شهادة المرأة ومجال الاجتهاد
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
شهادة المرأة ومجال الاجتهاد
شهادة المرأة ومجال الاجتهاد
بقلم: د. أحمد طه ريان
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
ورئيس لجنة موسوعة الفقه الإسلامي
الاهؤام
بقلم: د. أحمد طه ريان
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
ورئيس لجنة موسوعة الفقه الإسلامي
نشرت جريدة الأهرام ـ صفحة اسلاميات ـ مقالين للأستاذة الدكتورة زينب رضوان بعنوان شهادة المرأة وذلك في يومي2007/12/24 و2008/1/7 وانتهت فيهما إلي أن شهادة المرأة مثل شهادة الرجل في كل شيء.. وهذا علي عكس ما جاءت به النصوص القطعية وإجماع الأمة ـ كما نري ـ وذلك من خلال الرد التالي: أولا: مما لاشك فيه أن للعقل عملا في استنباط الأحكام, لكنه يقوم في ميدانين من ميادين الفكر, أولهما: تعرف المرامي والمقاصد من جملة النصوص الشرعية, بأن نتعرف الحكمة من كل نص شرعي جاء بحكم, ونستخرج الضابط الذي يصح أن يطبق بمقتضاه الحكم في كل موضع يشبهه, ثم نتعرف مقاصد الشريعة جملة من مجموع ما استنبط من ضوابط الأحكام المختلفة. وثانيهما: في الاستنباط مما وراء النصوص فيما لا يوجد فيه نص, لأن الحوادث لا تتناهي, والنصوص تتناهي, فكان لابد من استخراج أحكام ما لا نص فيه في ضوء ما ورد فيه نص. ثانيا: يدخل مجال الاجتهاد في أشياء كثيرة ورد فيها النص من القرآن أو السنة إلا أن تطبيقه علي حادثة معينة يحتاج إلي نوع من اجتهاد الفقيه, فقد يكون النص من السنة ظني الثبوت, فيحتاج إلي اجتهاد في التثبت من صحته ونسبته إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأكثر ما يكون هذا في أخبار الآحاد المروية في الفروع الفقهية. ثالثا: وقد يدخل مجال اجتهاد الفقيه في بعض النصوص قطعية الثبوت حينما تكون ظنية الدلالة علي الحادثة المجتهد فيها, حيث يكون مجال الاجتهاد فيها تحقيق مدي دلالتها علي الحادثة, ومدي ملاءمة النص بعد تفسيره ـ ليكون حكما شرعيا في المسألة, وللأصوليين في ذلك اصطلاحات, مثل تحقيق المناط وتنقيح المناط, وتخريج المناط. رابعا: هناك حديث متفق علي صحته ورد في البخاري ومسلم وغيرهما, وفيه: خرج رسول الله في أضحي أو فطر, فمر علي النساء فقال: يامعشر النساء, تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار., فقلن: وبم يارسول الله؟! قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير, ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن! قلن: ومانقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟! قلن: بلي. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟! قلن: بلي. قال: فذلك من نقصان دينها. وهذا الحديث يدل بمنطوقه علي أن شهادتها علي النصف, ويدل بمفهومه علي أن شهادتها مع مثلها كشهادة الرجل, وليس في القرآن ولا في السنة ولا في الإجماع ما يمنع من ذلك, بل القياس الصحيح يقتضيه. يقول الشوكاني: والحديث يدل علي أن العقل يقبل الزيادة والنقصان وكذلك الإيمان, وليس المراد من ذكر نقصان عقول النساء لومهن علي ذلك, لأنه لا مدخل لاختيارهن فيه, والإشارة إلي نقصان العقل يشعر بنقص عقلها عن الرجل إجمالا, أما تفصيلا فقد تكون امرأة أكثر عقلا من كثير من الرجال. خامسا: ليس معني ذكر رجل وامرأتين في الآية الكريمة انتقاصا لشأن المرأة, بل علي العكس من ذلك, لأنه رفع لمكانتها وعلو لمرتبتها, لأن وجود شاهدين قد لا يكون أمرا ميسورا, فهنا بيسر التشريع يستدعي النساء للشهادة, وهو إنما دعا الرجال لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع, المجتمع الذي لا تحتاج المرأة فيه إلي أن تعمل لتعيش, فتجور بذلك علي أمومتها وأنوثتها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية, وهي الطفولة الناشئة من أجل لقيمات أو دريهمات تنالها. سادسا: وإذا تسألنا: لماذا امرأتان؟ فإن النص لا يدعنا نحدس, ففي مجال التشريع يكون كل نص محددا واضحا معللا( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري).. والضلال ينشأ من أسباب كثيرة: من قلة الخبرة بموضوع التعاقد, من طبيعة المرأة الانفعالية, لأن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسيا في المرأة حتما, يستدعي أن تكون شديدة الاستجابة الوجدانية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع إلي التفكير البطيء, وهذه طبيعة لا تتجزأ. إن المرأة شخصية موحدة, هذا طابعها ـ فالمرأة هي المرأة في كل المواقف ـ بينما الشهادة علي التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلي تجرد كبير من الانفعال, ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا حياء. ووجود امرأتين فيه ضمان تذكير إحداهما الأخري إذا نسيت, فضلا عن صيانة المرأة حين تكون إلي جوارها أنثي مثلها, تشعرها بالأمان والاطمئنان. سابعا: إن الشهادة وعدد الشهود ونوعية الشهود كل هذا يختلف بحسب الموضوع المشهود فيه: (أ) فهناك من الشهادات ما لا يقبل فيه أقل من أربعة رجال لا امرأة بينهم, وذلك في الزنا لقوله تعالي والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء).. وهذا فيه صيانة المرأة عن رؤية هذا المشهد, فضلا عن الشهادة عليه وقصه علي القاضي. (ب) ومنها ما يقبل فيه شاهدان لا امرأة فيهما, وهو ما سوي الزنا من الحدود, كالقصاص والقطع والسرقة, وحد الحرابة والجلد في الخمر, وهذا باتفاق الفقهاء. (جـ) وذهب جمهور الفقهاء إلي أن ما يطلع عليه الرجال غالبا, مما ليس بمال ولا يقصد منه مال: كالنكاح والطلاق والرجعة والنسب وغيرها, فإنه يثبت بشهادة شاهدين لا امرأة فيهما, لقوله تعالي وأشهدوا ذوي عدل منكم), وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم في النكاح: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل, وروي مالك عن الزهري قوله: مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق. (د) أما الحنفية فقالوا: ما يقبل فيه شاهدان أو شاهد وامرأتان هو ما سوي الحدود والقصاص سواء كان الحق مالا أم غير مال. (هـ) ومنها ما يقبل فيه شهادات النساء منفردات وهو الولادة والاستهلال والرضاع, وما لا يجوز أن يطلع عليه الرجال الأجانب من العيوب المستورة. ثامنا: إن شهادة المرأة لنفسها مقبولة في دفع ما يرميه بها زوجها, وهي هنا منفردة, ولم يأمرها القرآن أن تأتي بشهود, فشهادة المرأة واقعة في نفي ما رماها به, هذا وقد أجاز رسول الله( صلي الله عليه وسلم) شهادة القابلة علي الولادة, فشهادة النساء جائزة فيما لا يطلع عليه الرجال حتي وإن كانت امرأة واحدة منفردة, وقد مضت السنة بذلك, إذن فليس الأمر انتقاصا لشأن المرأة, لكنه الحفظ والستر لها. تاسعا: إن تعليل وجود امرأتين بأمية النساء وقتها أمر بعيد, لأن المجتمع كان يحوي المتعلمة والشاعرة والأديبة, فضلا عن أن مجتمع الجزيرة كله كان مجتمع البلاغة والفصاحة والحفظ, وأما تعليل عدم مشاركة المرأة في العمل وقتها فبعيد أيضا, لأن الشرع فرق بين الإرادة والتعبير, فللمرأة في الإسلام حق في اختيار زوجها, لكن ليس لها حق في ان تجلس في مجال الرجال لتعبر عن هذه الإرادة, وفي ذلك أيضا رفع لشأنها. عاشرا: أما عن الاستشهاد برأي القرطبي وابن القيم, فنص القرطبي كما جاء في تفسيره هو: فجعل ـ تعالي ـ شهادة المرأتين مع الرجال جائزة في وجود الرجلين في هذه الآية, ولم يذكرها في غيرها, وأجيزت في الأموال خاصة في قول الجمهور بشرط أن يكون معهما رجل, وإنما ذلك في الأموال دون غيرها, لأن الأموال كثر الله أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوي بها. وأما نص ابن القيم في إعلام الموقعين فهو: فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان, فإن قيل: اللفظ مذكر فلا يتناول الإناث, قيل: قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكرين إذا أطلقت ولم تقترن بالمؤنث فإنها تتناول الرجال والنساء, لأنه يغلب المذكر عند الاجتماع.. فقوله تعالي: وأشهدوا ذوي عدل منكم يتناول الصنفين, لكن قد استقرت الشريعة علي أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل, فالمرأتان في الشهادة كالرجل الواحد. فهذان النصان كاملان غير مقتضبين, ويشيران في جلهما إلي ما ذهب إليه جمهور الأمة من أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل. وبعد, فقد جاءت نصوص قطعية الثبوت والدلالة في أن شهادة المرأة علي النصف من شهادة الرجل, ولم يقل أحد بنسخ هذه النصوص ولا إلغائها ولا إيقاف عملها, ولا حتي التأويل في تفسيرها, وذلك لأن انتصاف شهادة المرأة هو في الحقيقة في ميزانها لا في انتقاصها. وإذا كان من الثابت أنه لا اجتهاد مع نص, ومن الثابت أيضا أنه حيثما يوجد شرع الله فثم مصلحة العباد, وفي مثل موضوعنا يوجد النص والمصلحة معا, فلا داعي لتأويل النصوص من أجل مصلحة مزعومة, بعد النساء عنها أكرم لهن من الاقتراب منها. |
رد: شهادة المرأة ومجال الاجتهاد
موضوع اكثر من رائع
ahmed- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 405
تاريخ التسجيل : 07/11/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى