العالم الجديد علي طريقة توني بلير..د.أنور عبد الملك

حسب العرف الجاري, يحتل الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة المكانة المركزية في قلب وعلي رأس المؤسسة التي كلفتها دول العالم بالحفاظ علي مبادئ الميثاق, والتي حاولت أن تحافظ علي السلام العالمي بدءا من احترام سيادة الدول الأعضاء في المنظمة الدولية. أنها تمثل مبدأ سيادة الدولة القومية الذي يعود الي معاهداتي وستفاليا(1648) ثم فيينا(1815). والمعروف والمشاهد أن انقسام النظام العالمي الي معسكرين غربيين بقيادة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بين1945 ـ1991 أدي الي تقلص ساحة إعمال التحرك السيادي المستقل للدول الصغيرة في الوقت الذي تصاعد فيه دور التحالف الغربي, من هذه اللحظة بدأ تصاعد مكانة منظمة حلف شمال الاطلنطي تحت إمرة الولايات المتحدة, خاصة بعد أن ارتفع نفوذ المحور الصهيوني ـ الأصولي المسيحي علي الادارة في عصر جورج دبليوبوش, رافع لواء الحروب الاستباقية ضد صياغة العالم الجديد متعدد الاقطاب والمراكز والثقافات, تحت حجة ما أطلق عليه الارهاب.

وفي هذا الجو, تكاثر الحديث عن مؤسسة غير رسمية أطلقوا عليها الرباعية أي: الاتحاد الاوروبي وروسيا والولايات المتحدة وهيئة الأمم المتحدة, التي تولي السكرتير العام للأمم المتحدة مهام تنسيقها, ثم اختارت مندوبا لها لبناء فلسطين الجديدة.

حكاية الرباعية في حاجة الي تأمل. وكانت قد عينت الفارودي سوتو مندوبا خاصا لشئون عملية السلام في الشرق الأوسط في بداية عهد الأمين العام الجديد بان كي مون.. ذهب دي سوتو إلي المنطقة, حيث قام الأمين العام الجديد لهيئة الأمم بزيارته وأبلغه عدة شروط يجب علي رئيس وزراء السلطة الفلسطينية أن يفي بها قبل أن يقابله دي سوتو. ثم نجحت اسرائيل في إقناع الأمين العام بعدم زيارة غزة. وكذا استطاع الطاقم الاسرائيلي ـ الأمريكي بضمان اتصال بعثة إسرائيل إلي الامم المتحدة للإتصال بالسكرتارية العامة للهيئة حتي ارفع مستوياتها الي مستوي فريد( في مبني نيويورك) هذا بينما جاء تعيين لين باسكو, السفير الامريكي السابق في اندونيسيا, علي رأس قسم الشئون السياسية في هيئة الأمم المتحدة. ومن هنا تفجر الأمر, إذ استقال دي سوتو في مايو2007 من منصبه للاحتجاج علي تحيز الأمين العام الجديد بان كي مون لإسرائيل.

أما الولايات المتحدة فانها تقف في صف الملائكة؟! وفجأة استقال دي سوتو, وبدون مقدمات, عينت الرباعية توني بلير, رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي تزعم حرب العدوان علي العراق يدا في يد مع بوش, مندوبا خاصا يتولي مسئولية اعادة بناء فلسطين ـ وهو أمر اثار سخرية العالم, خاصة في ديار بريطانيا.. تري: من هو توني بلير؟ كيف يفكر؟ ماهي حقيقة الرجل؟

يقول بلير متحدثا عن أصول تفكيره, أيام الطفولة والمراهقة, أيام اصابة والده بمرض خطير: اذا أردت أن تفهم من أنا حقيقة يجب أن تلقي نظرة علي رجل اسمه جون. ماكمورايMacmureayJohn. فيه كل شيء.. فكرة ماكموراي كانت تتسم بايمان عميق في الروح الجماعية ويقول بلير إن هذه الروح في المجال الدولي تتجلي علي الصورة التالية: العولمة تؤدي الي تداخل السيادات, وتداخل السيادات يؤدي الي ضرورة وجود نظام قيم مشترك يحركها. وبعد أن تولي الحكم, كشف بلير عن حقيقة رؤيته السياسية.

كما جاء في خطبته عن عالم العولمة في شيكاجو في ابريل1999. عالم العولمة يتخطي الحدود ويوحد البشرية: التجارة, المواصلات, الأمراض, الأسواق, المالية, حقوق الإنسان, الهجرة: الدافع اليوم نحو تداخل السيادةinterdepence يتضاعف بشكل مذهل أننا نشهد بدايات نظرية جديدة للجماعة الدولية.

ثم جاءت خطبته العصماء عام2006, اي في نهاية فترة رئاسته للحكومة البريطانية, تلخيصا لرسالته, جاء فيها بالحرف الواحد مايلي: لسنا أمام صدام, امام حضارات. وإنما نحن نواجه صداما حول الحضارة. إنها المعركة الأزلية بين التقدم والرجعية, وبين الذين يرون الإمكانات في العالم الحديث ويحتضونها وبين الذين: يتنكرون لوجودنا. وقد اختتم هذه الخطبة التي كانت بمثابة رسالته الفكرية بأنه علي بريطانيا ان تكافح جميع الذين يحاولون تقسيم الجماعة البشرية, حتي بدون دعم المؤسسات متعددة الأطراف. هذا هو الوجه الخفي لتوني بلير, رئيس وزراء بريطانيا السابق, الذي كان قبل توليه المرتد الاول لتاريخ ورؤية حزب العمال البريطاني. هذا هو الرجل الذي تقدمه الرباعية رسولا لإعادة بناء فلسطين.

وبينما تستقبله بعض قيادات العرب بالاحضان, فإذ به يشعر بفشل مهمته ونهاية مطاف النفاق الجديد. كيف تكون الوظيفة ـ الجاه والمال ـ الجديدة,؟ وقد تقدم مشروع اوروبا الي الحد الأدني من التوافق بين دولها, وذلك بالانفاق علي وثيقة لشبونة التي اتخذت طريقها الي موافقة البرلمانات الاوروبية بصعوبة ملحوظة. المعارضون المتمسكون بسيادة الدول الوطنية يطالبون بإجراء استفتاءات علي الوثيقة الجديدة. والطريف في الأمر ان صاحب فكرة الاستفتاءات لم يكن سوي توني بلير أثناء رئاسته لحكومة بلاده, وذلك بعد رفض عدد من دول أوروبا, وفي مقدمتها فرنسا وهولندا, لمشروع الدستور الذي كان قد اعده من قبل جيسكار ديستان, رئيس جمهورية فرنسا الأسبق وها هو ذا توني بلير, مندوب الرباعية الزائف المزيف, يطلق الاشاعات بأنه سوف يتجه لترشيح نفسه لمنصب رئيس الاتحاد الاوروبي, لو تمت موافقة دول اوروبا علي المشروع الجديد, الذي مازال يصطدم بموقف بريطانيا المتحفظ حتي الآن. اي ان المهم هو ان يظل توني بلير في مكانة الصدارة لخدمة مشروع هيمنة الغرب باسم العولمة خاصة

وقد أدركت قاعدة ترسانة الهيمنة المركزية أن هذا المرتد خير من يصلح للخداع دون ادني تردد. وقد نال تأييد ساركوزي بعد خطبته في جامعة باريس السوربون منذ اسبوعين. هذا بينما يركم مرتبات مالية مليونية من بنك معروف وكذا شركة تأمين عملاقة( ايكونوميست2008/2/.

ان تركيز الاضواء علي توني بلير, وكشف حقيقته بدءا من كلامه وافعاله ـ بدلا من الابتسامات المفتعلة لمحترفي العلاقات العامة ـ نفتح المجال للتساؤل حول شخصية عدد من الوجوه اللامعة في لعبة الأمم باسم المنظمات الدولية أو الاقليمية وكذا التحالفات السياسية والذين يمثلون طاقم العمل لحماية القطب الأوحد في مرحلة تأزمها.

هذا مثلا خافير سولانا, الوجه الباسم والشخصية المتداخلة بين الغرب والعرب والعالم الاسلامي بمختلف التسميات والمناسبات. كان زعيما لليسار الاشتراكي في اسبانيا, ثم انتقل, فجأة, الي اقصي اليمين أداة للسياسة الامريكية وصديق الدولة الصهيونية منذ توليه منصب الأمين العام لمنظمة حلف شمال الاطلنطي, حتي انتقاله الي منصب المتحدث باسم السياسة الامنية والخارجية للاتحاد الاوروبي بعد ان نجحت قوي اليمين في تحجيم ثم استبعاد كريس باتن ثم حاكم هونج كونج ثم مسئول السياسة الخارجية الاوروبية الأسبق الذي اصبح اليوم رئيس جامعة اكسفورد.

القائمة تطول...

قال صاحبي:

عفارم, عفارم عليك!... إيوه كده: فرحنا يا اخي أليس هؤلاء أصدقاء العرب؟... عجبي...

اشكرك على الموضوعات المتميزة

موضوعات متميزة ومتجددة تفيدنا ونستفيد منها