمدرعات الأردنية أو نسمح فيها بتقسيم الخط أو قبول أي قيود علي الملاحة في الممرات المائية‏..‏ لا يعتبر نزع سلاح المناطق المحتلة التي تنسحب منها‏,‏ ولا ضمانات طرف ثالث‏,‏ أو نشر قوات دولية في بعض المناطق‏,‏ أو حتي معاهدات السلام ضمانا للأمن الإسرائيلي الذي لا يتحقق إلا بالأرض‏,‏ وبعد أن تضع إسرائيل نفسها علي الأرض المناسبة علي الأنهار والقنوات والمرتفعات‏(‏ هو يقصد نهر الأردن وقناة السويس وهضبة الجولان علي التوالي‏),‏ يمكن التفكير في نزع السلاح ونشر القوات الدولية والضمانات‏..‏ لا يجوز للأردن ضم الضفة الغربية‏,‏ ومصر لم تضم قطاع غزة وملكيتها لسيناء مشكوك فيها تاريخيا بما يسمح لإسرائيل تعديل حدودها تبعا لمتطلبات أمنها‏,‏ فإسرائيل وحدها هي التي تقرر حدودها بفرض الأمر الواقع أولا ثم نبحث عن مبررات لذلك‏..‏ ولا ننسي ما قاله بن جوريون عندما سئل وهو يعلن قيام دولة إسرائيل عن الحدود إذ قال وحدودنا هي آخر ما يمكن لتزاحال أي الجيش الإسرائيلي الوصول إليه‏.‏

وأختم بكلمة الي كل من يهمهم الأمر في البلاد العربية الأطماع ظاهرة تحتم علينا عدم تغليب العامل الإنساني وتجاهل العوامل الأخري الحاكمة ونحن نواجه قضايانا إذ أصبح الذئب وسط الدار فليس هكذا تعالج قضايا الأمن القومي‏,‏ وعلينا بالاتحاد وترك الفرقة قبل فوات الأوان‏,‏ ونبتعد عن اللحب حول الحدود إذ قد ينقلب الي لعب الغير في حدودنا أو أن يلعب بعضنا في حدود بعضنا‏,‏ وهنا ينقلب الصراع من صراع عربي ـ إسرائيلي الي صراع عربي ـ عربي‏..‏ وأضيف كلمتين الي من يهمهم الأمر في المحروسة أن يعيدوا النظر مع الأطراف المعنية في اتفاقية المعابر‏2005‏ بما يحقق الوضوح والتوازن بين متطلبات الأمن وتلبية الحقوق الإنسانية‏,‏ وأن يضعوا خطة شاملة لأمن سيناء في مشروع قومي ينفذ بجدية كاملة ترقي الي مستوي التهديدات القائمة‏,‏ وفي حماية قوة رادعة تكسر رجل المعتدي‏...‏

اشكرك على الموضوعات والمساهمات الفعالة