مشاكـــل مصــر كثيــرة.. لكــن حــلها واحــد..د.معتزبالله عب

يتملك الإنسان الشعور بالحيرة أحيانا حين يطالع أخبار الوطن من مصادر متنوعة لاسيما الصحف المستقلة والحزبية التي عادة ما تتهم بأنها تبالغ كثيرا في رصد أشكال ومظاهر الدولة الرخوة المصرية. أي الدولة التي ترفع شعارات وتصنع قوانين لكنها لا تنفذها إلا بانتقائية شديدة في حدود ما يخدم طبقات بذاتها. وكما يفعل الأكاديميون عادة، فقد قررت تحييد تأثير الصحف المستقلة والحزبية والتي ربما تكون لها مصلحة مباشرة في تشويه أحوال الوطن لأغراض حزبية أو شخصية.

وقد كان، فقررت مطالعة أخبار الوطن كما ترصدها صحيفة الحزب الحاكم عسي أن أجد فيها ما يبدد الصورة السلبية التي تتركها الصحف الأخري.
وقد شاءت الصدف أن تتاح لي فرصة قراءة جريدة الحزب الوطني "الوطني اليوم" في عددها رقم 80 الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 2007، والحقيقة أنني لم أرصد اختلافا جوهريا بين مصر كما ترصدها صحيفة الحزب الحاكم ومصر كما ترصدها الصحف الأخري مع فارق أساسي وهو أن صحيفة الحزب الوطني لا تعزي مشاكل الوطن للحزب الوطني، وهو ما أثار عندي الإحساس بأن "مبالغات" الصحف الحزبية والمستقلة ليست حقيقة مبالغات وإنما هي تنويعات مختلفة لرصد وتحليل نفس المشاكل والتحديات. وها هي بعض الأمثلة لبعض الاختلالات والأمثلة الدالة من صحيفة الحزب الوطني.
فهناك أولا خلل في الفعالية والكفاءة. والمصطلحان يأتيان من علم الإدارة، فالأول، أي الفعالية، يعني أن تنجح المؤسسة أو الدولة في تحقيق الهدف المطلوب. والثاني، أي الكفاءة، يقتضي أن تحقق الهدف المطلوب بأقل تكلفة ممكنة سواء مالية أو زمنية.
وبالعودة إلي صحيفة الحزب الوطني يتبين المرء أن هناك خللا كبيرا في إدارة الحكومة لشئون مصر. فمثلا يقول أحد التقارير: "إهدار 6 مليارات جنيه سنويا بسبب حوداث الطرق" وفيه يستند أحد نواب مجلس الشعب إلي تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات والذي يؤكد أن هناك تزايدا في "معدلات الحوادث المرورية وصلت إلي 40% سنويا، ما بين 8 آلاف قتيل ومصاب سنويا." وهو رقم مهول يبلغ ضعف من ماتوا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر كما أنها تكلفة تزيد كثيرا علي ما تقدمه الدولة لدعم الخبز. والأمر يمتد كذلك إلي أهل العلم، حيث يوجد إهدار شديد لمواردنا البشرية حيث يقول خبر آخر: "النشائي مشرفا علي تطوير البحث العلمي بجامعة الملك سعود" وتشير تفاصيل الخبر إلي إن احتفالية علمية كبيرة قد شهدت توقيع بروتوكول بين العالم المصري المرموق د. محمد النشائي وبين جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية. ويهدف هذا البروتوكول إلي "دفع عملية البحث العلمي والشهادات العليا حتي تتفوق جامعة الملك سعود علي الجامعات الأوروبية والأمريكية." وسيكون ذلك بالتعاون مع أستاذ آخر حائز علي جائزة نوبل. وقد تبادر لذهني السؤال التالي: لماذا لم يكن هذا التوقيع بين جامعة مصرية يعمل فيها العالم الكبير والجامعة السعودية؟ ربما لأن العالم المصري الكبير لا يعمل في أي جامعة مصرية بحكم أن اللوائح لا تسمح بذلك أو لأنه لا توجد جامعة مصرية تهتم بأن ينتمي إليها عالم كبير تحتاجه جامعات العالم الأخري (هذه أزمة كفاءة إدارة الموارد البشري). ولكنني لم أحتج أن أفكر طويلا حيث إنني قرأت خبرا آخر يجيب جزئيا عن سؤالي السابق والذي يقول إن السيد رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب أعلن عن أنه "لا يرضي عن اعتصام أساتذة الجامعات أمام مجلس الشعب لذا تم الإسراع بعقد اجتماع اللجنة حتي يتحدث أساتذة الجامعة عن مشكلاتهم من أعلي أماكنهم" ثم قال "قبل أن تلزم الأستاذ الجامعي بالتفرغ لطلابه والأداء الجيد تجاههم يجب أن توفر له احتياجاته." وهنا فهمت أن الجزء الأكبر من أزمة الكفاءة في إدارة الموارد ترتبط بما هو أعقد من كل ذلك. حيث يشكو كاتب رأي آخر في صحيفة الحزب الوطني من أن محافظة القاهرة التي تنوي إنشاء 50 أو 60 دورة مياه في أماكن مختلفة لم تنجح في إدارة ما بنت بالفعل. ويحكي تجربته الشخصية حين استخدم إحداها في واحد من أهم ميادين مصر وتبين له أنها معيبة لما أدت إليه من "ضيق في التنفس وإحساس بالغثيان من الرائحة الكريهة فضلا عن القذارة المتراكمة.. " ثم يتساءل الكاتب: "هل هذا قصور إمكانيات... لا والله إنه قصور في التفكير .. إن المشكلة في القائمين علي العمل وعدم الانتماء لهذا البلد."
إذن ما سبق يكشف عن الحاجة لأن نسأل المسئولين عما اتخذوه من قرارات بما أدي إلي هذه النتائج السلبية، لكن المشكلة أننا نواجه خللا آخر في المساءلة كذلك وهو ما يبدو واضحا في التقريرين اللذين يتناولان قضيتي مجازر اللحوم والمسابك التي تلوث هواء القاهرة. فتحت عنوان "98% من المجازر غير صالحة" تقول صحيفة الحزب الوطني: "رفضت استراليا تصدير الخراف الحية إلي مصر بسبب سوء المجازر وذبح الحيوانات بطريقة غير سلمية ومعاملة الحيوانات بطريقة سيئة." ويقول أحد أساتذة الطب البيطري بجامعة عين شمس: "يوجد في مصر 327 مجزرا منها 9 مجازر فقط آلية وبقية المجازر تعتبر من أهم مصادر تلوث اللحوم المذبوحة..." وفي التحقيق تفاصيل كثيرة تقول في بعضها إن عدد الميكروبات في جرام الكبدة بعد 5 ساعات من الذبح يصل إلي 26 مليون ميكروب في المخ وإلي حوالي 97 مليونا".
ومما يثير التأمل أن صحيفة الحزب تقول إن "إعلام الشائعات الأسود يتجاهل الحقائق" وأن "نشر الأخبار الكاذبة أصاب المواطنين بالإحباط واليأس." وأظن أن بعض هذه الشائعات لها نصيب من الواقع بدليل أن صحيفة الحزب تنشر كلاما مشابها. المهم أن الرسالة التي وصلتني من مطالعة صحيفة الحزب الحاكم أن مشاكل مصر كثيرة، لكن حلها واحد: قيادة جديدة تجمع بين المصداقية والمؤسسية. ليس تجديد القديم، وإنما بداية جديدة بعقلية مختلفة ومصداقية حقيقية

اشكرك على الموضوعات المتميزة