القرآن وعبث العابثين

قدمت مجموعة من الباحثين في العلوم الإسلامية من أكاديمية برلين – براند نبورج مشروعاً طموحاً يهدف إلى وضع القرآن في سياقه التاريخ والثقافي. ويحمل المشروع اسماً لاتينياً هو /corpus coranicum/ أي /مجمل النصوص المتعلقة بالقرآن/ ويسعى المشروع إلى فهم القرآن من خلال فهم النصوص التراثية من العصور السابقة عليه كالنصوص المسيحية واليهودية، ويقول الباحث في المشروع ميشائيل ماركس "إن المشروع ليس موجهاً إلى العالم الإسلامي في الأساس، وليست الفكرة منه توضيح معنى النص القرآني للمسلمين، وإنما يهدف المشروع إلى إحضار القرآن إلى أوروبا، أي إلى تقديم القرآن للقارئ أو الباحث الأوروبي بشكل مرجعي يوضح أن التقاليد الإسلامية ليست غريبة عن التقاليد المسيحية واليهودية المعروفة في أوروبا، وأن القرآن يشترك في ذلك التراث يبني عليه شيئاً جديداً"، والواقع أن هذا المشروع وإن كان يبدو في الظاهر أنه يقدم خدمة جليلة للإسلام من خلال تعريف الغرب به بطريقة مختلفة، إلا أنه يوجه طعنة مؤلمة له خاصة لأساسه وهو القرآن، فالمشروع يسعى إلى فهم النص القرآني من خلال النصوص السابقة عليه، أي التوراة والإنجيل، انطلاقاً من أن القرآن تناول هذين الكتابين وتحدث طويلاً عن بني إسرائيل واليهود ووجه لهم نقداً لاذعاً لأنهم لم يؤمنوا برسالة موسى ولا بنبوة الأنبياء الذين جاؤوا من بعده، كما انتقد القرآن بعض المسيحيين الذين لم يميزوا بين الرسول والمرسل بل جعلوا الاثنين في شخص عيسى، المسيح، وإن كان قد أثنى على معظم المسيحيين من خلال قوله تعالى / لتجدن أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدَّن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون" آية 82 / سورة المائدة، كما ذكر القرآن أن أيدي الدس لعبت في التوراة والإنجيل، ولذلك فإن القرآن جاء مكملاً ومصححاً لما جاء في الكتابين السابقين، ولا شك أن القرآن وإن كان تناول التوراة والإنجيل وسواهما من الكتب السماوية، وإن كان تحدث عن بني إسرائيل وعن غيرهم من الأمم، إلا أنه لا يمكن أن يوضع في سياق تاريخ، فهو وإن كان يتحدث عن الزمان والمكان لكنه يجلُّ عنهما، لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبالتالي فلا يمكن وضع القرآن في سياق تاريخي بأية صورة كانت، ولعل هؤلاء الباحثين الألمان يعتقدون أن القرآن ليس من عند الله بل هو من عند النبي محمد، كما كان التوراة هو كلام النبي موسى والإنجيل كلام السيد المسيح، وهذا يحيلنا إلى دراسة التاريخ بشكل مادي وإلغاء النبوة واعتبار ما جاء به الأنبياء ليس سوى ثورات اجتماعية، كما يرى الماركسيون الشيوعيون. والواقع أن طعن اليهود وبعض المسيحيين بالقرآن لم يتوقف منذ البعثة المحمدية في القرن السادس الميلادي، وقد حاول الكثير من هؤلاء الادعاء بأن القرآن ما هو إلا نسخة معدلة عن الإنجيل والتوراة نقلها النبي محمد من العبرية أو الآرامية إلى العربية، وفي هذا الخصوص كتب أحد مسيحيي لبنان ويدعى جوزيف قزي كتاباً تحت اسم مستعار هو / أبو موسى الحريري/ والكتاب بعنوان /قس ونبي/ وفي هذا الكتاب يجتهد الكاتب لكي يثبت أن القرآن نسخة معربة عن الإنجيل بحسب العبرانيين، وأن النبي محمد لم يكن يعرف العبرية لكن ورقة بن نوفل عم زوجته خديجة، كان يعرف هذه اللغة وهو الذي ترجم الإنجيل للنبي محمد، وبالتالي فإن ورقة حسب زعمه هذا، هو جبريل وأن الإسلام هو نسخة معدلة عن المسيحية، واليوم وبعد أن تم اتهام الإسلام بالإرهاب من قبل بعض الدوائر الحاقدة في الغرب، باتت سهام النقد موجهة بشكل أكثر كثافة ضد القرآن بهدف هدم الأساس الذي تقوم عليه الديانة الإسلامية، وظهرت أصوات غربية حاقدة تدعي أن القرآن يحض على التطرف والإرهاب، وانه لا سبيل إلى القضاء على ما يسمى الإرهاب إلا بتعديل القرآن وحذف كل ما يشير إلى الجهاد فيه ، وأيضاً العمل على إنتاج إسلام جديد متوافق مع حضارة الغرب، والواقع أن الأمة الإسلامية أصبحت أمام تحدٍّ كبير، فهي إن أذعنت لمطالب الغرب فإنها ستتحول إلى أمة بلا دين، وإن هي وقفت ودافعت عن عقيدتها وتراثها فإن وصف الإرهاب سيلاحقها باستمرار، ولا شك أن الأمة لن ترضخ لمطالب الغرب لأن المسألة ليست بسيطة فالإسلام بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، وهي لن تتخلى عن إسلامها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وقد تتحمل في سبيل ذلك أذى كبيراً من الغربيين، لكنها ستصبر وهي مصممة على الدفاع عن نفسها حتى النهاية.
كاتب من الإمارات
محمد خلبفة