الأهلي ومؤسسة الرئاسة

عقوبة الأهلي المخففة على الحضري كانت متوقعة حتى قبل أن يستعين بالمحامي السويسري الذي نصح بها حسبما تردد.
أنا سمعت أحمد شوبير يقول شيئا مقاربا جدا من هذه العقوبة بمجرد عودة الحضري وقبل أن يمتثل للتحقيق.
هذه العقوبة تشير إلى أن اهتمام الأهلي يتركز حاليا على إدارة المعركة القانونية مع "سيون" الذي تحدى في الأسبوع الماضي اشراكه في الدوري المصري وإلا خسر ناديه – السابق – نتيجة المباراة قانونا!
كلمة "السابق" ليست من عندي ولكنها جاءت على لسان قسطنطين رئيس النادي السويسري.
الأهلي لا يريد أن يترك أي سبيل لهم يحتجون به على تعنته مع لاعب محترف وهو اختصار لاتهامات الحضري ضده في ملف "سيون" لدى الفيفا.
لذلك تراجع سريعا عن تدريب الحضري مع الناشئين واكتفى بثلاثة أسابيع ايقاف مع ربع مليون جنيه.
الحضري قد لا يلعب نهائيا في صفوف الأهلي، فربما تكون هناك قرارات غير معلنة بعدم اشراكه، والبحث عن عقد احتراف له بطريقة تحفظ ماء الوجه أمام باقي اللاعبين، وبيعه بأعلى سعر خصوصا أنه يتبقى شهور قليلة على انتهاء فترة الحماية التي تخول له انهاء تعاقده مع الأهلي ودفع قيمة المدة المتبقية من عقده.
اعتقد شخصيا وفق تحليل الخبراء لهذه العقوبة المخففة أن الأهلي تخلى فعليا عن خدمات الحضري، والأخير يدرك هذه الحقيقة، وأن جميع الطرق ستؤدي إلى احترافه خارج مصر، إن لم يكن في "سيون" وهو الأرجح ففي غيره.
هنا سيترقب الجميع قرار الفيفا.. هل سيمنح "سيون" البطاقة المؤقتة للحضري، أم سيوقع عقوبة على اللاعب لتوقيعه عقدا رغم أنه لا يزال متعاقدا مع الأهلي.. وعقوبة الفيفا لو حدثت ستكون ايقافا طويلا وغرامة مالية كبيرة ولن يكون "سيون" بمنأى عن العقاب.
ومع هذا فقد فتح الحضري معركة أخرى في مصر تتعلق بتعنت الأندية مع لاعبيها ومنعهم من الاحتراف بالمغالاة في أسعارهم، والدور الذي ستلعبه القيادة السياسية.
هناك كثيرون متعاطفون مع الحضري لأنهم يريدون فتح باب الاحتراف ومنافسة الدول الأفريقية في ذلك.. وأعتقد ان هناك رسالة وصلت إلى الأهلي شفويا عندما طلب الرئيس حسني مبارك من سمير زاهر انهاء مشكلة الحضري حتى يتفرغ لمباريات المنتخب القادمة، وعندما قال أيضا أن لاعبا بلغ 35 عاما من حقه تلبية تطلعاته في الاحتراف.
لا يعنيني التفسير الذي خرج من مجلس ادارة الجبلاية لما قاله الرئيس، والذي قد يكون سببه الوحيد ابعاد الحرج عن مؤسسة الرئاسة، فالاعلاميون الذين حضروا تلك الواقعة سمعوه يقول ما نشرته الصحافة ورددته القنوات الفضائية بالحرف الواحد.
الأهلي استجاب سريعا للرسالة بموافقته على احتراف عماد متعب، وهي استجابة لم نتعودها بهذه السهولة وبلا مشاكل أو تصريحات تقلل من شأن اللاعب كما حدث من قبل مع محمد شوقي ووائل جمعة.
نعم المبلغ المعروض مقابل متعب كبير.. لكن الأهلي لا يهتم كثيرا بالمقابل المرتفع قدر اهتمامه بالمحافظة على قوام فريقه، خاصة اننا تعودنا منه خلال السنوات الماضية على دفع مبالغ كبيرة في لاعبين لم يستفد منهم وأعاد بيعهم بمبالغ أقل!
في ظني أن الأهلي تأثر كثيرا بما فعله الحضري، وعاد إلى الوضع الطبيعي لأي مؤسسة تعيش في مصر، بعد أن كان الجميع يعلي من شأنه ويحسبونه استثناء وحيدا في الوضع الفوضوي الذي نعيشه.
الأهلي لم يهبط من المريخ.. ومسؤولوه ليسوا عينة مختلفة من البشر في مصر. لقد اكتسب كل ما اكتسبه من رونق ولمعان بفضل كتائب أقلام الموالين له، وعلاقاته الطيبة بدائرة صنع القرار والتي كان من مصلحتها أن تظل هذه المؤسسة الرياضية قادرة على شد اهتمام الناس والأجيال الجديدة ببطولاتها.
الآن الأوضاع اختلفت مؤقتا.. فهناك منتخب يشد الأنظار المحلية والعربية والاقليمية بانتصاراته، فاذا كانت بطولات الأهلي تجذب اهتمامات جماهيره فقط، فالمنتخب جعل الشعب المصري كله يعزف اغنية الانتصار والفرحة الطاغية حتى والغالبية منهم تتضور جوعا.
إدارة الكرة حاليا أصبحت جزءا كبيرا من اهتمامات أعلى مستويات القرار السياسي. وإذا كان البعض قد طالب، ربما على سبيل الغضب من الحكومة، بأن يتولاها حسن شحاتة، فالواقع يقول إن تصفيات كأس العالم تجلس على قائمة أولويات مؤسسة الرئاسة، ويديرها علاء مبارك مثلما يدير شقيقه "جمال" الحزب الوطني والقرارات السياسية.
البعض يعلم أن عصام الحضري عاد إلى مصر بعد مكالمة هاتفية من علاء، وهو الشخصية التي رفض أن يكشف عنها عندما سئل في أكثر من برنامج تليفزيوني.
والبعض يعلم أن علاء مبارك يؤدي الدور نفسه الذي كان يؤديه عدي صدام حسين مع الكرة العراقية، مع اختلاف الأسلوب، فهو لا يمكن مثلا ان يحلق شعر لاعبي المنتخب على "الزيرو" إذا عادوا مهزومين!
إن المعلومات الرياضية التي تتوفر حاليا لمؤسسة الرئاسة من مستشاريها خصوصا عن كرة القدم ذات الشعبية الطاغية، لا تقل في الأهمية عن استقراء المعلومات السياسية وقراءات الرأي العام!
فراج إسماعيل