"أبو تريكة" جمع القلوب

كان أمس يوما رائعا بالنسبة لنا نحن الصحفيون والاعلاميون العرب. قلت لكم في مقال سابق كيف كان البعض منهم يوم مباراة الكاميرون يتوقع هزيمتنا، ليس كرها ولا حقدا، ولكن رغبة في التنكيت وحرق الدم والمداعبة، فهي كرة وليست أكثر من ذلك.
الحقيقة فعلا أنها ليست أكثر من ذلك. بعد مباراة السودان اتصل بي هذا البعض لنتقابل، فقد أحسوا أن شيئا يدبر في الكاف ضد أبو تريكة، فوكالات الأنباء حملت اجتهادات قد تتحول إلى واقع مؤلم. هؤلاء الصحفيون الذين يعملون في مطابخ الأخبار اطلعوا سريعا على تلميحات دارت في أروقة الكاف.
البريد الالكتروني والمواقع التي تجمع الناس وتكون بينهم صداقات في فضاء الانترنت، اختراع رائع ينقل رد الفعل في سرعة البرق، يعكس اهتمامات الناس وقضاياهم ويوجههم أحيانا لمقاومة الظلم قبل أن يقع.
تحرك كثيرون لمنع أي قرار تعسفي ضد النجم المصري الذي تربع على القلوب من المحيط إلى الخليج خلال ثانية واحدة من رفعه الستار عن شعار التعاطف مع غزة. الزملاء من المغرب وتونس والسودان اتصلوا بمسئولي بعثاتهم في غانا لمؤازرة أبو تريكة مهما كان الثمن. مئات الرسائل الالكترونية عرفت طريقها إلى الكاف، ومنها من توجه إلى الفيفا.
عصر أمس كتبت مقالا في موقع شهير أتمنى أن يخيب الكاف الاجتهادات الاعلامية التي توقعت صدور عقوبة ضد النجم أبو تريكة، فهو لم يخالف قوانين الفيفا ولم يحمل شعارا سياسيا أو دينيا، بل كشف عن شعور انساني راق تستهدفه المسابقات الرياضية في الأساس، فلا معنى لمكسب أو جهد يبذل في الجري وراء جلد منفوخ إذا لم يعبر عن شئ مساند للانسانية، ينطق بمعاني الرحمة وحقوق المجتمعات في الحياة الكريمة.
وفي الوقت نفسه قرأت لغيري نفس الأمنية معتبرين أن عيسى حياتو ورجاله لن يسمحوا لأنفسهم بالوقوع في سقطة عقاب أبو تريكة، فقد رفع لاعب غاني العلم الاسرائيلي في مونديال المانيا 2006. وهو سلوك يعكس العنصرية والمعاني السياسية، ولم يعاقبه أحد ولم يتحدث أحد محتجا، فلماذا ذلك الغضب من اللاعب المصري الذي دمج بين الرياضة النظيفة والروح الانسانية الراقية؟!
علمنا أن ضغوطا مورست فعلا على عيسى حياتو ورجاله، وأرسلنا لهم بثقتنا في تقديرهم لحجم المأساة الانسانية في غزة، فالمعنى الانساني الجميل لفعل أبو تريكة لمس كل القلوب وطابت له النفوس.
وحملت رسائل الزملاء إلى الكاف وإلى بعثات تونس والمغرب والسودان والسنغال وغينيا ومالي ونيجيريا مغزى الشعار الانساني للتعاطف مع غزة، وخروجه من نجم مشهور بالعمل الخيري. أحبه الفقراء ومن تقطعت بهم سبل الحياة في مصر، لما يقدمه للمحتاجين. له مندوبون يطوفون مناطق الفقر والعشوائيات ليسد رمق جائع وليشتري الدواء لمريض يتأوه من الألم.
مساء حملت وكالة الأنباء الألمانية نبأ يقول بالنص إن الكاف اكتفى بتوجيه تحذير إلى اللاعب المصري ولم يتخذ أي عقوبات ضده بعد مجموعة رسائل البريد الالكتروني التي وصلت إلى الكاف من قبل الصحفيين ووسائل الاعلام المتابعة للبطولة والتي تعلن تعاطفها معه.
ونقلت الوكالة تعاطف منتخبات تونس والمغرب والسودان والاتحاد الجزائري لكرة القدم مع أبو تريكة والمنتخب المصري خاصة أنه لم يقم بأي تصرف يضر أحدا.
يوم الخميس الماضي كنت مع الداعية عمرو خالد وقال لي إن ما يحدث لغزة سيجمع كلمتنا وقلوبنا، وهي عبارة تأكدت منها أمس بهذا التعاطف العربي والاسلامي الواسع.
تحول الشعار الذي أظهره أبو تريكة إلى مشروع جامع للأمة دون تزويق ولا تنميق ولا دعاية اعلامية ولا أبواق.

فراج إسماعيل