ما جاع فقير إلا بما متع به غني ـ أحمد محمود عجاج

من منا لا يعرف افريقيا، ومن منا لا يدرك كم وهبها الله من ثروات، ومن منا لا يتحسر عندما يراقب تعاسة هذه القارة وشقاء اهلها، ومن منا لا يتفجر غضبا عندما يرى سارقيها وناهبيها يتباهون ويستابقون من اجل مساعدتها. افريقيا الغنية بكل شيئ بالكاد تطعم اهلها، واهلها دوما يتقاتلون ويتذابحون مرة على الثروة، ومرة على القبيلة ومرة على الديمقراطية. هذه القارة السوداء يعيش اهلها على المساعدات الانسانية، وهي تملك من الارزاق ما يكفي لإطعام العالم؛ كيف ذلك؟
المشكلة تكمن في الديون الدولية التي تتراكم كالجبال وتصب عوائدها في بنوك الغرب وفي خزائن حكوماته، وكلما زادت تلك العوائد كلما سمعنا اكثر عن كرم حكومات الغرب وعطفها على تلك القارة، فتعقد اللقاءات وتقام المحاضرات، وتنظم المؤتمرات لتدرس جميعا تلك الظاهرة، وليخرج الرؤساء الغربيون على العالم ويقولون للملأ: سنعمل على الغاء الديون.

لا يمكن لأحد إلا ان يصفق لقرار الغاء ديون افريقيا ولكن هل المشكلة حقا محصورة فقط في الغاء الدين أم انها ابعد من ذلك؟ للوهلة الاولى تبدو الامور بسيطة وغير معقدة: الغاء الدين يؤدي الى حل المشكلة. لكن المشكلة اكبر من ذلك.
أولا، لا يمكن ان يلغى الدين كله لسبب بسيط هو ان البنوك الدولية الخاصة لا يمكن ان تتنازل عن ارباحها ولا يمكن ان تخفض فوائدها لأنها تعرف انها وجدت في تلك القارة الدجاجة التي تبيض ذهبا. كما ان الدول الرأسمالية، لا يمكن ان تتنازل ايضا عن كل ديونها لأسباب مالية وسياسية؛ ما يمكن ان تفعله تلك الدول هو فقط مبادرات تلغي بعض الديون وليس كلها.
ثانيا، لا يمكن توقع اي حل في ظل نظام التجارة الدولي غير العادل وفي ظل غياب الاستقرار الضروري لأية عملية تنمية بالاضافة الى الفساد المستشري في قلب القارة السوداء. ففي ظل النظام التجاري الدولي يُطلب من الدول الفقيرة ان تفتح اسواقها امام السلع الوافدة وفق ما يصطلح على تسميته " تحرير التجارة". ووفق هذا المصطلح فإن السلع الوافدة من الغرب والمدعومة بإعانات حكومية تدمر السلع والمنتجات وتخرب الاقتصاد الوطني وتضر بحياة ملايين من البشر؛ في سيرلانكا كمثال يعتاش ما يقارب المليونين من المزارعين على انتاج الارز وسبعين في المئة منهم على مساحات لا تتجاوز الهكتار الواحد، ويحصلون منها على 50 بالمئة من مدخولهم السنوي. لذلك عندما يصل الرز الامريكي المدعوم بالاعانات المالية للمزارعين الامريكان الى اسواق سيرلانكا فإن نتيجته افقار مليوني مزارع. إن قوانين التجارة المطبقة فيها الكثير من الظلم، حتى وإن سمحت تلك القوانين لحكومات تلك الدول بالتملص منها إلا ان سيف صندوق النقد الدولي يبقى مسلطا عليها. وكمثال عندما قررت غانا اصدار تشريعات، تحت ضغط المزارعين الغانيين، لحماية منتوجاتهم من الدجاج، حذر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الحكومة من تنفيذ تلك التشريعات، مما اضطر الحكومة للتراجع وترك المزارعين تحت رحمة الدجاج الامريكي المستورد والرخيص جدا.

أما عن الفساد والنزاعات في تلك القارة فحدث ولا حرج؛ لكن المتعمق في تاريخ تلك القارة يجد انها كانت دوما مرتعا للمستعمر يستغل خيراتها ويحرك نعرات اهلها ويرسم حدودا مصطنعة لا تتوافق مع جغرافيتها ولا تكونها البشري. ويكفي القول ان مبيعات الاسلحة الى تلك القارة تتجاوز البلايين من الدولارات تذهب كلها الى جيوب شركات اجنبية في الغرب وتطحن في الداخل الافارقة المساكين. كما ان معظم المساعدات المقدمة إما انها مشروطة يستفيد منها المانح او انها متروكة للانظمة التي بحكم فسادها تستغلها إما في شراء الذمم او تضييعها على البذخ والحاشية. هذا كله معروف تماما للدول الغنية وحتى لتلك الدول المتصدرة لإلغاء الفقر في افريقيا، لكنها تغض الطرف وتتعامل مع تلك الانظمة مع انها احدى الاسباب التي تقف وراء معاناة البشر.

ما تحتاجه تلك القارة ليس فقط مبادرات من النوع الذي درجت عليه الدول الصناعية الثماني وما تفعله الصين حاليا من اجل توسيع نفوذها. ما تحتاجه حقا هو قرارات تعالج الاسباب وليس العوارض. إن الحل هو في تصحيح نظام التجارة الدولي الظالم والضرب على ايدي المفسدين وحظر بيع الاسلحة وفرض قوانين صارمة على الشركات لكي لا تضرب بالقانون عرض الحائط في سبيل تكديس ارباحها؛ بعبارة اخرى على الدول ان تدرك ان حل مشكلة الدين ليس بالاحسان انما بالسماح للضعيف ان يكون له امتيازات اكبر تجعله يتاجر على قدم المساواة مع الغني.

اشكرك جدا على الموضوعات الجميلة والمفيدة والهادفة والتى امل ان يستفيد منها الاعضاء والزوار واشكر مساهماتك الفعالة