منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بارانويا السياسة الأمريكية 2/2 ـ محمد يوسف عدس

اذهب الى الأسفل

بارانويا السياسة الأمريكية 2/2 ـ محمد يوسف عدس Empty بارانويا السياسة الأمريكية 2/2 ـ محمد يوسف عدس

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين فبراير 04, 2008 3:04 am

تجتذب الكنائس في أمريكا أعداداً هائلة من البشر الهاربين من الخواء الروحي والاضطرابات النفسية والقلق الاجتماعي، الذين يتطلعون إلى بعض نسمات من النشوة الروحية والتخلص من الآلام والأمراض "النفسجسدية" التي تنغض حياتهم.
أما سر هذا النشاط الديني المحموم فهو أن هؤلاء الناس جميعاً يعتقدون أن عودة المسيح قد حان أوانها وأن احتمال وقوعها في زمنهم احتمال مرجح، وهم يريدون أن يقدموا خيراً يؤهلهم للخلاص ورضاء المسيح عليهم وصحبته في ملكوت السعادة الأبدية لذلك يسابقون الزمن ويشمرون عن سواعد الجد في هذه الفسحة الضئيلة من الزمن الذي يوشك على نهايته!
ثالثاً: برهنت كارثتا واكو وروبى ريدج على أمرين: برهنت للسلطات الأمريكية أن العنف أصبح إمكانية واردة مع ازدهار وتشعب الجماعات والمليشيات المسلحة، خصوصاً أولئك النبوئيون المتطرفون في المجتمع الأمريكي.. وبرهنت لهذه الجماعات على صحة عقائدهم، لأن التدخل المسلح من جانب السلطات في حد ذاته متوائم مع التوقعات التقليدية الواردة في نبوءاتهم، ويبدو هذا أكثر وضوحاً عند جماعة معروفة باسم "ما بعد الكارثة" –Past tribulationists كما يسمون أنفسهم أيضاً باسم "الفرقة الناجية"، هؤلاء يؤمنون بأن عليهم أن يقاتلوا قتالاً طاحناً خلال فترة الاضطراب العظيم الذي سيحل بالأرض كإرهاص ومقدمة لعودة المسيح...
(تزايد عدد المليشيات الانفصالية في الريف الأمريكي المحافظ حتى بلغ وفقاً لبعض التقديرات ثمانين ألف عضو انضم معظمهم إلى هذه المليشيات خلال عامين اثنين بين مجزرة واكو (1992م) وتفجيرات أوكلاهوما (1994م).
لم تخلق مجزرة واكو مناخاً جديداً فيما يتعلق بشيوع نظرية المؤامرة وموقف العداء من الحكومة الفدرالية، فقد كان هذا المناخ سائداً من قبل ولكن "واكو" أكدت هذا المناخ وعززته ..ووجد الانفصاليون في الالتحاق بالمليشيات التي تتدرب على العنف تعبيراً عن غضبهم المكبوت وشعورهم بالتهديد والتآمر المستمرين من جانب السلطات الفدرالية.
تعاظم نشاط هذه الجماعات والمليشيات خصوصاً في شمال الغرب الأمريكي على طول ساحل المحيط الهادي، وهي مناطق غابات توفر ملاذات آمنة وحصينة لهذه الجماعات الثورية الانعزالية من اليمين المتطرف.
يقول داميان تومسون في كتابه "نهاية الزمن" في تصنيفه لهذه الجماعات: "إنهم يمثلون تفكيكاً لثلاثة مدارس فكرية، فمنهم "النازيون الجدد" المعجبون بالرايخ الألماني الثالث (على عهد هتلر)، ومنهم "المسيحيون الوطنيون" الذين يستشهدون بالإنجيل والدستور الأمريكي، وإلى جانبهم يوجد عشرون ألف عضو في حركة تعرف باسم "الهوية المسيحية" تقف عقيدتهم في موقع ما بين النازيين والوطنيين، ويؤمن هؤلاء بأن الآريين البيض هم الأحفاد الحقيقيون المباشرون للقبائل الإسرائيلية القديمة، بينما اليهود هم "بذرة الشيطان" الدخيلة.. وترجع جذور هذه الجماعة إلى نهاية القرن التاسع عشر وكان يطلق عليها في ذلك الوقت اسم "البريطانيون الإسرائيليون"، عبرت هذه الجماعة خلال القرن العشرين المحيط الأطلسي لتستقر في العالم الجديد وتتخذ هوية أمريكية، وقد حملت معها كراهية شديدة لليهود.
يستطرد داميان تومسون فيوضح لنا أن هذه الاختلافات الأيديولوجية لا تمثل حاجزاً حقيقياً عند هذه الجماعات من الناحية العملية، ذلك لأن العنصر المشترك والحاسم كمؤهل للالتحاق بها هو الشعور المشترك باقتراب نهاية العالم.. والخوف من أن يقع العالم في أيدي القوى الشريرة، وهم يعتقدون أن الحكومة الفدرالية جزء من هذه القوى الشريرة..
لذلك يرى بعض المحللين أن أحد عوامل هزيمة جورج بوش الأب في انتخابات الرئاسة يرجع إلى أنه – في لحظة حماسه – أطلق عبارة "النظام العالمي الجديد" وهي عبارة سيئة السمعة في الكتابات التقليدية لأصحاب العقائد النبوئية، الذين تخلوا عن تأييده فخسر المعركة الانتخابية بعد أن خسر رصيده الذي اجتهد في بنائه فترة من الزمن باعتباره "مسيحي عائد".
حرب الثقافات:
في تحليل المزاج الأمريكي الجديد صدر كتاب بعنوان "حرب الثقافات" من تأليف جيمس دافيسون هنتر (1991م) من جامعة فيرجينيا. يرصد المؤلف فيه الانقسامات الحادة التي وقعت خلال القرن العشرين في الحياة الأمريكية العامة فمزقت الأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية والمهنية، حيث تدور حرب ثقافية ضارية بين التقليديين المحافظين من ناحية وبين الليبراليين من ناحية أخرى.
ظل هذا الكتاب موضع أخذ ورد ومناقشات واسعة في الحياة الفكرية العامة لفترة طويلة. ويعتبر هذا الكتاب إطاراً فكرياً لتحليل المعارك الدائرة بين الأطراف المتعارضة حول قضايا المرأة والإجهاض والقانون، ولكنه إلى جانب هذا يلقى كثيراً من الضوء على القلق العام الذي يسيطر على كثير من الأمريكيين في السنوات الأخيرة. هذا القلق ليس صادراً عن قصور أو عدم وضوح في الرؤية، وإنما تولد من الصراع المستعر بين رؤيتين مختلفتين لمستقبل أمريكا: رؤية ليبرالية ورؤية تقليدية، يحاول أصحابها كلّ من ناحيته فرضها على المواطنين وبالتالي إجبارهم على أنماط جديدة من السلوك بإزاء القضايا المطروحة، قد تكون قضية مفردة تدور حولها المعارك مثل حق المرأة في الإجهاض، أو حق الشواذ جنسياً في الالتحاق بالجيش ،أو حق الزواج المثلي (الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة) أو إلغاء عقوبة الإعدام.
وقد تدور المعارك حول قضية شاملة كالإصلاح السياسي أو غير ذلك من القضايا.. حيث يشعر الملايين من الأمريكيين الذين لا ينتمون إلى أي من هذين التيارين بالتهديد الواقع عليهم من كلا الجانبين، ويرون أنفسهم في بؤرة الهدف الذي تصوب إليه سهام المتقاتلين في هذه المعارك، وهذا هو مصدر قلقهم الدائم.
كانت كارثة "واكو" تصويراً كلاسيكياً لهذا الموقف في حرب الثقافات بين مؤسسة حكومية علمانية وبين الثائرين النبوئيين، حيث يجهل كل من الطرفين العقيدة التي تحرك الآخر.
ويمكن النظر إلى كارثتي "واكو" و "وروبى ريدج" باعتبارهما معركتين ساخنتين في عملية صراع طويلة المدى، كما يمكن النظر إليهما كزلزالين عند خط الانزلاقات الأرضية الذي يشق الأمة نصفين، فهناك هوة سحيقة آخذة في الاتساع بين كل من العقيدتين المتصارعتين، يرى جيمس هنتر أن الصراع بينما ليس له نظير – من حيث الحدة والتشعب – في أي أمة أخرى.
أمامنا إذن حقيقة لا ينبغي أن نستهين بها وهي أن عوامل التفكك في المجتمع الأمريكي واقع وليس خرافة، وأن القادة الأمريكيين يدركون هذا الواقع ويحاولون احتواءه أو التقليل من مخاطره. وليس السيناريو الإمبريالي الذي تتبناه الإدارة الأمريكية الحالية مقطوع الصلة بهذه المحاولات، ذلك أن حشد الجماهير الأمريكية وراء حرب الإرهاب العالمي المزعوم من شأنه أن يجمد الصراعات الداخلية ويركز الانتباه على عدو خارجي قد يكون وهماً، ولكنه ليس هو الوهم الوحيد الذي يعشش في عقول الأمريكيين...
كانت تفجيرات أوكلاهوما هي التي نبهت الجمهور الأمريكي إلى وجود جماعات أمريكية من أشرس الأصوليين وأكثرهم تعصباً وأشدهم وطأة في العالم، وهي التي نبهت الأذهان إلى وجود مليشيات مسلحة منتشرة في 38 ولاية على الأقل.. وقد سارعت وسائل الإعلام الأمريكية بإلصاق التهمة بالإرهاب الإسلامي، وظلت كذلك معلقة في رقاب المسلمين حتى تم اكتشاف الإرهابيين الحقيقيين، وكان هذا بالصدفة المحضة وليس بالسعي والاجتهاد ولولا ذلك لبقيت مسئولية هذه الجريمة معلقة بالمسلمين إلى الأبد...
الجماعات الانفصالية:
هذه الجماعات أخذت على عاتقها تنفيذ التعديل الثاني للدستور الفدرالي الذي ينص على "أن المليشيات المنظمة تنظيماً جيداً ضرورة أمنية لأي ولاية حرة، وأن حق الناس في أن يحملوا أسلحة ويحتفظوا بها حق لا ينبغي انتهاكه"، وبسبب هذا النص الدستوري فشل الرئيس السابق بل كلينتون إقناع الكونجرس بإصدار تشريعات تحرم على الأفراد حمل الأسلحة بعد أن تعددت حوادث القتل العشوائي في المدارس وفي الأماكن العامة.
تؤمن هذه الجماعات بأن الحكومة الفدرالية حكومة فاسدة بطبعها وأن عملاءها في حكومات الولايات إرهابيون متآمرون معها ولذلك فإنهم لا يدينون بالولاء لهذه الحكومات.
تبدو هذه الظاهرة غير مفهومة.. وهي غير معروفة في العالم الخارجي بل كانت بعيدة عن بؤرة الاهتمام حتى بالنسبة للجمهور الأمريكي نفسه قبل حادثة أوكلاهوما، ولكنها خضعت للدراسة والتحليل أخيراً وأفاض في الكتابة عنها كثيرون لعل من أبرزهم "ستيفن روبنسون" الذي كتب عنها مقالاً بعنوان "الأصوليون الأمريكيون" في صحيفة "ديلى تلغراف" بتاريخ 24 إبريل 1995م، و"إيفانز بريتشارد أمبروز" الذي كتب عنها مقالاً آخر بعنوان "الحرب المقدسة" في "صنداى تلغراف (إبريل 1995)، وصدر في نفس السنة كتاب عن الموضوع نفسه بعنوان "من داخل حركة المليشيات" ألفه "وليام فولمان" الذي التقى بعدد من أعضاء هذه المليشيات وتحدث إليهم.. يصف فولمان أحدهم (يسميه مستر فليتشر) بأن كراهيته للحكومة الفدرالية تتوارى أمامها كل كراهية عرفتها في حياتي، ويكتب على لسانه يقول: " ليكن أعداؤنا على يقين بأن المتعاونين مع حركتنا موجودون في الجيش والأسطول على جميع المستويات حتى أعلى القيادات" ويضيف متنكراً: "إننا نريد أن نفهم لماذا يبني جيش الولايات المتحدة سجوناً في داخل قواعده؟ ولماذا ينزلون تحت الأرض ويضعون كاميرات في الأنفاق للمراقبة تحسباً من أن يلجأ إليها الوطنيون .. إنني أفكر في هذه الأمور منذ عشرة أعوام ولا أجد لها جواباً شافياً"...
يقول جارى ويلز في مقال له بعنوان "الثوريون الجدد":
"لقد أصبحت الحكومة الفدرالية هي العدو الأول للحرية في نظر الثوار الجدد على اختلاف مواقفهم الأيديولوجية".
وبعد ..
إن الشك وانعدام الثقة في الحكومة الفدرالية والكراهية الشديدة لها تجرى في أعماق قطاعات كبيرة من المجتمع الأمريكي، فلم تعد مقصورة على جماعات منعزلة أو هامشية.. كذلك فإن شيوع نظرية المؤامرة والهواجس التي تتصل بفكرة "النظام العالمي الجديد" وعودة الحماس لتأكيد حقوق الولايات واستقلالها في مواجهة الغول الفدرالي، وانتشار المليشيات المسلحة التي تعمل تحت الأرض، وانتصار اليمين الأصولي المتطرف وسيطرته الحالية على الإدارة الأمريكية والبنتاجون، كل هذه مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت منعطفاً خطيراً في تاريخها السياسي.
ولم يعد الأمر مجرد تكهنات فقد خرجت أمريكا بعد حادثة 11 سبتمبر 2001م في حملة إمبريالية للسيطرة على العالم تحت ستار حرب الإرهاب، وحتى في داخل المجتمع الأمريكي نفسه أسفرت اليد الباطشة عن نفسها في سلسلة من القواين الاستثنائية والإجراءات التعسفية ضد فئة من المواطنين الأمريكيين والمقيمين لمجرد أنهم مسلمون، بحجة البحث عن إرهابيين!
هذه الهستريا الهائجة والمصحوبة بنذر كارثة اقتصادية في الأفق تعزز – في نظري – فكرة "ريتشارد هوفشتاتر" بأننا نشهد اليوم نوبة جديدة عارمة من نوبات البارانويا في السياسة الأمريكية، ويبدو لي أن الذين سيدفعون فاتورة إعادة التوازن العقلي لأمريكا هم المسلمون في كل مكان، لا من ثرواتهم فحسب بل من حريتهم وثقافتهم ووجودهم..(وما يحدث الآن فى فلسطين المحاصرة،وفى العراق المدمرة ، وفى أفغانستان والصومال والسودان ، إلا دليل على هذا الذى نزعم...)
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى