جريمة "جيليان جيبونز"

اسم "محمد" هو الاسم الأشهر في العالم الإسلامي ، وذلك تيمنا من الناس باسم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وغالبا ما يكون الاسم البكر للأبوين من باب الفأل والتيمن ، غير أن السودان من بين البلاد العربية والإسلامية لا يمثل اسم "محمد" الاسم الأول أو الأشهر ، ربما لمنع التكرار أو استسهال التسمية ، ولذلك تتجه أسماء السودانيين عادة إلى أسماء الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام ، فتكثر أسماء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة الأعلام ، لكن السيدة "جيليان جيبونز" المدرسة الإنجليزية في إحدى مدارس النخبة السودانية بالعاصمة الخرطوم لم تجد من بين أسماء الخلق كلهم إلا اسم النبي محمد لكي توجه الأطفال الأبرياء لكي يطلقوه على "حيوان" في صورة دمية ، الواقعة أثارت استياءا بالغا في السودان وكالعادة شهدت البلاد مظاهرات غاضبة تندد "بالجريمة" كما أن السلطات اضطرت تحت ضغط أهالي التلاميذ إلى تحويل المدرسة البريطانية إلى التحقيق الذي انتهى بإدانتها بتهمة الحض على الكراهية الدينية ، ثم أدانها القضاء بحكم "ناعم جدا" بالنسبة للعالم العربي وهو حبسها مدة أسبوعين ، فهاجت بعض المنظمات الغربية وأعلنت احتجاجها ـ كالعادة ـ على هذه "الوحشية" في التعامل مع المدرسة "البريئة" وطالبت بالإفراج عنها ، الحكومة البريطانية كانت أعقل من الجميع ، فتعاملت بهدوء شديد مع الواقعة ، ووظفت كل خبراتها الديبلوماسية من أجل إنهاء الأزمة ، بما في ذلك إرسال شخصيتين بريطانيتين رفيعتين من المسلمين "اللورد أحمد والبارونة وارسي" إلى الخرطوم للقاء المسؤولين وإنهاء الأزمة ، وأعتقد أنها ستنتهي فعلا خلال أيام وربما ساعات ، لأن السودان في ظروف لا تسمح له باستعداء الحكومة البريطانية ، وإن كان المؤكد أن يتم ترحيل المدرسة من البلاد بعد الإفراج عنها ، بأمانة شديدة لا أستطيع أن أستوعب "البراءة" في سلوك جيليان جيبونز مع الأطفال ، إن السائح العادي الذي يتوجه إلى بلد إسلامي يتم تزويده بتوضيحات وتوصيات للمحاذير الذي يتوجب عليه الانتباه إليها خلال فترة وجوده في ذلك البلد أو غيره ، فكيف بمدرسة وصفت بأنها موهوبة وذكية للغاية وصاحبة خبرة تربوية كبيرة ، تركت بريطانيا بطولها وعرضها لكي تذهب للتدريس في السودان ، وتحديدا لأطفال بين الخامسة والعاشرة ، مازال وعيهم الغض يتكون وعالم الأفكار الطفولي يتشكل ، بطبيعة الحال من المستبعد أن تكون قد خرجت جيليان جيبونز من أجل البحث عن "قوت يومها" ، حتى لو كان السودان بلدا نفطيا في ثراء سلطنة "بروناي" ، وإنما المؤكد أنها خرجت من أجل "رسالة" تعتقد أنها تؤديها ، كما أنه من المحال أن تكون هذه السيدة الكبيرة نسبيا (54 عاما) في حالة جهل فاضح بالسودان ودينه وأهله ، إلى حد أنها لا تعرف اسم نبي الإسلام ، أو أنها لا تعرف الحساسية الكبيرة لأي مساس مهين بمكانة وحرمة وهيبة النبي الكريم في وعي المسلمين ، بحيث ترى أن إطلاق اسمه على حيوان شيئ لطيف ومبهج لأهل البلاد ، ما حدث جريمة ، بغض النظر عن طبيعة العقاب أو رد الفعل ، وأعتقد أن السلوك البريطاني "الهادئ" تجاه ما حدث فيه اعتراف ضمني بالخطأ واستشعار بحجم "الورطة" التي وضعتها فيها مواطنة مستهترة ومتعصبة دينيا ، ولعل ما حدث في السودان يجعلنا نفتح عيوننا جيدا على ما يحدث في بعض المدارس في مصر وخاصة مدارس الإرساليات الدينية ، فالأمر ليس كله من أجل التعليم ، "والرسالة" ليست فقط من أجل تكوين "مواطن صالح" !
جمال سلطان