النضال بالـFACE BOOK ! ـ سعيد حبيب

يروي الكاتب الصحفي الأشهر محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب" أن الرئيس الراحل أنور السادات كان يشارك في احد الاجتماعات قبيل توليه منصب نائب رئيس الجمهورية في العهد الناصري مع جمال عبد الناصر وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة عندما لفت السادات الأنظار بثيابه ذات اللون "الكاكي" التي كانت تشبه زى الضباط و عندما سأله عبد الناصر عن سر اختياره لهذا اللون تحديدا قال السادات بثقة أن الظروف التي تواجهها مصر حاليا بعد العدوان الثلاثي تجعلها عرضه لأي هجوم عسكري محتمل من العدو ..متابعا "لازم نكون مستعدين يا ريس" !

لا أدري لماذا استعادت ذاكرتي هذا المشهد الكاريكاتوري الذي أورده هيكل عندما اتهمني احد الأصدقاء بأنني "شاب" جاهل لأنني لست عضوا في مجتمع "الفيس بوك" FACE BOOK
الشبابي الذي يشهد حاليا معارك سياسية طاحنة بين الاخوان المسلمين والشيوعيين ويضم أطيافا وتيارات المجتمع المدني ويشكل أكبر جبهة معارضة حالية في مصر، الرجل كان يتحدث بحماس مؤكدا أن الموقع بات احد وسائل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما كنت اتابعه بعينيين تشبة سمكه ميته وبرود من فارق الروح فقد علمتني التجربة ان النضال الشبابي من هذا النوع له مآرب أخري ، وذاكرتي ما زالت تذكر أيضا أن بعض المشاركين من الشباب في هذه المظاهرات التي كانت تنطلق من الجامعة وتهتف ضد غزو العراق او ضد الحكومة كانوا يهدفون إلى "تظبيط الحريم" من المشاركات الناشطات وكانت المجموعات الشبابية النضالية تطلق ساقيها للرياح عند أول ضربة أو التحام!


وعندما شرح صديقي أن النضال بالفيس بوك يختلف عن أي نوع آخر من أنواع النضال الاخري مثل العمل العام الذي بات "ستايل قديم" في أنه الأسرع انتشارا كما أن له تأثيرا واسعا علي قطاع عريض من الشباب ..و"ممكن نعمل حاجة" ولمن لا يعرف فإن الفيس بوك موقع الكتروني اخترعه طالب فى جامعة هارفارد عمره 19 سنة يحمل اسم ماك زوكربرج بهدف تعزيز العلاقات الاجتماعية في جامعته ليذهب الأمر ابعد من ذلك ويتحول إلى أكثر المواقع الالكترونية الشبابية شعبية نظرا لتركيبته الفريدة فهو يعيد خلق علاقات إجتماعية تربطك بأصدقائك ومن ثم اصدقاء أصدقائك أيضا بل والعالم بأسره اذا أردت ! .. كما يمكنك صنع مجموعة خاصة ووضع صورتك والتحدث عن أي شيء مع امكانية تبادل الصور والفيديو وتحديد حالتك المزاجية وصفاتك ونمط حياتك وهذا الموقع يستقطب 100 الف مشترك جديد يوميا وتجاوز عدد مشتركية حاليا 50 مليون مشترك عبر العالم وتحول إلى حمى في مصر بين الشباب ..الكل يتحدث عن الفيس بوك وينشر صوره ويعرض خصوصياته على هذا الموقع الذي يضم الشباب الراغبين في التعرف إلى الجميلات والفنانين والادباء كما اتخذ ايضا اشكالا سياسية نضالية حيث يضم مجموعات متباينة مثل "جروب" يحمل اسم "انا اشتراكي.. أنا يساري" ويقول في صفحته الرئيسية (سأتلو الكلام المكتوب علي الصفحات الرئيسيية في الجروبات كما هو بأخطائه اللغوية والاملائية) " كي تكون اوسع وأشمل الفكرة إنه عند تحديد الخيارات في البروفايل لا يوجد في خانة الاتجاه السياسي، خيار يساري أو اشتراكي ليس أمام كل من يطلق على نفسه هذه الصفات، سوى أن يختار أخرى" فيما يقول جروب الاخوان المسلمين في صفحة البداية "اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد إجتمعت علي محبتك و التقت علي طاعتك وتوحدت علي دعوتك وتعاهدت على نصرة شريعتك . فوثق اللهم رابطتها و أدم ودها و أهدها سبلها و أشرح صدورها بفيض الإيمان بك و جميل التوكل عليك ..إنك أنت نعم المولى ونعم النصير ..الجروب للإخوان .. ولمحبي الإخوان .. ولمن يريد أن يتكلم مع الإخوان، شعار الفترة الحالية: لا لمهزلة محاكمة شرفاء الإصلاح والنية المقترحة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوعية في مجتمع ال Facebook " _ وفي المقابل هناك جروب مناهض للاخوان يقول " اللي عايز يجرب الإخوان يجرب بس يجرب بعيد عن مصر إحنا مش ناقصين" ، ومجموعة اخرى تحمل اسم "لا لساويرس " وتقول في صفحتها الرئيسية "ساويرس فى تصريحاته المشينه أكد انه هيعمل قناه تليفزيونيه تكون هدفها الحد من البرامج الدينيه والجرعات الدينيه للشباب فى الاعلام طبعاً ده مش مش جديد عليه ده هوه اول واحد نزل فيلم خليع ومليان مناظر على القناه المباركة بتاعتة " او تى فى " وجروب آخر يحمل اسم "مش عايزين الحزب الوطني" ويقول " الجروب ده جروب لكل المصريين من كل الطوائف والتيارات السياسيه كل المصريين الي بيعانوا من حكم الحزب الوطني الظالم والجائرلما نلاقي الفقر حولينا في كل مكان في مصر ، لما تلاقي الظلم والقهر للمعارضه زاد عن حده لما ما تلاقي 40% من الشعب المصري تحت خط الفقر لما نلاقي عباره بتغرق وعماره بتقع وقطار بيموت ركابه من غير ذنب ومحدش بيتحاسب لما نلاقي خريجي الجامعات مش فاهمين اي حاجه في اي حاجه بسبب نظام تعليم فاسد لما نلاقي الي بيخرج في مظاهره بيضرب ويعتقل لما نلاقي الانتخابات بتتزور لما نلاقي قضاة مصر ورمزها بيتهانوا لما نلاقي الحزب الوطني بيسعي الي توريثنا وكاننا عبيدا عنده لازم نقول لا مش عايزين الحزب لوطني لانه السبب في كل المصايب ديه والكوارث وللاسف محدش بيحاسبه"

ومجموعة اخري تحمل عنوان طريف " انتبه مصر ترجع إلى الخلف " وتقول "مصر التي في خاطري خطفوها بعد ما نشفوا دمي قلت ي عقل بالي ومين يرجعوها والعشره ما تهونش الا
ع اللي ما رضعشي مديت إيديا وقلت يا مه قلتلي قوم بقي نومتك وهم وتعالي طلعني من سجني" وجروب جريء يحمل اسم مش عاوزين جمال مبارك ويقول "الجروب دى بنحاول بيها نسبق الكابوس قبل ما يبقى واقع و ييجى ناس يقولوا خليكوا واقعيين أحنا ضد أننا نتورث زى العبيد تحت أى مسمى يخترعه الحزب الوثنى و يتهمنا بعد كدة أننا بنشكك فى المسيرة اللى بتعرج دى بنحب مصر و بنعيش و نموت فيها و عشانها و مش حنسيبها زى غيرنا و مش بنسوء سمعتها زى ما بيتهمونا كل ما ننشر مصايب حسنى مبارك و شلته .... و عشان بنحب مصر مش موافقين أنها ترجع عزبة تانى من أول و جديد و أنها تتورث لشخص معدوم الكفاءة و الامكانيات السياسية و الحس الأنسانى كل مؤهلاته أنه بالصدفة ابن الرئيس ، جمال مبارك ملوش أى صفة بيمثل بيها مصر - لحد دلوقتى - و أظن حتى اللى لسة مقتنعين بأن حسنى مبارك كويس عشان رئيس مصر بيدوروا على حجة تانية عشان يبرروا لنفسهم انهم بيدافعوا عن الفاشل جمال مبارك" "

وعودة إلى الفيس بوك فإن جريدة "لوس انجلوس تايمز " قالت عنه إن اللبنانيين أكثر شغفاً وحرصاً على إنشاء صفحات لهم على موقع "فيس بوك"، حيث يضم موقع لبنان 125 ألف شخص، أي بنسبة واحد لكل 32 من عدد السكان، في حين يضم موقع إسرائيل 90 ألفاً، أي حوالي واحد لكل 70 بينما يضم موقع مصر 180 ألفاً، أي حوالي واحد لكل 437 من المقيمين فيها ، ومن الصفحات المصرية على الموقع، صفحات خاصة بنجوم وفنانين مصريين وإعلاميين وحوالي 500 جماعة، بينها جماعات للدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، ومجموعات اخرى

ورغم أن هذه الجروبات السياسية تستقطب مشاركين جددا يوميا الا أن السؤال يبدو حتميا : هل يصلح الفيس بوك سلاحا من أسلحة النضال السياسي في مصر خصوصا أنه لا يستدعي الا فنجان من القهوة و"مزاج رايق" بعيدا عن وجع الدماغ؟ وكيف ستنجح جماعة الاخوان في نضالها عبر الفيس بوك خصوصا أنها حددت طريقها في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي الفيس بوك " ؟ وهل يصلح الفيس بوك ما أفسده المناخ السياسي المصري ؟ اعتقد أن هذه الاسئلة برمتها مجموعة من "الفوازير" ..بلا حل!


* صحفي مصري مقيم في الكويت