منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حكاوي الأمن القومي..فهمي هويدي..الأهرام

اذهب الى الأسفل

حكاوي الأمن القومي..فهمي هويدي..الأهرام Empty حكاوي الأمن القومي..فهمي هويدي..الأهرام

مُساهمة من طرف saied2007 الجمعة فبراير 22, 2008 12:41 am

أصبحت مكافحة التلوث الفكري, وإبطال مفعول المخدرات السياسية من أوجب واجبات الوقت.

ـ1 ـ
بعد أيام قليلة من الانفجار الشعبي الذي وقع في غزة, ودفع الآلاف إلي عبور الحدود المصرية, تحولت أغلب أعمدة الصحف وبرامج التليفزيون إلي منابر لوعظنا واستنفارنا للتعبير عن القلق علي مصير الأمن القومي المصري, حتي وجدنا أن ثمة سباقا بين نفر من الكتاب والمتحدثين حول الإفتاء في الموضوع والمزايدة عليه, ولاحظت أن أغلب هؤلاء اختلط عليهم الأمر, فلا هم فرقوا بين شقيق يلوذ بمصر وعدو يتربص بها, ولا فرقوا بين الأمن القومي والأمن العام ولا بين أمن الوطن وأمن المخافر والثكنات.
أكثر ما قرأت وسمعت في الموضوع كان نوعا من الثرثرة في موضوع بالغ الأهمية والحساسية. صحيح أننا نعرف جنرالات المقاهي, الذين يخوضون في شأن صراعات القوي الكبري بنفس الجرأة التي يتناقشون فيها حول مباريات كرة القدم, أو التنافس بين نانسي عجرم وهيفاء وهبي. لكن ثرثرة جنرالات المقاهي لا تتجاوز حدود القعدة المنصوبة علي رصيف الشارع, أما الثرثرة التي تتم من خلال وسائل الإعلام فإنها تخاطب الرأي العام فتشوه إدراك الناس وتلوث مشاعرهم بما قد يضللهم ويوقع الفتنة بينهم.

ـ2 ـ
بعد ثلاثة أيام من عبور أعداد من فلسطينيي غزة للحدود, اتصلت بي هاتفيا صحفية شابة لتسألني عن تداعيات التهديد الذي حدث, وحينما استفسرت منها عما تقصده بالتهديد فانها ردت بسرعة قائلة: تهديد الأمن القومي طبعا. سألتها مرة أخري عما تعنيه بالأمن القومي, فسكتت لحظة ثم قالت إن رئيس التحرير دعا إلي اجتماع نقل فيه إلي المحررين بعض التوجيهات المتصلة بالموقف, ثم طلب منها ومن زميل آخر لها أن يستطلعا آراء المثقفين والخبراء حول انعكاسات ما جري علي الأمن القومي المصري والأخطار التي حاقت به جراء ذلك.

لكثرة ما كتب في هذا المعني, فانني أجريت اتصالا هاتفيا بالدكتور عبدالمنعم المشاط, أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة, المتخصص في الموضوع( اطروحته للدكتوراه كانت حول الأمن القومي) وسألته: هل تعتبر ما حدث من جانب أهل غزة عدوانا علي الأمن القومي المصري, فرد قائلا: قطعا لا, وحينما لفت انتباهه إلي ما تنشره الصحف في هذا الصدد, قال إن هذه حكاوي الأمن القومي, التي تحمل علي كلام الجرايد ولا تحمل علي العلم بالموضوع, ثم استطرد مضيفا: إن الأمن القومي له تعريفات كثيرة, وأنه من ناحيته ينحاز إلي التعريف الذي يعتبر أنه كل ما من شأنه أن يؤثر علي قدرة الدولة علي حماية مصالحها القومية, وقد اعتبر روبرت مكنامارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق, ورئيس البنك الدولي بعد ذلك, أن الأمن القومي هو التنمية. أضاف انه من هذه الزاوية فإن عبور الحدود من جانب المدنيين الفلسطينيين الذين يتعرضون للتجويع والإبادة الجماعية لا علاقة له بتهديد الأمن القومي. صحيح أن عبور الحدود يعد خطأ من الناحية القانونية, لكن الوضع شديد الخصوصية للفلسطينيين المحاصرين يجعل تصرفهم وضعا استثنائيا خاصا جدا تفهمته القيادة المصرية وأ
عذرتهم فيه. قال ايضا إن مسألة العبور غير الشرعي للحدود باتت شائعة في هذا الزمن, وفي الولايات المتحدة ذاتها عشرة ملايين شخص تسللوا عبر الحدود ودخلوا إلي البلاد ليقيموا فيها, ولم يقل أحد أن ذلك يهدد الأمن القومي للبلد. وهو وضع لا يمكن مقارنته بالفلسطينيين المحاصرين الذين عبروا الحدود بهدف توفير احتياجاتهم المعيشية.

ـ3 ـ
في شهر أكتوبر من العام الماضي كتبت في هذا المكان ثلاث مقالات حول انكشاف الأمن القومي المصري وكان التعريف الذي انطلقت منه في الحديث عن الأمن القومي أنه كل ما يتعلق بعافية الوطن وقوته في الحاضر والمستقبل. وفرقت بين أن الأمن القومي بهذا المفهوم وبين الأمن العام الذي تقوم به الأجهزة الأمنية, واستشهدت بآراء خبراء تحدثوا عن الربط بين التربية والتعليم وبين الأمن القومي, كما استحضرت العبارة التي وردت في التفسير الأمريكي الشهير الذي أعد في الثمانينيات حول أوضاع التعليم في الولايات المتحدة عقب سبق السوفيت في الصعود إلي القمر, والتي قررت أنه لو قامت قوة معادية بفرض نظام تعليمي متدني الأداء, لكان ذلك مدعاة لإعلان الحرب.

غني عن البيان ان تدهور التعليم لايعد وحده مهددا للأمن القومي, لكنه لابد أن يشمل كل انتقاص من قدرة المجتمع وقوته يؤثر سلبا علي نموه في الصناعة والزراعة والاقتصاد والخدمات والبطالة. ينسحب ذلك أيضا علي العافية السياسية بما تتضمنه من ممارسة للحرية والتعددية والشفافية, كما ينسحب بطبيعة الحال علي القدرة العسكرية وصواب الرؤية الاستراتيجية.

ما سبق يسوغ لنا أن نقول إن التعبئة الإعلامية التي ظلت تلوح بخطر تهديد الأمن القومي المصري جراء ما حدث وقعت في محظور التغليط, وأذهب في ذلك إلي أن الحوادث التي وقعت آنذاك, والتي بولغ في حجمها إعلاميا بصورة غير مبررة, بما في ذلك الاشتباك مع عناصر حرس الحدود المصرية لا تعد بدورها تهديدا للأمن القومي. إذ تظل من قبيل حوادث الإخلال بالأمن الذي دعوت أكثر من مرة إلي التحقيق في شأنه ومحاسبة المسئولين عنه. وفي كل الأحوال فمثل هذه الحوادث ينبغي أن تعطي حجمها الطبيعي وأن توضع في سياقها بحسبانها تعبيرا عن تهور بعض الشبان وانفعالهم, بسبب منعهم من العبور. مع ملاحظة أن هؤلاء طرف مسكون بالغضب بسبب الحصار الخانق, ثم إنهم أشقاء وليسوا طرفا معاديا. وبالتالي فإن تصرفهم يمكن أن يكون أقرب إلي ما يحدث أحيانا في غضب أهالي بعض القري أو المتظاهرين في مصر, الذي يرتب اشتباكا مع قوات الأمن المركزي. مع ملاحظة أن هؤلاء أعداد محدودة ـ ربما بضع. عشرات ـ وسط عشرات أو مئات الألوف الذين عبروا, وبالتأكيد فإن ماجري من جانبهم ينبغي ألا يوضع علي قدم المساواة مع حوادث إطلاق النار من جانب الجيش الإسرائيلي علي بعض عناصر حرس الحدود المصريين في مرات سابقة, خصوصا أن هؤلاء جيش مسلح, ثم إنهم قوة معادية في نهاية المطاف.

ـ4 ـ
إذا كان لنا أن نتحدث عن التهديد العسكري الذي تواجهه مصر حقا علي جبهتها الشرقية, والذي يهدد أمنها القومي في كل حين, فلن نجد هناك سوي التوحش الإسرائيلي المدجج بترسانة الأسلحة النووية.

تفيدنا في هذا الصدد شهادة الدكتور جمال حمدان التي أوردها في كتاب سيناء في استراتيجية السياسة والجغرافيا التي يصوغ فيها الموقف علي النحو التالي: من يسيطر علي فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول, ومن يسيطر علي خط دفاع مصر سيناء, الأوسط يتحكم في سيناء. ومن يسيطر علي سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير, ومن يسيطر علي خط دفاع مصر الاخير يهدد الوادي, استنادا الي هذه الخلفية ـ والكلام لايزال للدكتور حمدان ـ فإن مصر منذ أقدم العصور أدركت حقائق الاستراتيجية الصحيحة, وقواعد الدفاع السليمة عن الوطن, فمنذ خيتا والحيثيين, أي منذ نحو4000 سنة أدركت أن الشام هو خط دفاعها الطبيعي الأول, وأن مصير مصر مرتبط عضويا وتاريخيا وجغرافيا بمصير الشام, بل أدركت مغزي جبال طوروس المحاذية للحدود التركية لأمنها, قبل أن يؤكد ذلك جنرالات الاستعمار البريطاني بآلاف السنين, كما يعترف بذلك المؤرخ العسكري البريطاني هـ د. كول.

يقودنا ذلك الي القول بان احتلال إسرائيل لفلسطين يمثل تهديدا حقيقيا لخط الدفاع الأول عن مصر. ولئن بدا ذلك الاحتلال استجابة لتطلعات قادة الحركة الصهيونية في الاستيلاء علي مازعموا أنها أرض الميعاد فإنه كان في حسابات قوي الاستعمار والهيمنة في ذلك الزمان سبيلا الي إضعاف مصر والضغط عليها, عبر قطع اتصالها بالشام, ولذلك قلت في مقال سابق إن فلسطين كانت ضحية ذلك الطموح, بمعني أنها كانت ضحية استهداف مصر بأكثر مما كانت مصر ضحية الدفاع عن فلسطين.

إن مصر حين حاربت في فلسطين كانت في حقيقة الأمر تدافع عن خط دفاعها الأول كدولة كبري في المنطقة, بأكثر مما كانت تدافع عسكريا عن الشعب الفلسطيني الذي اصبحت قضيته هي قضية مصر. آية ذلك أن مصر في عام1948 دخلت الحرب بقرار من الجامعة العربية التي أدركت أن الخطر يهدد أمن الأمة. ولم تكن مصر وحدها في ذلك, وإنما دخلت معها قوات من الأردن والعراق وسوريا والسعودية, إضافة إلي جيش الإنقاذ الذي انخرط فيه متطوعون من كل الدول العربية. وفي عام56 حاربت مصر دفاعا عن نفسها بعدما أممت قناة السويس ومن ثم تعرضت للعدوان الثلاثي الذي شاركت فيه فرنسا وبريطانيا مع إسرائيل, ولم تكن فلسطين طرفا في الموضوع, أما حرب67 فلم تكن فلسطين طرفا فيها أيضا, إذ يذكر العم أمين هويدي في كتابه عن تلك الحرب أن الهدف الحقيقي لها كان استعادة السيادة علي المضايق التي فقدتها مصر في حرب56, وحين أغلقتها في وجه السفن الإسرائيلية, دون أن تكون لديها خطة واضحة لتحمل تبعات هذا الإجراء, فإنها ووجهت بهجوم إسرائيلي كاسح, أدي إلي مفاجأتها وهزيمتها التي شملت دولا عربية أخري هي الأردن وسوريا وفلسطين. أخيرا فإن حرب73 لم تكن فلسطين أيضا طرفا فيها, ولكن مصر هي التي بادرت إليها لتستعيد سيادتها علي سيناء كما هو معلوم.

لا أريد أن أقول بذلك أن قضية فلسطين لم تكن ضمن أولويات الاستراتيجية المصرية, لأن العكس هو الصحيح, ذلك أنها ستظل علي رأس تلك الأولويات, باعتبار أن إسرائيل تمثل التهديد الاستراتيجي الأكبر لها, حتي أزعم أن إسرائيل إذا تصالحت مع مصر السياسية, فإن مصر الحقيقية لا تستطيع أن تتصالح او تتسامح معها بسبب ماتمثله لأمنها من تهديد مستمر, لكن ما أردت أن أقوله انه منذ عام1948 وحتي الآن فإن الجهد المصري في الشأن الفلسطيني لم يكن تضحية مجانية من اجل الآخرين ولا إحسانا اليهم ولا منا عليهم كما ادعي البعض.

بعض هذا الكلام قلته في مقام آخر, وعلق عليه أحد الشبان علي شاشة التليفزيون قائلا: إنه غير علمي وغير تاريخي وغير وطني ـ هكذا مرة واحدة ـ لكنه لم يقل للمشاهدين لماذا هو عار عن كل ذلك ـ عجبي!
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى