فقــه الأمــةبقلم: د. علي جمعة مفتي الجمهورية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فقــه الأمــةبقلم: د. علي جمعة مفتي الجمهورية
تلقيت عدة رسائل من القراء حول ما كتبته في الأسبوع الماضي عن فقه الفرد وفقه الأمة, يطلبون فيها المزيد من الإيضاح والتأسيس والتأصيل:
1ـ والمقصود بفقه الفرد الفقه الذي يهتم ببيان الأحكام الشرعية للمكلف باعتباره فردا, وهو فقه مهم ومباشر ويحتاج إليه الإنسان, لأنه يتعلق بأفعاله وسلوكه اليومي والحياتي, وهو في غاية التحديد والوضوح, وهو أيضا يشمل جميع أفعال الإنسان, لأنه من المقرر شرعا أن كل فعل من أفعال الإنسان له حكم عند الله, والحكم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب أو التخبير, ويدخل تحت الطلب طلب الفعل الذي قد يكون جازما فنسميه واجبا, وقد يكون غير جازم فنسميه مندوبا, ويدخل تحت الطلب أيضا طلب الترك الذي قد يكون جازما فنسميه حراما,
وقد يكون غير جازم فنسميه مكروها, فالطلب يندرج تحته أربعة أحكام شرعية تصف أربعة أنواع من الأفعال, فالأحكام هي: الوجوب والندب والحرمة والكراهة تصف الأفعال, فتكون واجبة كالصلاة والحج, ومندوبة كالصدقة وصلاة النافلة, ومحرمة كشرب الخمر والكذب, ومكروهة كعدم التنظيف والتلبس بالروائح الكريهة ورفع الصوت بلا حاجة, أما التخيير فتحته حكم الإباحة الذي يصف الفعل البشري بالمباح, ودائرة المباح هي أوسع الدوائر علي الإطلاق, فإن الأوامر والنواهي في الشريعة والتي تطلب الفعل والترك قليلة ومحصورة, والمسكوت عنه والذي يترتب عليه دائرة المباح هو أغلب أفعال البشر.
وهذا الواقع في الفقه الإسلامي جعله مرنا وقادرا علي تجاوز الزمان والمكان يلبي احتياجات الناس مع المحافظة علي هوية جامعة لاتختلف لاختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال, وإذا تأملنا تقسيم الفقهاء للفقه الفردي وجدناهم علي سبيل الإجمال يقسمونه الي أربعة أقسام: العبادات والمعاملات والمناكحات والقضاء, وهناك تقسيمات أخري وإضافات أيضا تفرد بها بعض المذاهب, وعادة ما يبدأ الفقه بباب الطهارات ثم الصلاة والزكاة والصيام والحج ثم يأتي باب البيوع وبقية المعاملات, إلي آخر ما هنالك من أبواب, وكل ذلك هو الفقه الفردي, ولقد شغل مساحة كبيرة في مناهج التعليم في العالم الإسلامي كله عبر العصور, لأنه هو الذي تشتد إليه الحاجة ويكثر فيه سؤال الناس, ولكن الفقهاء نبهوا أيضا علي نوع آخر من الفقه يتعلق بالإنسان باعتباره جزءا من أمة, وهو المسمي بفقه الأمة, فإن خطاب الله قد يكون موجها الي الفرد في نفسه وقد يكون موجها إليه باعتباره فردا من أفراد هذه الأمة, فنراهم هنا يفرقون بين مفهوم المجموع والجميع: فالخطاب الي المجموع باعتبارهم مجموعا يكون المقصود فيه هو إيقاع الفعل في الكون بغض النظر عن شخص الفاعل, أما الخطاب ل
لجميع فيكون المقصود فيه كل شخص علي حدة, فلابد أن يقوم هو بنفسه بهذا الفعل, إذن هناك خطاب ينظر الي الفعل وآخر ينظر الي الفاعل, ومن هنا أيضا وبناء علي التفرقة بين الجميع والمجموع رأينا الأصوليين يفرقون بين فرض العين وفرض الكفاية, وبين سنة العين وسنة الكفاية, وهذا هو الأساس في الفرق بين فقه الفرد وفقه الأمة.
2ـ ولقد اهتم العلماء عبر القرون بفقه الأمة وألفوا فيه الكتب وأصلوه وأسسوا مبادئه, إلا أنه لم يأخذ حظه من الاهتمام والشيوع بقدر ما أخذ فقه الفرد, الذي كان أساسا لتدريس الفقه في معاهده, ونال اهتمام طلبة العلم البالغ به, وقد آن الأوان ـ بعد أن رفعت الحدود بين دول العالم وبين المسلمين وغيرهم حتي كدنا أن نعيش في حوار واحد ـ أن نهتم مرة أخري اهتماما بليغا بفقه الأمة: تدريسا وتأصيلا وتفريعا, بما يخدم المسلمين في العالم ويجعلهم أكثر إدراكا للواقع وتفاعلا معه, فإن كثيرا من مشكلاتهم تتمثل في تعاملهم مع فقه الأمة من خلال منظور فقه الفرد, مما قد يسبب في كثير من الأحيان ضياع المقاصد الشرعية, أو ضياع مصالح الخلق, أو عدم إدراك مراد الشارع من شرعه, أو أن يكر التصرف الذي يحسبه أحدهم من الدين بالضرر علي الدين نفسه, وكل هذا من التناقض الذي يسببه فقدان الفهم الدقيق للفرق بين فقه الفرد وفقه الأمة.
3ـ ولقد رأينا الإمام الجويني يؤلف كتابه المانع غياث الأمم والتياث الظلم وفيه تأصيل عميق وواف لفقه الأمة, ولكنه يحتاج منا إلي أن نكمل المسيرة, وأن ننهج نهجه, وأن نسير علي منواله, ولعلنا نفرد كلاما واسعا علي هذا الكتاب المهم الذي طبع عدة مرات, لكنني لا أعرف أنه درس أو درست منه أجزاء حتي الآن, وقد يكون ذلك لصعوبة لغته أو لغير ذلك من الأسباب, ورأينا الماوردي وأبا يعلي الفراء بعده يؤلف كل واحد منهما الاحكام السلطانية ويتعرضان فيهما أيضا لفقه الأمة. كذلك الكتب التي ألفت في منطقة وسيطة بين فقه الفرد وفقه الأمة, مثل كتب الحسبة وكتب السياسة الشرعية, ومثل كتاب المقدمة لابن خلدون, فإن أمثال هذه الكتب يستفاد من موادها أيما استفادة في التأسيس والتأصيل لفقه الأمة, وهذه المادة في التراث هي الأقل بين غيرها, وموضوعاتها لا تعني إلا بالسياسة الشرعية التي بدئ في تدريسها في جامعة الأزهر وفي غيرها من الجامعات الإسلامية في النصف الثاني من القرن الماضي. ونسأل الله المعونة لنتكلم في فقه الأمة كلاما يزيد الإيضاح حوله
1ـ والمقصود بفقه الفرد الفقه الذي يهتم ببيان الأحكام الشرعية للمكلف باعتباره فردا, وهو فقه مهم ومباشر ويحتاج إليه الإنسان, لأنه يتعلق بأفعاله وسلوكه اليومي والحياتي, وهو في غاية التحديد والوضوح, وهو أيضا يشمل جميع أفعال الإنسان, لأنه من المقرر شرعا أن كل فعل من أفعال الإنسان له حكم عند الله, والحكم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالطلب أو التخبير, ويدخل تحت الطلب طلب الفعل الذي قد يكون جازما فنسميه واجبا, وقد يكون غير جازم فنسميه مندوبا, ويدخل تحت الطلب أيضا طلب الترك الذي قد يكون جازما فنسميه حراما,
وقد يكون غير جازم فنسميه مكروها, فالطلب يندرج تحته أربعة أحكام شرعية تصف أربعة أنواع من الأفعال, فالأحكام هي: الوجوب والندب والحرمة والكراهة تصف الأفعال, فتكون واجبة كالصلاة والحج, ومندوبة كالصدقة وصلاة النافلة, ومحرمة كشرب الخمر والكذب, ومكروهة كعدم التنظيف والتلبس بالروائح الكريهة ورفع الصوت بلا حاجة, أما التخيير فتحته حكم الإباحة الذي يصف الفعل البشري بالمباح, ودائرة المباح هي أوسع الدوائر علي الإطلاق, فإن الأوامر والنواهي في الشريعة والتي تطلب الفعل والترك قليلة ومحصورة, والمسكوت عنه والذي يترتب عليه دائرة المباح هو أغلب أفعال البشر.
وهذا الواقع في الفقه الإسلامي جعله مرنا وقادرا علي تجاوز الزمان والمكان يلبي احتياجات الناس مع المحافظة علي هوية جامعة لاتختلف لاختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال, وإذا تأملنا تقسيم الفقهاء للفقه الفردي وجدناهم علي سبيل الإجمال يقسمونه الي أربعة أقسام: العبادات والمعاملات والمناكحات والقضاء, وهناك تقسيمات أخري وإضافات أيضا تفرد بها بعض المذاهب, وعادة ما يبدأ الفقه بباب الطهارات ثم الصلاة والزكاة والصيام والحج ثم يأتي باب البيوع وبقية المعاملات, إلي آخر ما هنالك من أبواب, وكل ذلك هو الفقه الفردي, ولقد شغل مساحة كبيرة في مناهج التعليم في العالم الإسلامي كله عبر العصور, لأنه هو الذي تشتد إليه الحاجة ويكثر فيه سؤال الناس, ولكن الفقهاء نبهوا أيضا علي نوع آخر من الفقه يتعلق بالإنسان باعتباره جزءا من أمة, وهو المسمي بفقه الأمة, فإن خطاب الله قد يكون موجها الي الفرد في نفسه وقد يكون موجها إليه باعتباره فردا من أفراد هذه الأمة, فنراهم هنا يفرقون بين مفهوم المجموع والجميع: فالخطاب الي المجموع باعتبارهم مجموعا يكون المقصود فيه هو إيقاع الفعل في الكون بغض النظر عن شخص الفاعل, أما الخطاب ل
لجميع فيكون المقصود فيه كل شخص علي حدة, فلابد أن يقوم هو بنفسه بهذا الفعل, إذن هناك خطاب ينظر الي الفعل وآخر ينظر الي الفاعل, ومن هنا أيضا وبناء علي التفرقة بين الجميع والمجموع رأينا الأصوليين يفرقون بين فرض العين وفرض الكفاية, وبين سنة العين وسنة الكفاية, وهذا هو الأساس في الفرق بين فقه الفرد وفقه الأمة.
2ـ ولقد اهتم العلماء عبر القرون بفقه الأمة وألفوا فيه الكتب وأصلوه وأسسوا مبادئه, إلا أنه لم يأخذ حظه من الاهتمام والشيوع بقدر ما أخذ فقه الفرد, الذي كان أساسا لتدريس الفقه في معاهده, ونال اهتمام طلبة العلم البالغ به, وقد آن الأوان ـ بعد أن رفعت الحدود بين دول العالم وبين المسلمين وغيرهم حتي كدنا أن نعيش في حوار واحد ـ أن نهتم مرة أخري اهتماما بليغا بفقه الأمة: تدريسا وتأصيلا وتفريعا, بما يخدم المسلمين في العالم ويجعلهم أكثر إدراكا للواقع وتفاعلا معه, فإن كثيرا من مشكلاتهم تتمثل في تعاملهم مع فقه الأمة من خلال منظور فقه الفرد, مما قد يسبب في كثير من الأحيان ضياع المقاصد الشرعية, أو ضياع مصالح الخلق, أو عدم إدراك مراد الشارع من شرعه, أو أن يكر التصرف الذي يحسبه أحدهم من الدين بالضرر علي الدين نفسه, وكل هذا من التناقض الذي يسببه فقدان الفهم الدقيق للفرق بين فقه الفرد وفقه الأمة.
3ـ ولقد رأينا الإمام الجويني يؤلف كتابه المانع غياث الأمم والتياث الظلم وفيه تأصيل عميق وواف لفقه الأمة, ولكنه يحتاج منا إلي أن نكمل المسيرة, وأن ننهج نهجه, وأن نسير علي منواله, ولعلنا نفرد كلاما واسعا علي هذا الكتاب المهم الذي طبع عدة مرات, لكنني لا أعرف أنه درس أو درست منه أجزاء حتي الآن, وقد يكون ذلك لصعوبة لغته أو لغير ذلك من الأسباب, ورأينا الماوردي وأبا يعلي الفراء بعده يؤلف كل واحد منهما الاحكام السلطانية ويتعرضان فيهما أيضا لفقه الأمة. كذلك الكتب التي ألفت في منطقة وسيطة بين فقه الفرد وفقه الأمة, مثل كتب الحسبة وكتب السياسة الشرعية, ومثل كتاب المقدمة لابن خلدون, فإن أمثال هذه الكتب يستفاد من موادها أيما استفادة في التأسيس والتأصيل لفقه الأمة, وهذه المادة في التراث هي الأقل بين غيرها, وموضوعاتها لا تعني إلا بالسياسة الشرعية التي بدئ في تدريسها في جامعة الأزهر وفي غيرها من الجامعات الإسلامية في النصف الثاني من القرن الماضي. ونسأل الله المعونة لنتكلم في فقه الأمة كلاما يزيد الإيضاح حوله
رد: فقــه الأمــةبقلم: د. علي جمعة مفتي الجمهورية
موضوع اكثر من رائع
ahmed- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 405
تاريخ التسجيل : 07/11/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى