باكستان وبوتو-أبوالعلا ماضي

منذ أيام تم اغتيال بناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة في حادث دامي بعد انتهائها من خطابها الجماهيري في أنصارها ، استعدادًا للانتخابات البرلمانية والتي كان مزمع إجراؤها يوم 8 يناير القادم لولا وقوع الحادث الذي أخر إجراءها قليلاً.
وقد سبق وتحدثنا عن باكستان والديمقراطية فيها وكيف أن الإدارة الأمريكية المنافقة تدعم جنرالا عسكريا إنقلابيا سيطر على السلطة بطريقة غير شرعية وغير ديمقراطية لا لشيء إلا للتماهي مع الأجندة الأمريكية في دعمها في ما اسمته هي محاربة الإرهاب ، مما سبب شرخًا في المجتمع الباكستاني وكذلك الجيش الذين قاما أساسًا على أساس الإسلام ، والذي يرفع شعار "إيمان – تقوى - جهاد" على معسكرات الجيش ، فلقد وجد نفسه مع مواجهة ليس فقط مع تنظيم القاعدة وطالبان ولكن مواجهة مسلحة مع أبناء القبائل الباكستانية ، ومواجهة غاشمة لكل قوى المعارضة المطالبة بعودة الديمقراطية ، كما واجه برويز مشرف المحكمة العليا وأقصى قضاتها لتمرير سياسته الاستبدادية ، ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية قد استنفدت أغراضها من الجنرال المرتمي في أحضانها ، فعادت إلى اختياراتها التقليدية وهي اختيار قوة مدنية تتماهى أيضًا مع أجندتها وتدفع بها عبر انتخابات شعبية للسلطة فتحقق كل أغراضها بتحقيق أجندتها من خلال نظام مدني يبدوا ديمقراطيا ، فكان إجبار الجنرال مشرف على عقد اتفاق مع بناظير بوتو يتضمن عودتها بعد غياب طويل في المنفى الاختياري بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية لتشارك في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) ، ولقد عادت بناظير بوتو وواجهت في أول تجمع لها محاولة للاغتيال قُتل فيها أكثر من مائة وثلاثين شخصًا ولكنها نجت من ذلك ، ولم تتأخر السيدة/ بوتو في الافصاح عن أجندتها المتماهية مع الأجندة الأمريكية في محاربة ما اسمته هذه الأجندة بالإرهاب ، وزايدت السيدة بوتو على الجنرال مشرف في كونه مقصرًا - بالرغم من كل ما فعل – في مواجهة ماعتبرته هي التطرف الديني ، ودارت الأيام سريعًا ونجح من يخطط لتغيبها في اغتيالها في مشهد مأساوي دامي ، والذي يفتح الباب للسؤال: من وراء اغتيالها ؟ وفي علم السياسة والاجتماع تكون دائمًا الإجابة أبحث عن المستفيد أو أبحث عن الخصوم اللذين يستفيدون من تغيبها وتكون لديهم القدرة والرغبة على تغيبها بهذا الأسلوب الدامي ، وبالطبع هناك أطراف كثيرة في خصومة مع السيدة بناظير ولكن أغلبهم خصوم سياسيون لا ينتهجوا العنف والاغتيال سواء حزب نواز شريف أو الجماعات الإسلامية السلمية مثل "الجماعة الإسلامية" التي يتزعمها القاضي حسين أحمد ، ولكن يبقى طرفان ينحصر بينهما الاتهام الأول تنظيم القاعدة وطالبان والثاني السلطة ممثلة في الجنرال برويز مشرف وأركان نظامه المهدد بالتغيير إذا فازت بناظير بوتو وحزبها في الانتخابات البرلمانية التي كان موعدها قد اقترب مع مقاطعة وغياب معظم الأطراف الفاعلة في هذه العملية باستثنائها هي وحزبها والجناح الموالي للجنرال برويز مشرف من حزب الرابطة الإسلامية الذي أخرجه من زعامة نواز شريف وضمه له ، وبالطبع الطرف الأول نال من هجوم السيدة/ بوتو الكثير في الأيام القليلة التي سبقت اغتيالها ، ولكن تنظيم القاعدة وطالبان دائمًا لديهم الشجاعة والحماقة معًا للإعلان عن أي عمل يقومون به مهما كانت بشاعة وحمق هذا الفعل ، وهم غير معنيين برد الفعل الشعبي أو العالمي الرافض لفكرة الاغتيال أو المتعاطف مع السيدة بوتو ، بل لعله يكون هدفه إغاظة الإدارات الغربية خاصة الأمريكية بقتل ممثلتهم المقبلة في باكستان حسب تخطيطهم ولكنهم بادروا بنفي أي صلة لهم بالحادث ، وبالتالي يبقى الاحتمال الآخر قويًا وهو كون الفاعل مرتبطا بالسلطة الحالية وبتخطيط معها ، وهو احتمال تقويه بعض الشواهد حيث أن الأمن كان مسئولاً عن تأمين الاجتماع من على بعد 5 كيلو متر كطوق أمني يفتش الأشخاص تفتيشًا ذاتيًا ودقيقًا فيصعب على أي شخص اختراق هذه الإجراءات إلا إذا كان بترتيب أو بتباطؤ من جهة من الجهات المسئولة عن تأمين المكان ، وبالطبع هذا احتمال
لا يصل إلى اليقين إلا بتحقيقات حقيقية ونزيهة وهي أمر يصعب تحقيقه في وجود السلطة الحالية التي تواجه الاتهام نفسه .
المهم أن المشهد في باكستان أرتبك أرتباكًا كبيرًا وهو يحتاج لتحليل آخر قادم بإذن الله.



ملحوظة ختامية:
أنا أفهم وأؤيد إدانة اغتيال السيدة بوتو لأنه عمل عدواني غير مبرر مهما كانت الدوافع، أما الذي لا أفهمه هو صدور بيان ونعي من شيخ الأزهر يعتبر فيه أن السيدة بوتو "شهيدة الإسلام" وهو أمر تأخر بعد الاغتيال بفترة وهو ما يؤكد التوظيف السياسي للأزهر في قضية اغتيال كجريمة سياسية ، كان يكفي شيخ الأزهر إدانة الاغتيال أما التطوع بتوزيع لقب شهيد أو شهيدة فلا يملكه هو ولا كل علماء الأزهر ، وقد سبق أن قلنا الأمر نفسه حين تنازع المفتي وشيخ الأزهر على اعتبار الغرقى المصريين في الشواطئ الإيطالية شهداء أم لا ؟ وقلنا أن العلماء الثقاة من الأمة كانوا يقولون عن الاشخاص الذين قتلوا في المعارك الحربية دفاعًا عن الدين والوطن والشرف نحسبهم شهداء أو نسأل الله أن يحتسبهم عنده شهداء ، أما الجزم فلا يملكه أحد وفي المثال الحالي أكثر وضوحًا وغير مبرر من شيخ الأزهر أو غيره .

اشكرك على الموضوع

موضوع جميل اشكرك عليه

اشكرك على الموضوع