منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

النقاش ومهنا وإعادة الاعتبار لمهنة الكتابة..ضياء رشوان

اذهب الى الأسفل

النقاش ومهنا وإعادة الاعتبار لمهنة الكتابة..ضياء رشوان Empty النقاش ومهنا وإعادة الاعتبار لمهنة الكتابة..ضياء رشوان

مُساهمة من طرف saied2007 الثلاثاء فبراير 12, 2008 1:44 am

اختتم الأسبوع الماضي أيامه بإضافة أحزان جديدة للمصريين، نخبة وجمهوراً، برحيل الكاتبين الكبيرين الناقد الأدبي رجاء النقاش والناقد السياسي مجدي مهنا، بعد أن قضيا جل عمرهما، كل في مجاله ساعيين إلي تحقيق ما اعتقد كل منهما في أنه الأفضل لهذا البلد وأبنائه. الراحلان الكبيران ينتمي أولهما إلي جيل الرواد الكبار من مثقفي ومبدعي وكتّاب مصر الذين حفروا بأظافرهم طرقاً جديدة للكتابة والإبداع والسياسة، بينما ينتمي ثانيهما إلي جيل الوسط التالي لهم، والذي ما كاد يشرع في السير علي تلك الطرق حتي وجد معظمها وقد كاد يغلق، فقضي معظم عمره في محاولة شقها من جديد وإضافة طرق جديدة نحو مستقبل أفضل للوطن وأبنائه. وعلي اختلاف الجيلين والرجلين الكبيرين، فإن المشترك الرئيسي بينهما هو الجدية والرغبة اللتين لم تسكنا إلا مع توقف أنفاسهما في المساهمة بالكلمة والكتابة وبعض من العمل السياسي والنقابي لصنع هذا المستقبل الأفضل. والجدية هنا ليست سوي النقيض المباشر والواضح لسمة أخري، كانت دوماً موجودة بين بعض من شرائح الجيلين اللذين ينتمي إليهما الراحلان الكبيران، وهي الاعتماد في بناء الاسم والسمعة والمكانة علي شبكة واسعة من العلاقات العامة والاجتماعية، يضيع معظم الوقت والجهد في بنائها، وليس في إتقان العمل نفسه وتوفير مقومات تقديمه بأفضل صوره للجمهور، الذي يتابعهما وينتظر كتاباتهما. واختلاف مجال تخصص الرجلين وفارق الجيل بينهما لم يمنعا من استمرار تلك الحقيقة قائمة ومؤكدة وهي أن الجدية والعمل الدؤوب هما فقط ما يصنعان القامات الكبيرة ويفرضان احترامها علي الجميع، ويبقيان إنتاجها مستقراً مؤثراً، حتي لو غيب الموت أصحابها. هذه الجدية وذلك الدأب هما اللذان سيبقيان كتابات وأعمال رجاء النقاش الأدبية والنقدية، وتحقيقات وأعمدة ومقالات مجدي مهنا السياسية والاجتماعية، قائمة مستقرة كجزء مهم من الثقافة المصرية التي لم يصنعها ويبقها مؤثرة في داخل مصر وخارجها، سوي مثل هؤلاء الرجال الجادين الدؤوبين، في حين لم يترك فيها من لمعوا لفترة بفعل العلاقات العامة شيئاً يمكن لأحد أن يتذكره أو يري لها أثراً. كذلك، فقد أعاد الراحلان الكبيران العزيزان بمسيرة حياة كل منهما علي اختلاف طولها، المعني الحقيقي لمهنة الكتابة، والذي أوشك أن يغيب بين أبناء الجيل الثالث الشاب وكثير من أبناء الجيل الوسط الثاني.. وهو أنها كافية وحدها لمن يمتهنها بحق ويعطيها قدرها لأن تحقق لأصحابها التأثير والمكانة والتقدير بين عموم الناس ونخبهم. الكتابة وحدها، دون أي إضافات، هي التي جعلت من رجاء النقاش ذلك الرائد الكبير في النقد الأدبي ورعاية أجيال من المبدعين وأحد أعمدة الثقافة العربية بلا منازع، وهي نفسها التي جعلت من مجدي مهنا أحد أبرز صناع الرأي العام المصري في السنوات الأخيرة وأكثر كتّاب الأعمدة اليومية شعبية وتأثيراً في المصريين ـ جماهيراً ونخبة ـ والكتابة وحدها هي أيضاً التي أعطت الراحلين الكبيرين تلك السكينة التي كانت تشع منهما، وهذا الشعور بالرضاء عن النفس، بالرغم من القلق الدائم الطبيعي الذي كان جزءاً من طبيعتهما ككاتبين جادين، يشغلهما دوماً التفكير في القضية التالية التي سيكتبان عنها. والكتابة وحدها أيضاً هي التي صنعت لهذين الراحلين حياتهما الخاصة، وأقامت لكل منهما مقوماتها وأحاطتهما بحالة «الستر» التي يطمح إليها المصريون جميعاً، فلم يمارس أحد منهما نشاطاً آخر غير ذي علاقة بها، مثلما يفعل اليوم عديد من أدعياء الانتماء إليها، بحجة البحث عن تأمين مقومات حياتهم الخاصة، بما يطيح في النهاية بمقومات مهنة الكتابة نفسها، وفي مقدمتها الاستقلال الذي لا تقوم لها قائمة بدونه. وغير بعيد عن الجدية واحترام مهنة القلم، فقد جمعت الراحلين الكبيرين خصلة أخري رئيسية، تبدو اليوم غائبة عن عديد من الكتابات المصرية.. فعلي قدر صرامة وقسوة النقاش في النقد الأدبي والفني وحدة وصراحة مهنا في النقد والتحليل السياسي، فقد كان كلاهما عف اللسان شديد التدقيق في الكلمات والصياغات، التي لم تحمل قط إهانة لخصم أو تجاوزا لقيمة اجتماعية مستقرة بين المصريين، بقدر ما حملت من مواقف واضحة مستقيمة لا يمكن تأويلها من خلاف وخصومة مع من كانا ينتقدانهم. والجمع بين عفة اللغة وتأدب أسلوبها وبين الصرامة، بل القسوة في مضمون النقد، ليس مجرد انعكاس لحسن تربية الراحلين الكبيرين، بل هو قبل ذلك انعكاس لموهبة حقيقية، امتلكها كل منهما، مكنته من هذا الجمع الضروري بين الأمرين والذي هو وحده الذي يصنع الكتاب والمثقفين الكبار. ويبقي أخيراً أن راحلينا العزيزين قدما عبر مسيرة حياتهما المهنية الجادة الطويلة درساً مركزياً لأبناء مهنة الكتابة، خاصة من جيلي الوسط والشباب، وهو أنها ليست الوسيلة لتصفية حسابات شخصية مع آخرين، ولا طريقاً للتربح والابتزاز عبر النقد الأدبي أو السياسي، كما يفعل عديد من كتاب اليوم، فالموضوعية كانت وحدها هي منهج النقاش ومهنا فيما كانا يكتبان، ومصلحة الوطن وأبناؤه كما كانا يتصورانها كانت هي الهدف الوحيد، الذي ظلا يسعيان وراءه حتي غابا عنا قبل يومين.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى