الحَجْر على الفضاء.. خيري منصور..الخليج الإماراتية

ما من مركبات فضائية عربية تتجول بين المجرات، وما من مراكز أبحاث من طراز مركز جامعة بوسطن في أية عاصمة عربية ينفق عشرات الملايين من الدولارات سنوياً على الأبحاث، ما دفع العلماء العرب إلى الهجرة غير آسفين، ومنهم د. فاروق الباز الذي قال قبل فترة إنه يرفض أن يصدق بأن النظم العربية تعمل ضد مصالح بلدانها وشعوبها لأنه لو صدّق فسيصاب بالشلل.

علاقة العرب الوحيدة بالفضاء هي الستالايت، وقد اساؤوا استخدامه أيضاً، بحيث أصبحت مئات المحطات متشابهة كأطباق البيض، ورتيبة كأيامنا التي لا فرق في تقاويمها بين البارحة والغد.

وأخيراً ضاق العرب ذرعاً حتى بالستالايت، فأدلوا بدلائهم في الفضاء من أجل اعتقاله أو تدجينه، لأنه ليس مجالاً مطوباً لسرب من الببغاوات التي تردد الصدى.

كانوا حتى وقت قريب يتحدثون عن الاصلاح وعن الشفافية وسائر المصطلحات التي نحتها لهم السيد الأمريكي، كي يحصلوا على شهادات حسن سير وسلوك، ويتاح لهم الحصول على بطاقات انتساب إلى النادي.

وقد استكثروا على شعوبهم حتى هذا القدر الضئيل من حرية اختيار الشاشة بعد عقود من التلفزة الرسمية المقررة عليهم كما لو أنهم مكثوا على مقاعد المدرسة الابتدائية حتى القيامة.

إنها عودة ليست حميدة على الاطلاق إلى زمن كان مؤشر المذياع الخشبي فيه يتحنط عند محطة ال”بي. بي. سي”، لأنهم كانوا ينهزمون ومذياعاتهم تدق طبول الانتصار، وكان لا بد من اللجوء إلى صوت غريب من خارج هذا النطاق القومي كي يعرف الناس الحقيقة.

صحيح أن الفضائيات تحولت إلى فضائحيات كما يقال، وأن بعضها تعهد تعميق خطوط الخلاف العربية العربية، لكن هذا عرض جانبي لا بد منه، والحداثة كلها، بمنجزاتها الفكرية والتكنولوجية لا تقبل الانتقاء.

وعلينا أن نتحمل ما يصاحبها من صداع أو غثيان كما يحدث لنا عندما نتناول دواء لا سبيل إلى تجنبه.

لقد دخلت الكهرباء إلى بعض العواصم العربية منذ أكثر من سبعة عقود، لكن ذهنية المصباح النفطي لا تزال مسيطرة، فالليل هو الليل، حتى لو كان مضاء أكثر من ظهيرة صيفية.

ودخلت البنات إلى المدارس والجامعات، لكن الآباء والأمهات لا يزالون يصّرون على تحويل بناتهم إلى دمى من لحم وعظم، فإن رفضت إحداهن الزواج من عريس مقترح عوقبت، لأن المطلوب منها أن تسبح من دون أن تبتل بالماء، وأن تنعم بالهواء النقي خلف نوافذ مغلقة.

الموقف من الفضائيات ليس طارئاً، لأنه امتداد عضوي لمواقف سابقة من الحريات، ومن حق الإنسان في أن يعرف كي لا يهزم وهو نائم في سريره، وكي يسافر إلى لندن أو باريس أو حتى مالطا ليعرف ما الذي يدور في وطنه.

إننا بحاجة إلى تدريب وتأهيل لقبول الأعراض الجانبية المصاحبة للتطور سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو علمياً، فالحداثة بمختلف تجلياتها ومنجزاتها ليست واجهة سوبر ماركت نختار منه ما نريد ونترك ما نريد.

لكنها الأزمة المزمنة ذاتها، التي عاشتها على الدوام شعوب غير منتجة، وإسهامها الوحيد في الحضارة هو الاستهلاك.

وقد انتهى ذلك الوقت الذي ينتظر فيه البالغون أطفالهم كي يناموا، ثم يعبثون بالريموت حتى الفجر.

فهل بلغت عدوى الاعلام الأرضي الفضاء؟ وهل فاضت الرقابة عن حاجة هذا الكوكب فاتجهت نحو المجرات؟

اشكرك على الموضوعات المتميزة