ساركوزي وأبعاد سياسته الخارجية--عائشة عبدالغفار

برغم انتخابه منذ ثمانية شهور فقط فإن نيكولا ساركوزي قام بتحديد ملامح سياسته الخارجية ورؤيته للقضايا الدولية من خلال رحلاته المكوكية في ارجاء المعمورة من الولايات المتحدة إلي افغانستان إلي الصين‏,‏ إلي المغرب‏,‏ إلي الجزائر ثم إلي مصر مؤخرا‏,‏ وهي المحطة التي وجه رسالته إلي العالم العربي‏.‏ ولقد وضح ان ساركو يتمتع بشعبية كبيرة من خلال استقصاءات الرأي العام بسبب مداخلاته العديدة كرئيس جمهورية وصورته الإعلامية علي المستوي الدولي وأن كان الشعب الفرنسي ينتظر نتائج الحركة الإصلاحية وتحسين القدرة الشرائية التي وعد بها منذ ترشيحه للرئاسة‏.‏ ولقد عكس الرئيس الفرنسي رغبته في اداء الحوار الاجتماعي والتفاوضي‏,‏

مشيرا إلي أنه يرفض العنف كمنهج للحكومة‏..‏ وإذا كان الرئيس الفرنسي يتميز بالديناميكية والنشاط المتوهج في خطاه الداخلية والدولية فهذا يعود إلي رؤيته بأن فرنسا تختلف عن بقية الدول الصناعية وأنه يجب أن تنتهج ايقاعا سياسيا ودبلوماسيا واجتماعيا سريعا‏,‏ ولذلك فلقد اكد ان مرحلة اولي تنتهي علي طريق التغيير وقام بتجديد وعوده‏,‏ حيث التزم بعدم الغدر بمواطنيه ولقد اعترف ساركوزي بأنه قد وصلته الانتقادات بشأن الدبلوماسية الفرنسية ازاء الأنظمة غير الديمقراطية‏,‏ ولذلك لم يكن غريبا أن يعلن من القاهرة أن التنوع والتعددية أهم من الديمقراطية مؤكدا ان فرنسا يجب ان تتحدث مع الجميع‏..‏ ولا شك أن زيارة ساركوزي الرسمية للقاهرة قد نجحت نجاحا كبيرا والقت عليها أجهزة الإعلام ضوءا مهما مع التركيز علي الانسجام والتقاء وجهات النظر بين القيادتين وبين القاهرة وباريس علي المستوي الرسمي والشعبي‏,‏ ولقد رحبت الأوساط السياسية بالخطاب الدبلوماسي الفرنسي الذي أثار أهمية التعجيل بانشاء دولة فلسطينية التي هي الطريق الوحيد لضمان أمن إسرائيل‏.‏

أوضح ساركوزي أنه يخشي من اجتياح العالم العربي لعناصر التطرف ولذلك تعتمد فرنسا علي ما يسميه بالأنظمة المعتدلة بالمنطقة‏,‏ والدبلوماسية الفرنسية تراهن علي نظام الرئيس مبارك وهي علي يقين بالمسئوليات الجسيمة التي تقع علي كاهله‏..‏ وإذا كان ساركوزي يتمتع برؤية أطلسية‏,‏ أمريكية في تناوله لعدة قضايا إلا انه له رؤية واضحة لصراع الحضارات وحوار الثقافات وينتمي لفكر الجمهورية الخامسة وكثيرا مايردد اراء وافكار الجنرال دي جول ويستعمل أبيات الشعر في أحاديثه وتورياته لأنه علي يقين ان رئيس فرنسا يحب أن يكون مثقفا من الطراز الأول‏.‏ ويبقي الاتحاد المتوسطي أكبر مشروع يغذيه‏,‏ بهدف تحقيق مشروع تاريخي يحقق الرفاهية لشعوب المتوسط ويسهم في القضاء علي التقاتل بين المتنافرين ويفتح المجال لاستثمارات ضخمة في مجال المياه والسياحة ويدخل المنطقة المتوسطية بجميع دولها في عصر الطاقة النووية المدنية ويعبأ الطاقات الثقافية والتعليمية للبحر المتوسط‏..‏ ويسهم في اقرار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويرسي تعاونا بين الدول المشاطئه للمتوسط والقارة الإفريقية‏.‏

ولقد اكد ساركوزي في رسالته للعالم العربي انه ليس عدوا للعرب وصديقا متعصبا لإسرائيل‏,‏ وإنما هو رجل سلام موضوعي‏,‏ ورجل عصري يؤمن بالحوار ويفتحه مع العقيد القذافي‏,‏ كما يفتح الأحاديث مع شافيز والأسد من أجل صالح لبنان وهو مؤمن بجميع الأديان‏.‏

ويبقي ان نقول إن هناك ثوابت في السياسة الخارجية الفرنسية وان فرنسا تتمتع بسياسة عربية واضحة لا يخفيها رئيس الدبلوماسية الفرنسية برنار كوشنير الذي لم يتردد في توجيه تحذير واضح لسوريا بعدم التدخل في الانتخابات الرئاسية اللبنانية‏,‏ كما تحاول الدبلوماسية الفرنسية الحفاظ علي التوازن بين المغرب والجزائر‏.‏ وبين الفلسطينيين والإسرائيليين كما جندت كل طاقتها في مؤتمر المانحين لدعم السلطة الفلسطينية‏.‏

وربما قد تحقق مبادرة ساركوزي الخاصة بالاتحاد المتوسطي إنفراجه بين جميع دول المتوسط وتذهب أبعد من مبادرات سابقة مثل خمسة علي خمسة أو‏3+2‏ أو العملية الأورومتوسطية‏.‏ ويبقي حجر زاوية السياسة الخارجية الفرنسية في دعم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين فرنسا وشركائها في منطقة المتوسط وفي العالم العربي والخليج‏.‏

حقيقي ان مصر قد تعلقت بشخصية رئاسية تقليدية مثل جاك شيراك الذي ترك بصماته علي الرأي العام المصري عندما عارض الحرب في العراق وعندما تشاجر مع اجهزة الأمن الإسرائيلية بالقدس عام‏1996..‏ ولكن حديث ساركوزي بالقاهرة كان لبقا وصريحا ومطمئنا‏,‏ يحمل في طياته بعدا انسانيا ورسالة حضارية للمنطقة‏..‏ ومخاوف علي المنطقة من فلول التطرف والإرهاب‏.‏

حديثه كان حديث داعية سلام‏..‏ للمنطقة العربية وللمتوسط في عام‏2008.‏

موضوعات هايلة وعظيمة ونافعة

اشكرك على الموضوع