ساركوزي والمعايير المزدوجة-د. ياسر سعد

أعاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي النقاش حول العلمانية في فرنسا إلى الواجهة بعد الخطاب الذي ألقاه في اللقاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا؛ حيث جدّد فيه إيمانه بأن لا تعارض بين العلمانية والدِّين, واعتبر أن غياب الدين كان سبب بعض ما حدث من تحوُّل في المجتمعات الحديثة. ساركوزي أكّد في خطابه تمسكه بصداقته مع إسرائيل وبأنه سيزورها شهر مايو المقبل– في ذكرى تأسيسها- ليلقي كلمة بالكنيست الإسرائيلي. بدوره اعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي الفرنسي فرونسوا هولند خطاب ساركوزي خروجًا عن دوره كرئيس، وقال: إن من حقه التعبير عن وجهة نظره الخاصة لكن عليه كرئيس للجمهورية أن يدافع عن مفهوم أوسع للعلمانية، كون هذه الأخيرة ليست منعًا للحرية بل هي الضامن لها.
كلمة الرئيس الفرنسي كانت في غالبيتها نوعًا من التملُّق للجالية اليهودية ببلاده، خاصة عندما جدّد الحديث عن خطته لحثّ الطلاب الفرنسيين على تخليد ضحايا الهولوكوست من الأطفال وذلك بضرورة أن يتذكر كل تلميذ فرنسي في الطور الثاني من التعليم اسم تلميذ اختطف خلال ما يعرف بالمحرقة اليهودية. وجاء إعادة طرحه للموضوع بعد عاصفة من الاحتجاجات في أوساط أهالي الطلاب والمدرسين والمؤرخين الذين يخشون من تعرض الأطفال إلى ضرر نفسيّ من جراء دراستهم حالات الأطفال اليهود ضحايا الهولوكوست المزعومة, كما اعتبر آخرون أن تطبيق الاقتراح سيؤدي لتحميل الأطفال ذنب أجيال سابقة.
تعريف العلمانية وعدم تعارضها مع الدين كما صرّح ساركوزي هي ليست كذلك حين يتعلق الأمر بالمسلمين الفرنسيين, فساركوزي حين كان وزيرًا للداخلية كان من أشدّ المتحمسين لحظر الحجاب في المدارس الفرنسية ومنع الطالبات الفرنسيات المسلمات من حقهن في التعليم إذا ما التزمن به. ساركوزي المتغزل بالجالية اليهودية في فرنسا هو ذاته الذي وصف الفرنسيين من أصول إفريقية وعربية- من المهمّشين بالضواحي الباريسية- بالحثالة ونفايات المجتمع إبان اندلاع أعمال شغب عام 2005. وهو أيضًا الذي ندّد بالعدد الكبير للجاليات المسلمة المتواجدة في أوروبا، متحدثًا بعبارات قاسية ونابية عنهم وعن أعدادهم الزائدة، وذلك خلال لقاءين له مع رئيس الحكومة الإيرلندي بيرتي آهيرن ورئيس الحكومة السويدي فريديريك راينفيلت حسب صحيفة ليبيراسيون الفرنسية الصادرة في 19 نوفمبر الماضي.
الرئيس الفرنسي والذي يريد للأطفال الفرنسيين أن يخلدوا ذكرى الهولوكست, هو من يرفض وبإصرار الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها بلاده خلال احتلالها واستعمارها للجزائر. ساركوزي في تصريحات صحفية قبيل زيارته الأخيرة للجزائر قال: إن الصفحات القاتمة وكذلك الآلام وأوجه الظلم كانت كثيرة خلال السنوات الـ132 التي قضتها فرنسا في الجزائر, إنني إذن مع الاعتراف بالوقائع وليس مع الندامة.. الندامة مفهوم ديني ولا مكان لها في العلاقات بين دولة وأخرى, معتبرًا أن الأجيال الناشئة على ضفتي المتوسّط تتطلع إلى المستقبل أكثر مما تنظر إلى الماضي وهي تريد أمورًا ملموسة, وإنها لا تنتظر من قادتها التخلي عن جميع مهامهم، من أجل تعذيب أنفسهم والاسترسال في الندم عن الأخطاء أو الذنوب الماضية.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كان وما يزال من أشدّ المعارضين لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي, وهو يعتقد أن لا مكان لتركيا في الاتحاد الأوروبي، بل إن ذلك الرفض كان جزءًا رئيسيًا في حملته الانتخابية في العام الماضي مبررًا ذلك بأن انضمام تركيا سيزيد مشكلة الوجود الإسلامي في أوروبا، وسيشكل نهاية لاتحاد أوروبا سياسيًا، وأنه إذا تمّ السماح لمائة مليون تركي مسلم بالوجود في المجتمع الأوروبي فإن ذلك سيشكل نهاية أوروبا, وهو لن يستطيع (ساركوزي) أن يشرح لأطفال فرنسا إذا انضمت تركيا للاتحاد الأوروبي كيف أن حدود أوروبا تمتد إلى سوريا والعراق.
في مؤتمر صحفي له قبل جولته الخليجية الأخيرة دعا الرئيس الفرنسي إلى دعم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والحكومة الجزائرية في مواجهة أعمال العنف قائلاً: لا أعتقد أن أحدًا يريد حكم طالبان في الجزائر، كما دعا إلى دعم الرئيس المصري حسني مبارك، متسائلاً هل نريد في مصر حكومة للإخوان المسلمين؟ وتحدث عن إسرائيل كأعظم إنجاز سياسي في القرن الماضي.
على فرنسا ساركوزي وهي ترنو بجهودها ونظرها إلى العالم العربي والإسلامي لإقامة علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة, أن تتعامل بشيء من الإنصاف والعدالة معه ومع قيمه وتاريخه ورعاياه, وأن تكفّ عن استخدام المعايير المزدوجة والتوقف عن هذا النفاق المُشين في المواقف والسلوكيات.
المصدر: الإسلام اليوم