منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هل توقف قلب مصر؟ - د.عمرو الشوبكى

اذهب الى الأسفل

هل توقف قلب مصر؟ - د.عمرو الشوبكى Empty هل توقف قلب مصر؟ - د.عمرو الشوبكى

مُساهمة من طرف saied2007 الجمعة فبراير 22, 2008 12:29 am

أطلق وزير الخارجية المصري تصريحاً نارياً الأسبوع قبل الماضي، أعلن فيه أنه سيكسر قدم كل من يعبر حدود مصر، في إشارة إلي الفلسطينيين الذين دفعهم الحصار الإسرائيلي الغاشم إلي عبور الحدود المصرية الشهر الماضي، في واقعة اضطرار يجب ألا تتكرر دون الحاجة لكسر أقدام شعب يدفع كل يوم ثمن الحصار الإسرائيلي والصمت العربي والتواطؤ الدولي.

والمؤسف في تصريحات الوزير ليس دفاعه عن احترام الحدود المصرية، فهو أمر مقدس بالنسبة لنا جميعا، إنما تلك اللغة الاستعلائية شديدة البؤس التي تحدث بها عن الشعب الفلسطيني، باعتبارهم صيداً سهلاً لا حول لهم ولا قوة، فسمح لنفسه أن يكيل لهم الاتهامات ويحدثهم بلغة التهديد والوعيد، التي لم يستخدمها ولو علي سبيل الخطأ تجاه إسرائيل، المسؤول الأول عما جري في غزة وعلي الحدود المصرية، نتيجة قلة عدد الجنود المصريين كما فرضت القيود الإسرائيلية، لا الفلسطينية.

والحقيقة أن تلك اللهجة الاستعلائية التي اعتاد أن يخرجها المسؤولون المصريون تجاه أي مواطن مصري أو عربي بسيط لا «ظهر» أمريكيا أو إسرائيليا له، تأتي عادة من أشخاص لديهم ثقافة «الموظف المحدود»، الذي يقسم العالم، كما فعل وزير الخارجية، إلي رؤساء ومرؤوسين، ووضع بالتأكيد أمريكا وإسرائيل في الجانب الأول، ونظر إلي الفلسطينيين باعتبارهم في الجانب الثاني، وهي طريقة تهدم ما تبقي من تقاليد وزارة الخارجية المصرية لأنها لا تتمتع «بكاريزما»، عمرو موسي، ولا مهنية وثقافة أحمد ماهر، كما أنها بالمعني الوظيفي لم تستفد شيئا من خبرة الرئيس مبارك الطويلة في الحكم، وجعلته يتخذ قراره الصائب بفتح الحدود،أمام أمواج الفلسطينيين.

الحقيقة أن تلك الحملة المسعورة والمخيفة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، أثرت ـ كما هي العادة ـ علي قطاعات يعتد بها من الشعب المصري، والتأثير لم يكن لصالح الدفاع عن السيادة والحدود، ولا كان اعتراضاً علي حماس وعلي توجهاتها السياسية، إنما مس المشاعر الإنسانية الطبيعية التي يفترض أن يشعر بها أي مواطن طبيعي تجاه الظلم الواقع علي أخيه الإنسان، وأن يبدي التعاطف السوي تجاه أهل غزة، ضحايا القهر والحصار، بعيدا عن حسابات السياسة الضيقة (مع أو ضد حماس)، تماما مثلما فعلت شعوب كثيرة غربية حين ضغطت علي إسرائيل، حتي تخفف من حصارها علي قطاع غزة بدوافع إنسانية لا علاقة لها بالموقف السياسي من حماس.

إن هذه الحرب الإعلامية علي الشعب الفلسطيني، حملت من العنصرية والعدوانية، ما أدي إلي خلق لغة شديدة الأنانية، تفقد «البني آدم» الطبيعي جانباً من مشاعره الإنسانية الطبيعية، وتجعله يعرف فقط الأخذ دون عطاء، والفهلوة لا العمل الجاد، وينتظر الفتات القادم من الآخرين، ويتعامل بطريقة مع أثرياء الخليج وبطريقة أخري مع فقراء فلسطين ومصر واليمن والسودان.

إن التعاطف الإنساني مع غزة ومع فلسطين هو أمر خارج ثنائية التطبيع أو قطع العلاقات مع إسرائيل، وخارج ثنائية الحرب والسلام، والمقاومة والقبول بالأمر الواقع، هو أمر يدخل في صميم التكوين الإنساني الطبيعي لأي مواطن سوي في أي مكان في العالم، وأصر البعض علي تخريبه هو الآخر في مصر.

فمن المفهوم أن يختلف الحكم في مصر مع حماس، ومن المفهوم أيضا أن تتعاطف جماعة «الإخوان المسلمين» مع حماس، ومنطقي أن تدعم الأولي سلطة محمود عباس، وتدعم الثانية إسماعيل هنية، لكن من غير المفهوم ولا المقبول أن يصل بنا الحال أن نفرض قيوداً علي الدعم المادي القادم من مصر إلي غزة، وأن يرفع اسم إيران عن مساعداتها التي قدمتها إلي الشعب الفلسطيني، حتي لو كنا نختلف معها.

قد يكون مفهوماً أن تمنع أجهزة الأمن أي تواصل سياسي بين الإخوان المسلمين وحماس، ولكن لا أفهم ولا أتصور كيف يبذل كل هذا الجهد، من أجل أن يكون الدعم الإنساني والغذائي لأهل غزة باهتاً ومحدوداً، وأن يرفض كثير من صور الدعم التي قدمتها جمعيات ليس لها علاقة بالإخوان، أو قادمة من دول مجاورة.

هذا العقل الأمني، الذي يتدخل في كل شيء من تعيينات الوزراء وعمداء الكليات وخفراء القري، وصل إلي حد التدخل في مشاعر الحب والتعاطف الإنساني، فالمطلوب أن يكون بحدود وألا يتجاوز السرعة التي يسير عليها القلب السياسي الذي توقفت شرايينه عن النبض، وصار مطلوباً أن «نهندس» قلوبنا الإنسانية علي الحدود، التي رسمتها عصا أجهزة الأمن الغليظة في كل مكان، فنتعلم الكراهية والأنانية، ونروج الروايات المختلقة عن أسلحة الفلسطينيين وقنابلهم، ونتناسي سلوكهم الرائع والعظيم في المدن المصرية، رغم أنه جاء في ظل حرمان ومعاناة بالغين.

وعلينا أن نتذكر كيف تدخل الحرس الوطني الأمريكي (وحدات عسكرية) حين قطعت الكهرباء عن مدينة نيويورك لمواجهة غزو الفقراء والمحرومين، الذين قاموا بعمليات سلب ونهب واغتصاب غير مسبوقة، حتي نغفر بعض الهنات لقلة نادرة من أبناء الشعب الفلسطيني.

إن هذه الحملة الإعلامية المسعورة علي هذا الشعب، بدت وكأنها «ضد الطبيعي»، فالإنسان له عقل وقلب وعنده مشاعر وفطرة إنسانية، اجتهدنا لفترات من أجل أن نغير في هذه «المكونات الطبيعية»، فنخلق لغة عدوانية تجاه الفلسطيني، ونتصور أننا بذلك انتصرنا لمصر، ونتناسي أننا نوجعها، ونخلق مواطناً عاجزاً عن أن يعطي قيمة مضافة في عمله أو تربية أبنائه أو في سلوكه مع جيرانه وأهله، حين نحمله بثقافة الكراهية والتعميم التي بثتها أجهزة الإعلام الأمنية.

لقد جاءت للحكم في مصر، فرصة حقيقية لكي يتقدم خطوات علي خصومه السياسيين، ويحقق رصيداً سياسياً داخل غزة، خاصة بعد أن تعثرت حماس نتيجة خيارات تحتاج بالكامل إلي مراجعة، وذلك بدعم الفلسطينيين إنسانياً، طالما عجز عن دعمهم سياسياً، ولكن كالعادة لم يفعل وقام بتشويه صورة الفلسطينيين، حتي يضبط الصورة بين متعاطفين معهم وكارهين لهم، فتكون النتيجة صفراً كبيراً.

لقد تركت ساحة التعاطف الإنساني الطبيعي، الذي يبديه أي مواطن سوي تجاه الشعب الفلسطيني (حتي لو كان يؤمن بالسلام والتسوية السلمية مع إسرائيل) إلي الإخوان المسلمين، الذين استفادوا بكفاءة من الشعور الطبيعي للناس تجاه غزة لصالح خطابهم السياسي، في حين أن الحكم خرب المشاعر الطبيعية لكل مواطن، واستسهل الحل الأمني والحملات الإعلامية المسعورة، رغم أنه بقليل من العقل كانت أمامه فرصة لكي يعمق من هذا التعاطف الإنساني لصالح ما يسمي بخطاب الاعتدال الذي يمثله، ولصالح سلطة عباس الذي يتحالف معه، ولكنه لم يفعل ولن يفعل، لأن تلك هي حدوده وقدراته.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى