سكوت على الإهانة!-محمود سلطان

لا أدري كيف بلعت السلطات المصرية، والمثقفون المصريون عموما، تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي، أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة؟!
الرئيس الفرنسي تكلم عن مصر بجلافة غير مسبوقة، وكأنها "ضاحية" من ضواحي "باريس" المكتظة بـ"الإرهابيين"!
لم يخجل ساركوزي، وهو يطالب العالم بمساندة الرئيس مبارك، لمنع وصول الإسلاميين للسلطة!
الكلام ربما جاء على معدة "السلطة" وبلعته كما نبتلع حبات الأسبرين، رغم أنه كلام يصنف باعتباره تدخلا في شئون مصر الداخلية!
امتعض غالبية المصريين من "استمتاع" ساركوزي بعشيقته في فنادق المحروسة، واعتبروا اصطحابها "إهانة" وتجريحا لمشاعرهم الدينية التي ترفض أية علاقة بين رجل وامرأة خارج إطار الزواج .. ولكنهم لم يشعروا بأحاسيس مماثلة، عندما جاهر صراحة بأنه سيساند النظام المصري الحالي ليبقى في السلطة إلى الأبد، بزعم "الخوف" من وصول الإسلاميين في السلطة!
ساركوزي أعتبر نفسه وقراره ورأيه "جزءا أصيلا" من أي حراك سياسي مصري داخلي، يقترب بشكل أو بأخر من مؤسسة الرئاسة.. هذا هو المعنى والفحوى الحقيقي لخطاب ساركوزي.. الأخير كان "جلياطا" إلى حد لا يحتمل أن نحتفظ معه بأي قدر من توقير واحترام مقام الرئاسة الفرنسية، خاصة وأنها اتسمت بـ "قلة ذوق" تقتضي توبيخه رسميا وشعبيا، وأنا لا أفهم معنى هذا السكوت والتجاهل لتصريحات رئيس دولة أجنبية، وهو يتعدى فيها على السيادة الوطنية المصرية، ويتعمد إهانة أكثر من سبعين مليون مصري، حين مارس دور المحرض عليه، إذا اختار مثلا رئيسا للدولة، لا يروق لمزاج السيد ساركوزي.
الرئيس الفرنسي، مع أول أيام زيارته لمصر، وهو يتعامل مع المصريين باستعلاء، لا أفهم كيف تحمله المصريون وصبروا عليه، بداية من قراره اصطحاب عشيقته معه ليقضي منها وطره، وهو يعلم أنه سيحل ضيفا على دولة مسلمة، ترفض تقاليدها المحافظة، بل ويستفزها ويؤذي مشاعرها، أن يحل عليها رجل غريب "خليع" حتى لو كان في منصب رئيس دولة، وأن يمارس خلاعته في حراسة الشرطة، وفقا لحسابات لا يعرف الشعب منها إلا أنها نزولا من السلطة عند شهوات سياسي غربي كبير على حساب مشاعره، وما يخلفه ذلك من مرارة وإحساس بالانكسار.. فكيف يقبل بذلك سليل رواد التنوير الباريسي؟!.. فضلا عن تصريحاته الفجة وحشر أنفه فيما لا يخصه ويخص الشعب المصري وإرادته واختياره!
تصريحات ساركوزي تناقلتها وكالات الأنباء، ومنابر إعلامية متنوعة ومتعددة، لغرابتها وشذوذها، فيما التزمت السلطات المصرية الصمت حيالها، بل إن غالبية ـ إن لم تكن كل الصحف المصرية والكتاب المثقفين ـ اتبعوا سبيل الموقف الرسمي وتجاهلوا الرد عليها.. ربما لأنها جاءت على هوى الجميع: في الحكم وفي المعارضة

اشكرك على الموضوع