مشاهد من لبنان ـ سامح فوزي

تنصح الدول المختلفة رعاياها بعدم الذهاب إلي لبنان، من بينها دول لها علاقات اقتصادية قوية مع بيروت مثل السعودية. اللبنانيون يكتمون أنفسهم تحسبا لما خبئه لهم الأيام. هكذا شعرت عند لقاء العديد من الأصدقاء اللبنانيين. السوق اللبنانية تعاني من ركود واضح، والحياة تسير بوتيرة بطيئة في كل شيء، عدا لغة التصعيد السياسي، والاتهامات المتبادلة، والتراشق اليومي بين الموالاة (حلفاء سعد الحريري) والمعارضة (حزب الله وحلفاؤه).
في شوارع منطقة الحمرا، القلب الثقافي والتجاري لبيروت، وهي منطقة سنية، نجد صور سعد الحريري بكثافة، وإلي جوارها صور للعماد ميشيل سليمان، المرشح لرئاسة الجمهورية، تتصدرها عبارة (لا للفراغ الدستوري). في غضون دقائق معدودات تكون في منطقة "سوليدير"، قرب أجهزة ومؤسسات الحكم تجد خيام المعارضين المدعومين من حزب الله بكثافة. وبعد دقائق أخري تجد نفسك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي شيعية، تغطي صور حسن نصر الله الشوارع، وترتفع أعلام حزب الله في كل مكان، وصور عماد مغنية، والوعد والوعيد بالمعركة القادمة، والنصر المحقق بإذن الله.
الوصف الدقيق لهذا المشهد الغريب، هو "حرب أهلية باردة" بين الطوائف اللبنانية. قالها لي سياسي لبناني صديق، وهو يتوقع أن الأزمة لن تنفرج إلا من بوابة سورية وإيران. يعزز القلق الوجود الأمني المكثف من جانب الجيش اللبناني، وقوامه الأساسي من الشيعة والمسيحيين، يبدو أنه دفع إلي المشهد السياسي المضطرب تحسبا لأي انفجار وشيك في الموقف. في هذه الحالة تتواري أجهزة الأمن العادية، التي قوامها الأساسي من السنة، خشية من أن يكون تدخلها سببا في سخونة الأحداث، بدلا من تهدءتها. وسط هذه الحالة من الخوف المتبادل، تعربد القطع البحرية الإسرائيلية في المياه الإقليمية اللبنانية. هناك من نفي، وهناك من أكد. ولكن في الأمر شيء حتما.
حزب الله وكيل إقليمي يلعب دوره المرسوم. وهناك من يقول أن لديه أسلحة لم يستخدمها بعد، قادرة علي إصابة إسرائيل في العمق. وهو يشعر بأن اغتيال عماد مغنية ضربة قاصمة تستدعي الرد، ولكن كيف؟ لا يستطيع حزب الله – علي ما يبدو- أن يطول المصالح الإسرائيلية في الخارج خشية أن يتسبب ذلك في إحكام الحصار الدولي عليه. ولا يستطيع التصرف بشكل عشوائي مفتوح يزيد جراح لبنان، علي نحو ما جري في صيف عام 2006م، خاصة وهو يري إسرائيل تغير "التكتيك" من خلال استهداف القيادات، التي تمسك بالعصب الحساس للعمليات العسكرية، وهو نفس السيناريو التي تتبعه مع حماس، بصورة أو بأخرى. حتى الآن لا أحد يعرف من اغتال مغنية، لكن الإدانة الجاهزة عادة من نصيب إسرائيل، ربما لأن الرجل أوجعها كثيرا. ولكن لماذا فرحت تل أبيب، ولم تفاخر بإعلان مسئوليتها عن العملية؟ سؤال بلا جواب.
القرار سوري بألا يكون هناك توافق لبناني علي الرئاسة، خشية من الدفع بمشروع المحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري. الخلاصة أن سوريا تطلب من الموالاة أن يتنازلوا عن هويتهم، والموالاة يطلبون من سورية أن تضع مصير نظامها السياسي في أيديهم. الطرفان في عنق الزجاجة، والوساطة العربية غير مجدية، والقمة العربية فقدت معناها قبل أن تبدأ.
لبنان مقبلة علي صيف ساخن جدا