منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السياسة عند الفقهاءج3 للدكتور القرضاوى

اذهب الى الأسفل

السياسة عند الفقهاءج3   للدكتور القرضاوى Empty السياسة عند الفقهاءج3 للدكتور القرضاوى

مُساهمة من طرف saied2007 الخميس نوفمبر 29, 2007 4:46 pm

دور ابن القيم في توضيح السياسة الشرعية:

أني لم أجد من الفقهاء -في تاريخنا- من تكلم عن السياسة الشرعية وشرحها فأحسن شرحها، وكَشَف اللثام عن مفهومها، وبيَّن الفرق بين السياسة العادلة، والسياسة الظالمة، وأن الأولى إنما هي جزء من الشريعة، وليست خارجة عنها، ولا قسيمًا لها، مثل الإمام ابن القيم (ت751هـ) رحمه الله، في كتابين من كتبه: (إعلام الموقعين) و(الطُّرق الحُكمية). ويحسن بنا أن ننقل كلامه هنا لما فيه من قوة الحجة، ونصاعة البيان، المؤيد بالبرهان.

يقول رحمه الله في (الطُّرق الحُكمية) مُعلِّقًا على ما قاله الإمام الحنبلي أبو الوفا ابن عقيل (ت513هـ) -الذي قال عنه ابن تيمية: كان من أذكياء العالم. وكل الذين درسوا ابن عقيل يعلمون أنه رجل بالغ الذكاء، موسوعي المعرفة، حُرُّ التفكير- قال: (قال ابن عقيل في (الفنون): جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم. ولا يخلو من القول به إمام.

فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع.

فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي.

فإن أردت بقولك: (إلا ما وافق الشرع) أي لم يخالف ما نطق به الشرع؛ فصحيح.

وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع: فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن. ولو لم يكن إلا تحريق عثمان المصاحف [20]، فإنه كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي رضي الله عنه، الزنادقة في الأخاديد، فقال:

لما رأيت الأمر أمرًا منكرا أججت ناري ودعوت قُنْبرا [21]

ونفي عمر رضي الله عنه لنصر بن حجاج اهـ.

قال ابن القيم مُعلِّقًا:

(وهذا موضع مَزَلَّة أقدام، ومَضَلَّة أفهام. وهو مقام ضنك، ومعترك صعب.

فرط فيه طائفة: فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرَّؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها. وسدوا على نفوسهم طُرُقًا صحيحة من طُرُق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها، مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا: أنها حق مطابق للواقع، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع. ولَعَمْرُ الله! إنها لم تنافِ ما جاء به الرسول، وإن نَفَتْ ما فهموه هم من شريعته باجتهادهم.

والذي أوجب ذلك:

1. نوع تقصير في معرفة الشريعة.

2. وتقصير في معرفة الواقع.

3. وتنزيل أحدهما على الآخر.

فلما رأى ولاة الأمور ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمر، إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة: أحدثوا من أوضاع سياستهم شرًّا طويلاً، وفسادًا عريضًا. فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه، وعزَّ على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك، واستنقاذها من تلك المهالك.

وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله وحكم رسوله.

وكلا [22]الطائفتين أُتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه؛ فإن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات. فإن ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان: فثَمَّ شرع الله ودينه. والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طُرُق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة، وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها. بل قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطُّرُق: أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط: فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدِّين، ليست مخالفة له) اهـ.

ثم يقول:

(فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه. ونحن نسميها (سياسة) تبعًا لمصطلحكم. وإنما هي عدل الله ورسوله ظهر بهذه الأمارات والعلامات، فقد حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة [23]، وعاقب في تهمة لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم؛ فمن أطلق كل متهم وحلَّفه وخلَّى سبيله -مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل- فقوله مخالف للسياسة الشرعية.

وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الغالَّ من الغنيمة سهمه، وحرَّق متاعه هو وخلفاؤه من بعده [ [24، ومنع القاتل من السلب لما أساء شافعه على أمير السرية فعاقب المشفوع له عقوبة للشفيع [25]، وعزم على تحريق بيوت تاركي الجمعة والجماعة [26]، وأضعف الغرم على كاتم الضالة عن صاحبها [27]، وقال في تاركي الزكاة: "إنا آخذوها منه وشطر ماله، عَزْمة من عزمات ربنا" [28]، وأمر بكسر دنان الخمر [29]، وأمر بكسر القدور التي طبخ فيها اللحم الحرام. ثم نسخ عنهم الكسر، وأمرهم بالغسل [30]، وأمر المرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها) [31] اهـ.

إلى غير ذلك مما ثبت بصحاح الأحاديث من سياسته صلى الله عليه وسلم.

وسلك أصحابه وخلفاؤه من بعده ما هو معروف لمن طلبه، فمن ذلك:

أن أبا بكر رضي الله عنه، حرق اللوطية، وأذاقهم حَرَّ النار في الدنيا قبل الآخرة.

وحرق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حانوت الخمار بما فيه. وحرق قرية يباع فيها الخمر.

وحرق قصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما احتجب في قصره عن الرعية.

وحلق عمر رأس نصر بن حجاج، ونفاه من المدينة لتشبيب النساء به [32].

وضرب صَبِيغ بن عِسْل على رأسه، لما سأل عما لا يعنيه.

وصادر عماله فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوا بجاه العمل، واختلط ما يختصون به بذلك. فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين.

وألزم الصحابة أن يُقِلُّوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتغلوا به عن القرآن؛ سياسة منه، إلى غير ذلك من سياساته التي ساس بها الأمة رضي الله عنه.

ومن ذلك: جمع عثمان رضي الله عنه، الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة التي أطلق لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة بها؛ لما كان في ذلك مصلحة، فلما خاف الصحابة رضي الله عنهم، على الأمة أن يختلفوا في القرآن، ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم، وأبعد من وقوع الاختلاف: فعلوا ذلك، ومنعوا الناس من القراءة بغيره.

ومن ذلك: تحريق علي رضي الله عنه الزنادقة الرافضة، وهو يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الكافر، ولكن لما رأى أمرًا عظيمًا جعل عقوبته من أعظم العقوبات؛ ليزجر الناس عن مثله.

?مرونة السياسة الشرعية وقابليتها للتطور:

ثم قال ابن القيم:

(والمقصود: أن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة تختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة. ولكل عذر وأجر. ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين.

وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وأضعافُها هي من تأويل القرآن والسنة. ولكن هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فتتقيد بها زمانًا ومكانًا؟) [33] اهـ.

ولا ريب أنها سياسات جزئية اقتضتها المصالح في زمانها ومكانها وحالها، فإذا تغيَّر الزمان أو تبدَّل المكان أو تطوَّر الحال: وجب النظر في الأحكام القديمة في ضوء الظروف الجديدة. وهنا يمكن أن تُعدَّل أو تغير وفق الظروف والمصالح المستحدثة. ولا يجوز الجمود على القديم، وإن كان من وراء ذلك من الضرر على المجتمع والأمة ما فيه، بدعوى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. فالواقع أن في إمكان الإنسان أن يفعل الكثير، إذا توافر له العلم والإرادة، ولا سيما في عصرنا الذي منح الإنسان طاقات وقدرات هائلة، لم تدر بخلده من قبل.

ومن المعلوم أن ما أقرَّه ابن القيم في كلامه عن سياسة التعزير بالعقوبات المالية -وهو مذهب الحنابلة- خالفته مذاهب أخرى، وإن كان ما ذكره ابن القيم هو الراجح للأدلة التي استند إليها.

وفي هذا الاختلاف بين المذاهب والفقهاء سَعَة ورحمة للأمة بصفة عامة، وفي مجال السياسة بصفة خاصة. لا لننظر في الأقوال ونأخذ منها ما نشتهي وما يحلو لنا دون ترجيح بأي معيار، فهذا ليس إلا اتِّباعًا للهوى. ولكن هذه الثروة الكبيرة تتيح فرصة أوسع للانتقاء، والترجيح بين الآراء، واختيار ما هو أليق بتحقيق مقاصد الشرع، ومصالح الخلق التي لأجلها نزلت الشريعة
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى