أسباب تغير الأخلاق 4

إن الفقر هو السبب الرابع لتغير أخلاق الناس ، فمن افتقر بعد غنى قد يتغير خلقه إلى الأسوأ وذلك إما عن أنفة وكبر واستعلاء خوفا من ذل الاستكانة والضعف الذي أصبح عليه أمام الناس ، أو أسفا وندما على ما فاته من الغنى الذي كان يعيش فيه من قبل ، ولهذا روى في الأثر عن الرسول الكريم : كاد الفقر أن يكون كفرا ، لأنه قد يخرج الإنسان عن مسلكه الصحيح مما قد يفسد عليه دينه وخلقه وهذه من اشد الأسباب التي يحتاج صاحبها إلى معونة الناس على اجتياز هذه المرحلة فيقول حكيم : اشد ما يأتي على الكريم السخي عند ذهاب ماله .. ملامة من كان يمدحه ، وجفاء من كان يبره ويحسن إليه ويقول أيضا : إذا أثريت ( اى اغتنيت ) فكل رجل رجلك وإذا افتقرت أنكرك اهلك .. وهذا شيء نراه كل يوم ولهذا قيل إن خير الإخوان من اقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك ، الصديق من صدقك وده وبذل لك رفده ( اى ماله ) وسئل بعض الولاة : كم صديقا لك ؟ قال : لا ادري :! .. فالدنيا مقبلة الآن على والناس كلهم الآن أصدقائي ، وإنما اعرف ذلك إذا أدبرت الدنيا عنى ، ولهذا رغب النبي الكريم حين الغنى أو الفقر بالانضباط على الحق فقال : إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع إن إصابة الناس والأصحاب ببلاء الفقر بعد الغنى لاشك يغير كثيرا فيهم وهذا تبعا لما تحتويه صدورهم من الحق أو الباطل وتبع أيضا لنظرة الناس إليهم فإذا كان الناظر إليهم من أصحاب الدنيا نظر إليهم نظرة استعلاء وتكبر ولهذا قال حكيم : إذا أقبلت الدنيا على الرجل أعطته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه . فصارت الشجاعة في حق الفقير تهورا والإنفاق منه سرفا والحلم منه خنوعا .. ويا للأسف هذا ما يحدث ، ولهذا يقول على ( رضي الله عنه):شرط الصحبة إقالة العثرة ومسامحة العشرة والمواساة في العسرة . وما أحلى هذا الكلام وسئل حكيم عن أجود الناس قال: من جاد عن قلة (عن فقر) وصان وجه السائل عن المذلة . وانظر آخى إلى قول احد أكابر الأمة عبد الله بن المبارك (رحمه الله ) حين يقول موجها الأمة إلى روح التاخى والمحبة فقال : لان أقضى حاجة أخ لي أحب إلى من عبادة سنة . وجعفر بن عمر يقول : إن الله خلق خلقا من رحمته برحمته لرحمته وهم الذين يقضون حوائج الناس فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن ..
اللهم اجعلنا منهم ، ولكن قد رغب النبي الكريم الذين أصابهم الفقر بعفة النفس فقال لهم : لاَ تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللهِ لاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأنَا لَهُ كَارهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتُهُ وقال أيضا ترغيبا : منْ تَكَفَّلَ لِي أنْ لاَ يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً ، وَأتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ ونصيحتي لك أيها الأخ الكريم أن تترفق بأصحابك إذا أصابهم البلاء حيث نصحنا ناصح أمين فقال : من لم يكن له أخ يرجع إليه في أموره ويبذل نفسه وماله له في شدته فلا يعد نفسه من الأحياء ونكرر معا قول رسولنا الكريم حين يدعو فيقول : اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار ومن شر الغنى والفقر ..... وللحديث بقية .
محمد وسام الدين

اشكرك جزيل الشكر على الموضوع المفيد

موضوع رائع جدا