منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

في الانتصارات الكروية والهزائم العاطفية ـ د.أيمن محمد الجندي

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

في الانتصارات الكروية والهزائم العاطفية ـ د.أيمن محمد الجندي Empty في الانتصارات الكروية والهزائم العاطفية ـ د.أيمن محمد الجندي

مُساهمة من طرف saied2007 الثلاثاء فبراير 12, 2008 1:32 am

قلت أئتنس بصحبة أخواني من البشر وأشاهد المباراة النهائية في البطولة الأفريقية في حديقة النادي ..شاشة عملاقة ..هواء منعش ..عشرات من هؤلاء الذين لم تزل تخفق قلوبهم بحب الحياة ..عسير أن أشاهدها وحدي في بيت خال صامت ..يبدو هذا غير أنساني بالمرة..الأمة المصرية تشاهد هذه المباراة بالذات في تجمع حميم ..
سنون طويلة مضت مذ كنت أهتم بكرة القدم ..وقتها كان الزمان زماني والمكان مكاني ..وبحق ملامحي الناعمة وضعت الحياة مأدبة أمامي أغترف منها ما أشاء ..أعرف كل شيء عن لاعبي الكرة ..بل أتذكر أهداف الأعوام السابقة بدقة..ولم يكن ممكنا ألا أشاهد مباراة حتى لو كان امتحاني غدا ..
كيف ومتى انحسر اهتمامي بكرة القدم ؟..لم أنظر للمرآة لبرهة ولذلك لم أعلم بالتجاعيد التي غزت ملامحي ..لكني فجأة وجدت المأدبة ترفع من أمامي دون كلمة اعتذار ..وبقيت مشدوها عاجزا عن النطق ..عاجزا عن الاحتجاج وأنا أرمقها تنتقل بما يشبه السحر لوجوه ناعمة جديدة ..نظرت للمرآة ففهمت كل شيء ..لم يعد الزمان زماني ولا المكان مكاني .. حتى أسماء اللاعبين لم أعد أعرفها..فقط أختزن في ذاكرتي أسماء لا أعرف وجوهها ولا النادي الذي تلعب له..سمعتها في حديث عابر أو قرأتها دون اهتمام في مانشيت جريدة ..ثمة فتى يقال له أبو تريكة وآخر يقولون أنه زيدان ..وثالث اسمه متعب .
اختفت أسماء قديمة كانت تملأ عالمي ..الخطيب بملامحه الوسيمة المهذبة..مختار مختار الغزال الأسمر الشارد..حسن شحاته بشاربه الأسود الكث ..آخر اسم ينتمي لعالمي القديم هو ذلك الفتى الأشقر : حسام حسن ..ظهر حينما كان اهتمامي بالكرة ينحسر ..لحظة رفع المأدبة بالذات ..ربما قبلها بقليل .
..................
بعد الغروب مضيت إلى حديقة النادي في تؤدة تليق بخصلات الشعر الأبيض المنتشرة في لحيتي الصغيرة ..كان الجو باردا ومنعشا ، والطريق يوشك أن يكون خاليا تماما ..والنجوم تومض من خلف السحب ..مصر كلها تشاهد المباراة .. أصداء صاخبة من بعيد ..أقترب من الحديقة فيفاجئني المشهد ..كنت أتوقع بضعة عشرات فإذا بي أجد آلافا وكأنني في الإستاد نفسه ..أبحث لنفسي بصعوبة عن مقعد خلفي وأشاهد المباراة في الشاشة العملاقة .
طبل وزمر ..مئات الوجوه الناعمة حولي تصرخ مع كل هجمة للفريق المصري ..إيقاع الطبول له رنين مهيب يوحي بالجدية ..هتاف يشق عنان السماء ..صراخ إذا استلم لاعب الكرة وصراخ حينما يفلتها ..وهتاف حماسي مخبول :مصر ..مصر..
ابتلت عيناي بالدموع وأنا أشاهد كل هذا الحماس ..كل هذا العشق للحياة ..هذا الجنون المقدس !!..همست في نفسي : أيها الحمقى ..ألا تعرفون أنه سيحصدكم الموت؟ ..يتحول الإنسان إلى ما يشبه الدمية ..جماد مثل أي جماد ..حينما حملت أخي وهبطت به درجة في عتمة القبر شاهدت جثمان أبي يرقد في مضجعه في سلام دام خمسة عشر عاما ..همست له بالتحية دون أن أعلم هل شعر بي أم لا ؟ ..لكن المؤكد أنني حين صعدت إلى سطح الأرض كنت قد تركت قطعة من نفسي هناك .
بدا لي هوسهم المجنون بالكرة ترفا لا يليق بأموات أبناء أموات ..حماقة مخلوق فان يبحث عن فرح..والموت في أعقابه لا يفلت طريدته .
........................
أذكر أني رأيته في المرآة فأنكسر قلبي ..بدا لي عاجزا فاقد الحيلة ..ذليلا وخائفا ..لكني لم أملك أن أمد يد المساعدة له لأني أعجز منه ..نظرت إليه ..وقلت له في حزن وانكسار
- معذرة يا أيمن ..أعرف أنك ستموت وتتبدد..وأعرف أيضا أنك خائف من الموت ..لكني لا أملك أن أساعدك ..لا أملك لك سوى الأسف ..الكثير منه.
.............................
طبل وزمر ..صراخ محموم ..حماسة ما بعدها حماسة ..الفريق المصري يرتدي اللون الأحمر ..وفريق الكاميرون يرتدي الأخضر ..وجوه اللاعبين لا أعرفها ..كلها ناعمة الملامح تبدو عليها النعمة ..وجه المدرب أعرفه ..ينتمي لعالمي ..حسن شحاته بشاربه الكث ولكن متى غزته التجاعيد واجتاحه الشيب الأبيض ؟ ..حينما يسدد لاعب مصري الكره يهللون ويرقصون ويصرخون ..أتلفت حولي ..وجوه نسائية تصرخ في حماسة وجنون ..وتصفق وترقص وتهتف ..لم يكن هذا هو الحال في زمني القديم ..جمهور الكره المعروف تم تشكيله من جديد مثل كل شيء في مصر ..تقدمت الطبقة فوق الوسطى ..وعرفت فتيات مصر طريقهن لإستاد الكرة ..وبدأت الموضة والتقاليع وارتداء العلم المصري وتشكيله في صورة قبعة ..بل تفوق النساء على أنفسهن فرسمن علم مصر على وجوههن بالمكياج..وصارت تلك موضة البطولة الإفريقية الجديدة ولم يعد عجيبا أن تنقل الكاميرا في المباريات جميلات مصر يرقصن على إيقاع الطبول ..مشهد لم يعرفه جيلي بكل تأكيد
.................
انتهي الشوط الأول ولم ينته الطبل والزمر والهتاف والتصفيق لكن شعوري بالغربة انتهى ..دموعي جفت تماما وبدأت أفهم الحقيقة ..هؤلاء يريدون أن يقتنصوا لحظة سعادة بأي طريقة ممكنة ، حتى ولو كان الموت خلفهم ..
بدأ الشوط الثاني ..صراخ مجنون يخرق طبلة أذني لكنه للعجب لا يزعجني ..والنجوم تخترق السحب لتنظر بفضول إلى ما يحدث على الكوكب الأرضي ..ورفرفت الأعلام المصرية من حولي .
وكنت أعرف أن هذا المشهد يحدث في طول مصر وعرضها ..ملايين تتجمع لتشاهد هذه المباراة ..لا أحد يشاهدها منفردا في مصر كلها ..ثمة غريزة جمعية للأمة المصرية ..زمان قال لي صديق أن المباريات ألكبري درس للوطنية ..واليوم أقول أنه انتصار للحياة.
هجمات الفريق المصري تتوالى مثل أمواج متلاحقة من بحر هادر تصده صخور افريقية سمراء قدت صلابتها من الفولاذ ..لكني أيقنت بما لا يقبل الشك أن الفريق المصري سينتصر ..لم تكن الصخور الأفريقية السمراء تواجه لاعبي الفريق المصري فحسب وإنما سبعين مليون مصري يريدون الفرح ..يهربون من الموت ..يتشبثون بالحياة .
بدا لي أن الأمة المصرية مستعدة لأن تغفر للحياة كل ما عانته من حروب ومحن ..التضخم ، المبيدات المسرطنة ، نزيف الدماء على الإسفلت المجنون ، جنون الأسعار ، الفساد .لم تكن لعبة كرة بل لعبة حياة ..ليست مصادفة أن يرتدي الفريق المصري اللون الأحمر ..لون الدم ..كرات الدم الحمراء تحمل الأوكسجين والجلوكوز والحياة وترتمي على جدران الأوعية الدموية تتدفق عبر خلايا الجسد الحي ..أرادة الحياة هنا لا غالب لها .. حملت أخي إلى القبر الهادئ وألقيت على أبي السلام وتركت قطعة من نفسي هناك ولكني عدت إلى سطح الأرض وانتصرت للحياة
بعدها ببضعة أيام كنت أضحك وعيناي مبللتان بالدموع .
...................
وحتى حينما تآمرت العارضة علينا وراحت تتحرك من هنا لهناك لتصد الكرة وتمنع إحراز الأهداف ،وحتى السحر الإفريقي مؤكد المفعول لم يجعلني أشك أن انتصاري قادم ..هكذا تحول الأمر لانتصار شخصي لي ولسبعين مليونا كلهم يريدون الحياة ..الكرة تأبى دخول المرمى بعناد الأطفال وبرغم ذلك لم أشك في حتمية الانتصار..
وأخيرا جاءت اللحظة المباركة..بعناد مماثل استخلص زيدان الكرة من أقدام الساحر الإفريقي ومررها ببراعة إلى صاحب الوجه الطيب " أبو تريكة " الذي هزم التعاويذ السحرية ليسددها مباشرة في المرمى محرزا هدف الفوز ..
كنت أعلم ما سيحدث في الطرقات بعد دقائق قليلة من انفجار فرحة ( مؤلمة ) ، وسعادة مفعمة بالشجون من هذه الكائنات الفانية التي لن أعرف أبدا هل يحبون وطنهم أم يحبون الحياة ؟..لكن المؤكد أنهم " عاوزين يفرحوا " ، هكذا ببساطة .
فاح عبير العشب من حولي..وآنست نورا فوجدت النجوم قد اقتربت ترقص وتطبل ..وفي المدى البعيد تتقدم صفوف الأموات ترتدي الكفن الأبيض تهلل وتصفق وتهتف للحياة على إيقاع الطبول العميقة فرحت أدقق في الوجوه باحثا عن وجه أبي وأخي.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

في الانتصارات الكروية والهزائم العاطفية ـ د.أيمن محمد الجندي Empty رد: في الانتصارات الكروية والهزائم العاطفية ـ د.أيمن محمد الجندي

مُساهمة من طرف عزيز الأربعاء فبراير 13, 2008 2:36 am

بارك الله فيك واشكرك على تلك النوعية من الموضوعات المفيدة والهادفة
والف مبروك للمنتخب القومى

عزيز
عضو مبدع

عدد الرسائل : 199
تاريخ التسجيل : 08/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى