منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رحيل رجل عظيم..رحيل رجل عظيم..د.حسن نافعة

اذهب الى الأسفل

رحيل رجل عظيم..رحيل رجل عظيم..د.حسن نافعة Empty رحيل رجل عظيم..رحيل رجل عظيم..د.حسن نافعة

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين فبراير 04, 2008 3:15 am

كنت قد فرغت من إعداد حقيبتي في ساعة متأخرة من ذلك المساء وتوجهت إلي فراشي استعدادا لرحلة سفر طويلة تنتظرني في اليوم التالي، حين ألح علي فجأة خاطر يهيب بي فتح بريدي الإلكتروني عسي أن تكون به رسائل عاجلة ربما لا يتسع الوقت لقراءتها والرد عليها. وعند مراجعة القائمة، وقعت عيناي علي رسالة تحمل عنوان «تعازي» فتجاوزتها، متصورا أنها تنتمي إلي نمط يتكرر كثيرا ويتطلب القيام بواجبات يحتاج أداؤها أحيانا إلي متسع من الوقت لم يكن متاحا في تلك اللحظة. غير أن هاتفا غامضا انطلق في داخلي من جديد وراح يلح علي لفتح هذه الرسالة بالذات، والتي ما إن قرأتها حتي تسمرت عيناي من هول ما حملته سطورها من مفاجأة. كانت الرسالة تنعي للأمة واحدا من خيرة رجالها، هو الدكتور عزيز صدقي. آلمني كثيرا أن أتلقي خبر رحيله بهذه الطريقة، وآلمني أكثر ألا تسمح ظروفي بالمشاركة في وداعه. فالوفاة، كما تقول الرسالة الناعية، حدثت في باريس، وموعد عودة الجثمان إلي القاهرة وتشييعه إلي مثواه الأخير لم يتحددا بعد، وأنا مقيم في عمان أتهيأ للتوجه للمطار، كي ألحق بطائرة يفترض أن تحملني بعد سويعات قليلة إلي النصف الآخر من الكرة الأرضية، وذلك للمشاركة في مؤتمر يعقد في مدينة بريسبان الأسترالية. ولأنه لم يكن أمامي سوي الاستسلام لمشيئة الله، فقد رحت أستعيد شريط ذكريات جمعتني مع رمز وطني وقومي كبير، شاءت الأقدار أن تنمو علاقتي به بسرعة مذهلة، علي الرغم من أنني لم أتعرف عليه شخصيا إلا منذ حوالي ثلاث سنوات. لقائي الأول بالدكتور عزيز صدقي جاء في سياق اجتماع عقد في مكتبه وضم عددا من الشخصيات العامة جمع بينها قلق متنام علي مستقبل مصر، ومن ثم رأت أن تتبادل الرأي حول ما يتعين القيام به لمواجهة تحديات مرحلة بدت لهم مفصلية وخطيرة. وحين وصل النقاش إلي منتهاه اتفق الجميع علي توجيه نداء للأمة يوضح لها خطورة اللحظة الراهنة، ويحث قواها الحية والفاعلة علي رص صفوفها لإحداث التغيير المطلوب بالطرق السلمية. وهنا راحت الأنظار تبحث عمن هو جدير للقيام بهذه المهمة قبل أن تتوقف دون سابق إنذار أو اتفاق عند شخص المستشار طارق البشري، الذي اعتذر لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن، لينتهي الأمر بتكليفي للقيام بتلك المهمة. لم يدر في خلدي حينئذ أن تلك اللحظة ستشكل نقطة انطلاق لحوار فرضته الظروف علينا دون سابق إعداد أو إنذار دون أن يسعي إليه أي منا، وظل موصولا دون انقطاع حتي رحيله المفاجئ. حين رحت أتأمل أسباب تطور علاقتي بالدكتور عزيز صدقي بهذه السرعة بدا لي أنها تعود إلي تطابق آرائنا، ومنذ أول جلسة حوار ثنائي معه، حول قضيتين أساسيتين: الأولي تتعلق بالموقف الذي يتعين اتخاذه من النظام السياسي القائم، واتفقنا علي أن هذا النظام لم يعد قادرا علي أداء وظائفه الطبيعية بالكفاءة التي تتطلبها تحديات المرحلة الراهنة، وأنه لا أمل في إصلاحه من داخله في ظل المعطيات القائمة، وأن الحاجة باتت ملحة لإقامة نظام سياسي جديد. أما القضية الثانية فتتعلق بطبيعة النظام البديل الذي تعين الدعوة إليه والسعي لإقامته. وكان تقديرنا أن هذا النظام الجديد يتعين أن يتسع للكافة، بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، وأن يكون من صنع الجميع دون استبعاد لأحد أو استثناء لأحد، وأن تسبقه مراجعة شاملة علي مستوي الخطاب والممارسة تؤكد من خلالها القوي والتيارات كافة أن أحدا لا يملك الانفراد باحتكار الحقيقة وأن إنقاذ الوطن يتطلب الاتفاق علي قواعد جديدة لإدارة اللعبة السياسية، يكون بمثابة ميثاق شرف يلزم الجميع ويتعهدون أمام الشعب باحترامه. وفي تقديري أن الاتفاق الكامل حول هاتين القضيتين ولد لدي في الواقع قناعة كاملة بأن الدكتور عزيز صدقي مهيأ بالفعل للعب دور في هذه المرحلة ربما لا يستطيع أحد غيره أن ينهض به، وأن هذا الدور يتمثل أساسا في العمل علي لم شمل كل القوي الراغبة في التغيير، بما فيها قوي الحزب الوطني الراغبة في الإصلاح، إن كان لمثل هذه القوي وجود حقيقي أصلا، ومحاولة مد الجسور فيما بينها لتعظيم القواسم المشتركة إلي أقصي حد ممكن وتضييق الخلافات إلي أدني حد ممكن للوصول إلي اتفاق حول شكل النظام السياسي المطلوب، والقواعد الجديدة التي يتعين إرساؤها لإدارة اللعبة السياسية. وفي تقديري أن الدكتور عزيز كان بدوره يؤمن، في قرارة نفسه، بأنه المؤهل الطبيعي للقيام بهذا الدور في هذه المرحلة تحديدا، وكان علي استعداد لتحمل أعبائه بكل تجرد رغم ضيقه بتصرفات البعض وانزعاجه من مناوراتهم الصغيرة. لذا لم يكن غريبا أن يشعر بالانزعاج عندما راح البعض يفسر ذلك بالحنين للسلطة ورغبته في استعادة الأضواء، وهو أمر كان يؤلمه كثيرا، وكان شديد الحرص علي أن يؤكد لي في كل مناسبة أنه لا يسعي لأي منصب تنفيذي، وأنه سيرفض أي منصب من هذا النوع حتي لو عرض عليه، وكثيرا ما كان يستغرب أن يتصور أي عاقل تطلع رجل مثله تجاوز الخامسة والثمانين من عمره وراءه تاريخ حافل بالإنجازات، إلي منصب تنفيذي في ظروف كتلك التي تمر بها مصر في هذه المرحلة. لا جدال عندي في أن الدكتور عزيز صدقي كان يملك كل الصفات التي تؤهله ليصبح رجل المرحلة، رغم حدة انفعالاته وردود أفعاله، التي أخطأ البعض تفسيرها أحيانا، فرغم تسفيهه أطروحات الدوجماتية العقيمة، فإنه كان يملك رؤية واضحة وواعية لما يتعين القيام به لتمكين مصر من النهوض من جديد واستعادة دورها ومكانتها، وهي رؤية جمعت في تقديري بين إيمان بوطنية مصرية تحافظ في الوقت ذاته علي انتماء مصر العربي، ودور القطاع العام والعدالة الاجتماعية في عملية التنمية دون إنكار في الوقت ذاته لدور وأهمية آليات السوق في زيادة الانتاجية وتحقيق الفاعلية الاقتصادية.. وبدا، رغم رفضه القاطع قيام دولة دينية في مصر، شديد الإيمان بحق الإخوان المسلمين في المشاركة في صياغة مستقبل مصر، ولديه احترام حقيقي لأهم رموزهم. أكثر ما أثار قلق الدكتور عزيز صدقي أمران، الأول: بيع القطاع العام بطريقة بدت هوجاء، ورأي فيها مساسا بأمن مصر الوطني والقومي، والثاني: استشراء الفساد علي نحو غير مسبوق وكان يري أن الحل الأمثل لإنقاذ مصر هو حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية يتم خلالها إعادة ترتيب الأوضاع، بما يسمح بوضع أسس لنظام سياسي جديد أكثر فعالية. ورغم حدة معارضته النظام القائم فإنه كان رجلا عف اللسان لا يحب المهاترات، وكان لايزال يأمل حتي آخر لحظة من حياته، بل لا يستبعد، أن يقدم الرئيس مبارك علي خطوات جذرية لتصحيح الأوضاع. فقد حكي لي مرة عن ملابسات وتفاصيل لقاء جمعه في مكتبه بالدكتور أسامة الباز، بدا بعده أكثر تفاؤلا بإمكانية اقتناع الرئيس مبارك بفكرة حكومة الوحدة الوطنية. وعندما فهم مغزي ابتسامة عريضة راحت ترتسم علي شفتي أدرك منها أنني أستبعد ذلك كلية، لم يتردد في القول إن خبرته تقول له إنه لا مستحيل في السياسة، وأنه لم يفقد الأمل بعد في الرئيس مبارك. شاءت الأقدار أن أراه للمرة الأخيرة في اسطنبول عندما شاركنا معا، ودون ترتيب سابق، في «ملتقي القدس الدولي» منتصف نوفمبر، وأن يمتد حواري معه ساعات طويلة هذه المرة. ففي ذلك اليوم توجهنا معا من الفندق لحضور الجلسة الافتتاحية، وعدنا معا في سيارة الدكتور سليم الحص، وتناولنا وجبتي الغداء والعشاء معا علي انفراد. وخلال تلك الساعات الطويلة تواصل الحوار وتخللته أحاديث حميمة عن علاقاته بالرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك. ولم يدر بخلدي قط، حين ودعته مصافحا في اسطنبول مساء ذلك اليوم، أن تلك ستكون مصافحة الوداع الأخير. فقد كنت أنتظره في عمان يوم ٢١ فبراير القادم للمشاركة في ورشة عمل ينظمها منتدي الفكر العربي بمناسبة مرور ٥٠ عاما علي قيام الوحدة بين مصر وسوريا. ففي اتصال تليفوني جري مع الأستاذ أحمد حمروش منذ حوالي أسبوعين أكد لي أن الدكتور عزيز صدقي سيأتي معه إلي عمان وكنت أتوق كعادتي للقائه. غير أن غيابه بات اليوم مؤكدا. لذلك سأفتقده كثيرا، بل سأفتقده دائما ليس في هذه المناسبة وحدها وإنما في كل المناسبات الوطنية. حقا لقد فقدت مصر والأمة العربية، برحيل عزيز صدقي، واحدا من أهم رجالها العظام. نسأل الله له الرحمة ونتوجه لأسرته وكل أصدقائه ومحبيه في مصر والعالم العربي بخالص العزاء.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى