قوت الناس..درية شرف الدين .. المصري اليوم

يبدو أن الأحوال الأكثر غلاء وقسوة مازالت آتية في الطريق، ولنقرأ خبراً من جريدة الأهرام يقول (إن أسعار العلف الحيواني اشتعلت في مصر وارتفعت بطريقة جنونية، ففي عام واحد تضاعف السعر بمكوناته المحلية والمستوردة، ومعني هذا الارتفاع ببساطة أن تربية وتسمين الماشية، لم تعد مجزية للمربين والمزارعين، ويسعي الكثيرون منهم إلي بيع ما يمتلكونه في أسواق الماشية، مما أدي إلي زيادة المعروض منها بشكل كبير).

وصحيح أن تجار اللحوم هم المستفيدون علي المدي القصير من جرّاء رفع أسعار اللحوم إلا أن ذلك سيكون مؤقتاً، بعدها سينضب المصدر ويتراجع المعروض، وهذا جانب خطير يعني النقص المتوقع في المعروض من اللحوم الحمراء والارتفاع الكبير في أسعارها، علي أساس أنها ستصبح سلعة نادرة -أكثر مما هي الآن- فإذا علمنا أن نصيب المواطن من اللحوم في مصر أقل من كيلو سنوياً مما يضع المصريين في قائمة الدول الأقل استهلاكاً للحوم علي المستوي العالمي، ليس بدوافع دينية كالهند مثلاً أو بدافع يتعلق بعادات المأكل ولكن بقلة الحيلة، فإن ذلك معناه أنه حتي هذا الكيلو اليتيم الغلبان معرض للنقصان، وأن شرائح أخري من المصريين معرضة لعدم التعامل أو لنقل لعدم معرفة لحوم الحيوانات من الأبقار والجاموس والخرفان.

ومن اللحوم إلي الألبان، حيث إن ارتفاع أسعار العلف الحيواني ولجوء المربين إلي خلطه بمواد أخري غير مغذية للحيوانات لا يؤدي فقط إلي تعرضها للهزال، ولكن إلي نقص الناتج عنها من الألبان، وبالتالي نقص المعروض من هذه الألبان في الأسواق وارتفاع سعره بالضرورة.

ومن اللحوم والألبان إلي الأسماك، حيث ارتفع سعر العلف الذي يغذي المزارع السمكية هو الآخر، وللأسف فإن البديل في تغذية أسماك المزارع بديل سام غذائياً لمن يتناوله، حيث يكون من مخلفات ذبح الحيوانات والطيور النافقة ومخلفات الدواجن.

ومن اللحوم والأسماك إلي الدواجن، حيث ارتفاع أثمان علائق الدواجن أيضاً سيرفع أثمانها ومعها البيض، يواكب ذلك استمرار أنفلونزا الطيور، رغم أن الدواجن هي البروتين المتاح الآن في ظل أزمة اللحوم الحمراء، والارتفاع غير المبرر في ثمن الأسماك بكل أنواعها البحرية والنيلية في دولة تملك مساحات شاسعة من المياه الصالحة للصيد كبحر أو نهر أو بحيرات.

ويؤكد بعض المتخصصين في أمور الزراعة والثروة الحيوانية، أنه لا مجال لمصر وسط دول العالم التي تربي قطعان الماشية أو الأغنام، حيث لا تملك مراعي شاسعة أو غير شاسعة، تنمو نباتاتها غالباً علي مياه الأمطار، وأن الحل الأمثل أن نعتمد في مجال اللحوم الحمراء علي الاستيراد إذ إن أسعاره تقل عن تكلفة التربية والتسمين المحلي، الذي يتميز بضعف طاقته الإنتاجية في مصر، وأن البديل -من وجهة نظرهم- هو تشجيع الإنتاج الداجني من الدجاج والبط والأوز وكذلك الأرانب، حيث إن تكلفة إنتاجه ودورة رأس المال الخاصة به سريعة ومربحة عكس الدورة البطيئة للماشية، مما يشجع المربين ويوفر مصدراً بروتينياً رخيصاً ودائماً للمواطنين،

ويؤكدون أيضاً أنه لا مجال حالياً لزيادة المساحة المزروعة بالبرسيم، حيث تقترب من مليوني فدان وتأكل مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية علي حساب غيرها من المحاصيل، التي تحتاج هي الأخري إلي مراجعة علمية واقتصادية وربما ثورة فيما يتعلق بالسياسة الزراعية في مصر، التي يجب أن تتجه إلي زيادة المساحات المزروعة قمحاً، حيث إنه محصول استراتيجي نحن في أمس الحاجة إليه وفي مقدمة الدول التي تستورده،

مع أن المستقبل ينبئ بأن المعروض منه عالمياً سيتناقص خلال السنوات القادمة، بسبب موجات الجفاف المتتالية في البلاد، التي تزرعه أو بسبب استبداله بنباتات تنتج زيوتاً بديلة للبترول -وهو ما أكده أيضاً العالم الدكتور مصطفي طلبة- وقال إننا لن نجد القمح حتي لو امتلكنا ثمنه في المستقبل، وإلي جانب أهمية زراعة القمح يضيف المتخصصون أننا لابد وأن نزرع محصولات بغرض التصدير، إسرائيل مثلاً تخصصت في زراعة زهور الزينة وتصدرها بالمليارات سنوياً، وتركيا تخصصت في زراعة وتصدير البندق، وما يمكن أن يتميز به المناخ والتربة المصرية كثير.

والخلاصة أننا في الطريق إلي غلاء فاحش يطول قوت الناس من اللحوم، والألبان والأسماك والبيض والخبز، وذلك لأسباب عالمية ومحلية، مما يعني أن سياستنا فيما يتعلق بالغذاء في حاجة إلي مراجعة، وأنه قد آن الأوان لعلمائنا في الزراعة، وفي الإنتاج الحيواني والداجني وفي سياسات التصدير والاستيراد أن يتصدروا الصورة ويزيحوا الموظفين وأن يتولوا زمام التفكير والتدبير حماية لقوت الناس وتأميناً لوجوده.

بصراحة موضوعات جميلة وهامة وممتعة للعقل
وخصوصا انها لكبار المفكرين

اشكرك على الموضوع