مصر وقضية الاعتراف بكوسوفو ـ د. عبدالله الأشعل

تابع العالم قضية كوسوفو، وهى باختصار إقليم من أقاليم الاتحاد اليوغوسلافى الذى انفرط عقده منذ نهاية الحرب الباردة، فكان انهيار الاتحاد السوفيتى وغياب تيتو قبلها بعشر سنوات إيذاناً بتحلل الاتحاد، فاستقلت الأقاليم وبقيت جمهورية الصرب ومن ضمنها إقليم كوسوفو ويضم مليونين من الألبان المسلمين. لم ينفصل الإقليم رغما عن إرادة بلجراد لأنه تمرد على سلطة الحكومة المركزية لاختلاف الإقليم ثقافة ولغة وعرقاً عن بقية سكان جمهورية الصرب، ولكنه انفصل لأن الولايات المتحدة والأعضاء الكبار فى الاتحاد الأوروبى أرادوا ذلك، وحدث الانفصال فى 17/2/2008 عقب محادثات حاولت فيها الأطراف الأوروبية أن تقنع بلجراد بالموافقة على هذا الانفصال الذى تقرر وقوعه رغماً عن بلجراد أو برضاها وبادرت هذه الأطراف مع واشنطن إلى الاعتراف بالاستقلال الذى أعلنه برلمان الإقليم. ثم طلب الإقليم اعتراف دول العالم والأمم المتحدة بالدولة الجديدة، وكان فى مقدمة المعارضين الصرب وموسكو وبكين وأسبانيا، وقد بنى اعتراضهم على أسس ثلاثة وهى : الأساس الأول، هو أن الاعتراف باستقلال كوسوفو سوف يفتح الباب لاستقلال وحدات أخرى فى العالم فى ظروف مشابهة مما يشيع الفوضى فى مختلف مناطق العالم. أما الأساس الثانى، فهو أن هذا الاستقلال انتزع لإقليم دولة مستقلة وتمزيق لوحدتها الإقليمية مما يعد انتهاكاً لقواعد القانون الدولى فى شأن السلامة والوحدة الإقليمية للدولة وقواعد ميثاق الأمم المتحدة. الأساس الثالث، هو انتهاك هذا الاستقلال المدفوع من جانب الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن رقم 1244 الذى أكد على احترام السيادة الإقليمية لجمهورية الصرب ولا يقبل القول بهذا الصدد بأن الظروف التى صدر فيها القرار عام 1999 قد تغير جذرياً، وأن الافتراق بين كوسوفو والصرب قد أصبح أمراً حتمياً، إذ من المعلوم أن قرار مجلس الأمن لا يزال سارياً، كما لا يتصور أن يصدر المجلس قراراً ينتهك السلامة الإقليمية والسيادة الوطنية لدولة عضو. والمعلوم أن استقلال كوسوفو رغم أنف جمهورية الصرب هو انتزاع للإقليم من حضن الوطن الأم وهو يمثل خروجاً كاملاً على قواعد العلاقات الدولية والسارية حتى اليوم، ويشجع انفصال أقاليم أخرى فى دول عديدة مما يؤدى إلى فوضى دولية واسعة ويبدأ عصراً جديداً من الصراعات الإقليمية والوطنية، وأن يمتد هذا الصراع بطبيعة الحال إلى قلب العالم العربى.
فإذا كانت تلك هى المحاذير السياسية والقانونية الخطيرة، فإن اعتراف بعض الدول بكوسوفو رغم ذلك تحركه دوافع تنفرد كل دولة بتحديدها. فما هى الدوافع التى تدعو إلى عدم اعتراف مصر بكوسوفو، وما هى الدوافع التى تدعو إلى هذا الاعتراف؟
رغم أننى أتمنى أن لا تعترف مصر بكوسوفو، وأن يكون قرار الاعتراف مبنياً على اعتبارات تفوق فى أهميتها المخاطر التى أشرنا إليها، إلا أن هناك بعض الاعتبارات التى ربما تغرى بالتفكير فى الاعتراف وأهمها ثلاثة، الاعتبار الأول، هو أن القوى الرئيسية فى المجتمع الدولى وهى الولايات المتحدة واليابان وكبرى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى قد اعترفت بكوسوفو. الاعتبار الثانى، هو أن كوسوفو فى نهاية المطاف دولة إسلامية بصرف النظر عن المضمون الحقيقى لهذا المصطلح ودلالاته ووزنه فى قرارات السياسة الخارجية، ومن المحتمل أن تبادر الكثير من الدول الإسلامية إلى الاعتراف بكوسوفو بل وإلى ضمها إلى منظمة المؤتمر الإسلامى مما يجعل مصر بين الدول القليلة التى تخلفت عن الاعتراف.
وخلاصة القول أن وزن العوامل الإيجابية والسلبية فى قرار الاعتراف يرجح قرار عدم الاعتراف، مادام هذا القرار يظل دائماً قراراً وطنياً سيادياً تنفرد الدولة باتخاذه بناءاً على حسابات تتصل بمصالحها، أخذا فى الاعتبار أن الصراع بين روسيا والصين من ناحية، والولايات المتحدة وأوروبا من ناحية أخرى حول كوسوفو يتجاوز حدود المشكلة إلى ما هو أخطر وهو إشاعة الفوضى فى العلاقات الدولية وتهديد الوحدة الوطنية للدول العربية

اشكرك على الموضوعات القيمة فى منتدانا الشيق