الديموقراطية في مجتمع بطريركي..سمير طاهر..جريدة البديل
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الديموقراطية في مجتمع بطريركي..سمير طاهر..جريدة البديل
لم يصل الحال بالساسة العرب إلي تكفير الديمقراطية صراحة كما فعل تنظيم القاعدة، ويفضلون بدلاً من ذلك أن يعتبروا أن لهم «مفاهيمهم الخاصة» لها، وهو ضرب من حسن التخلص وهكذا فبمقدور الحزبيين الحديث عن «منظورهم الخاص» للديمقراطية ويمارسون داخل أحزابهم تقاليد قمعية خالصة
وبإمكان الحكام الحديث عن «نوع خاص من الديمقراطية»ويواصلون «نوعهم الخاص» من الأوليغاركية القضية تتحول علي يد السياسيين إلي كلمات، شعارات هذا علي مستوي الأوضاع والعلاقات الداخلية للبلد أو للحزب، أما حين يأتي دور العلاقات الخارجية، وتفرض نفسها المساومات السياسية ومصالح الزعماء، فإن الديمقراطية عندها تداس بالأقدام لأنها تقف حجر عثرة في طريق تلك المصالح وليس لنا، رغم الدعوات إلي الاصلاح السياسي الصادرة من الداخل أو من الغرب، أن نأمل بحال أفضل للمسكينة الديمقراطية ما دامت قضيتها بيد السياسة ولاعبيها لكن بيد من إذاً يجب أن تكون؟ الجواب: بيد المجتمع!
إن مفهومنا العام للديمقراطية القائم علي عمود سياسي فقط مفهوم تعجيزي فليس بمقدور نظام سياسي مهما بلغت سطوته أن يفرض الديمقراطية علي مجتمع لا يتقبلها كما ليس بمقدور أي سلطة أن تواصل إلي الأبد عقيدتها التسلطية علي مجتمع انتشر في أطرافه التعطش إلي الديمقراطية انتشاراً قياسياً «وهي مشكلة تعاني منها اليوم عدة أنظمة في أرجاء العالم، مثلما عانت منها من قبل الأنظمة الشيوعية شرق أوروبا» فالديمقراطية لا تدوم في بلاد إلا حين يختارها أهل البلاد بأنفسهم، وذلك حين يسود المجتمع إدارك مشترك بأنه قد نضج لها.
لكن هذا الرأي قد يؤخذ علي وجهين مختلفين: الأول قد يعني «تأجيل» الديمقراطية حتي ينضج المجتمع لها، وهو مثل إلقاء قضية ما إلي البحر تخلصا من عضالتها، الأمر الذي لا يمكن أن أرمي إليه، والثاني، وهو الذي اقصده، هو العمل الدءوب لنشر الديمقراطية في المجتمع دون التواني عن المطالبة بتبنيها نظاماً سياسياً إن نشر الديموقراطية ليس عملية سياسية وإنما عملية تربوية بالاساس وإنما شروطها سياسية، بمعني انه يتوجب توفير الضمانات القانونية والتنفيذية للشروع بعمل اجتماعي صرف هو رفع مستوي الوعي العام.
قد يسعفني لتوضيح ذلك أن أطرح السؤال العلمي التالي: كم يلزم العبد من الوقت لكي يتخلص، بعد تحرره من العبودية، من عقدتها ويغدو انسانا سويا؟ أنه لم يتخلص بالطبع من تلك العقدة بمجرد تحرره القانوني، فالعقدة ستظهر عشرات المرات يومياً من خلال سلوكه مع الآخرين ما يلزمه إذاً، إضافة إلي تحرره القانوني، هو أن يتحرر نفسياً، أن يحرر روحه كيف؟ -بأن يبدأ كفاحاً متواصلاً يومياً ضد نفسه القديمة أن أمامه بناءً كبيراً عليه أن يهدمه، وأن يبني مكانه بناء جديدا ورغم الصعوبة الواضحة لهذه المهمة إلا إنها ليست معجزة وذلك لأن هاتين العمليتين تشتغلان، في واقع الأمر، كعملية واحدة فهو حين يبني في نفسه عنصراً من عناصر فكرة الحرية فإن العنصر النقيض القديم ينهار تلقائياً أراني الآن أتكلم في موضوع التربية، وهذا هو جوهر التغيير الحقيقي في ثقافة الفرد، والأمر نفسه ينطبق علي ثقافة المجتمع فموضوع الديمقراطية ليس -فقط- موضوع نظام سياسي وإنما، وبدرجة أكبر في رأيي- موضوع قيم عامة علينا أن نكافح ضد ذواتنا الجمعية القديمة ونبني مكانها ذوات جمعية تقدمية وإلا فأني لمجتمع عبودي الثقافة أن يتقبل اطلاق حريات الأفراد؟ ولماذا سيختار الرجل العربي التقليدي نظاماً يساوي في الحقوق بينه وبين ابنته أو زوجته؟
أحيانا تبدو لي الآراء الداعية إلي التطبيق الفوري للديمقراطية، بما فيها مساواة النساء بالرجال، في مجتمعاتنا البطرياركية آراء حسنة النية ولكنها -ببساطة- لا فكرة لها عن العواقب: فماذا يمكن لمجتمع أبوي أن ينتخب؟ -أباً بالتأكيد وماذا يمكن لمجتمع عبودي أن ينتخب؟- «سيداً» «بالتأكيد بالمناسبة، هذا ليس جدلاً ميتافيزيقيا وإنما تعليق علي واقع: فالطابع العشائري الذي يسود عادة الانتخابات البلدية في الأردن، والنفوذ المتزايد الذي يكتسبه التيار الإسلامي في انتخابات البرلمان الكويتي ومجلس الشعب المصري، وفوز الاتجاه السلفي في الانتخابات البلدية في السعودية، واكتساح التيار الديني الانتخابات العراقية، يكرر موضوعة بسيطة قديمة: إن ثقافة المجتمع في عصر معين، لو أتيح لها التعبير عن ذاتها، هي التي تفرض أسلوب الحكم، لا العكس فإذا كنا ثائرين علي ظلم وطغيان نعيشه حولنا فلننشر إذن قيم العدالة بين الناس لكي نساعدهم في أن يحسنوا اختياراتهم في المستقبل.
إن العمل الديمقراطي في بلداننا، في رأيي، هو العمل لانهاض القيم الديمقراطية في داخل المجتمع، لجعل المجتمع ناضجا لهذا النمط، وهو لا يقلل من -بل هو يؤكد- أهمية الديمقراطية السيايسة ومواصلة المطالبة بها ودائماً العمل يبتدئ من أنفسنا علينا أن نكافح ضد أنفسنا، ضد سلطة المجتمع النافذة في داخل كل منا ولنتذكر مثال العبد
وبإمكان الحكام الحديث عن «نوع خاص من الديمقراطية»ويواصلون «نوعهم الخاص» من الأوليغاركية القضية تتحول علي يد السياسيين إلي كلمات، شعارات هذا علي مستوي الأوضاع والعلاقات الداخلية للبلد أو للحزب، أما حين يأتي دور العلاقات الخارجية، وتفرض نفسها المساومات السياسية ومصالح الزعماء، فإن الديمقراطية عندها تداس بالأقدام لأنها تقف حجر عثرة في طريق تلك المصالح وليس لنا، رغم الدعوات إلي الاصلاح السياسي الصادرة من الداخل أو من الغرب، أن نأمل بحال أفضل للمسكينة الديمقراطية ما دامت قضيتها بيد السياسة ولاعبيها لكن بيد من إذاً يجب أن تكون؟ الجواب: بيد المجتمع!
إن مفهومنا العام للديمقراطية القائم علي عمود سياسي فقط مفهوم تعجيزي فليس بمقدور نظام سياسي مهما بلغت سطوته أن يفرض الديمقراطية علي مجتمع لا يتقبلها كما ليس بمقدور أي سلطة أن تواصل إلي الأبد عقيدتها التسلطية علي مجتمع انتشر في أطرافه التعطش إلي الديمقراطية انتشاراً قياسياً «وهي مشكلة تعاني منها اليوم عدة أنظمة في أرجاء العالم، مثلما عانت منها من قبل الأنظمة الشيوعية شرق أوروبا» فالديمقراطية لا تدوم في بلاد إلا حين يختارها أهل البلاد بأنفسهم، وذلك حين يسود المجتمع إدارك مشترك بأنه قد نضج لها.
لكن هذا الرأي قد يؤخذ علي وجهين مختلفين: الأول قد يعني «تأجيل» الديمقراطية حتي ينضج المجتمع لها، وهو مثل إلقاء قضية ما إلي البحر تخلصا من عضالتها، الأمر الذي لا يمكن أن أرمي إليه، والثاني، وهو الذي اقصده، هو العمل الدءوب لنشر الديمقراطية في المجتمع دون التواني عن المطالبة بتبنيها نظاماً سياسياً إن نشر الديموقراطية ليس عملية سياسية وإنما عملية تربوية بالاساس وإنما شروطها سياسية، بمعني انه يتوجب توفير الضمانات القانونية والتنفيذية للشروع بعمل اجتماعي صرف هو رفع مستوي الوعي العام.
قد يسعفني لتوضيح ذلك أن أطرح السؤال العلمي التالي: كم يلزم العبد من الوقت لكي يتخلص، بعد تحرره من العبودية، من عقدتها ويغدو انسانا سويا؟ أنه لم يتخلص بالطبع من تلك العقدة بمجرد تحرره القانوني، فالعقدة ستظهر عشرات المرات يومياً من خلال سلوكه مع الآخرين ما يلزمه إذاً، إضافة إلي تحرره القانوني، هو أن يتحرر نفسياً، أن يحرر روحه كيف؟ -بأن يبدأ كفاحاً متواصلاً يومياً ضد نفسه القديمة أن أمامه بناءً كبيراً عليه أن يهدمه، وأن يبني مكانه بناء جديدا ورغم الصعوبة الواضحة لهذه المهمة إلا إنها ليست معجزة وذلك لأن هاتين العمليتين تشتغلان، في واقع الأمر، كعملية واحدة فهو حين يبني في نفسه عنصراً من عناصر فكرة الحرية فإن العنصر النقيض القديم ينهار تلقائياً أراني الآن أتكلم في موضوع التربية، وهذا هو جوهر التغيير الحقيقي في ثقافة الفرد، والأمر نفسه ينطبق علي ثقافة المجتمع فموضوع الديمقراطية ليس -فقط- موضوع نظام سياسي وإنما، وبدرجة أكبر في رأيي- موضوع قيم عامة علينا أن نكافح ضد ذواتنا الجمعية القديمة ونبني مكانها ذوات جمعية تقدمية وإلا فأني لمجتمع عبودي الثقافة أن يتقبل اطلاق حريات الأفراد؟ ولماذا سيختار الرجل العربي التقليدي نظاماً يساوي في الحقوق بينه وبين ابنته أو زوجته؟
أحيانا تبدو لي الآراء الداعية إلي التطبيق الفوري للديمقراطية، بما فيها مساواة النساء بالرجال، في مجتمعاتنا البطرياركية آراء حسنة النية ولكنها -ببساطة- لا فكرة لها عن العواقب: فماذا يمكن لمجتمع أبوي أن ينتخب؟ -أباً بالتأكيد وماذا يمكن لمجتمع عبودي أن ينتخب؟- «سيداً» «بالتأكيد بالمناسبة، هذا ليس جدلاً ميتافيزيقيا وإنما تعليق علي واقع: فالطابع العشائري الذي يسود عادة الانتخابات البلدية في الأردن، والنفوذ المتزايد الذي يكتسبه التيار الإسلامي في انتخابات البرلمان الكويتي ومجلس الشعب المصري، وفوز الاتجاه السلفي في الانتخابات البلدية في السعودية، واكتساح التيار الديني الانتخابات العراقية، يكرر موضوعة بسيطة قديمة: إن ثقافة المجتمع في عصر معين، لو أتيح لها التعبير عن ذاتها، هي التي تفرض أسلوب الحكم، لا العكس فإذا كنا ثائرين علي ظلم وطغيان نعيشه حولنا فلننشر إذن قيم العدالة بين الناس لكي نساعدهم في أن يحسنوا اختياراتهم في المستقبل.
إن العمل الديمقراطي في بلداننا، في رأيي، هو العمل لانهاض القيم الديمقراطية في داخل المجتمع، لجعل المجتمع ناضجا لهذا النمط، وهو لا يقلل من -بل هو يؤكد- أهمية الديمقراطية السيايسة ومواصلة المطالبة بها ودائماً العمل يبتدئ من أنفسنا علينا أن نكافح ضد أنفسنا، ضد سلطة المجتمع النافذة في داخل كل منا ولنتذكر مثال العبد
رد: الديموقراطية في مجتمع بطريركي..سمير طاهر..جريدة البديل
اشكرك على الموضوع
adel- عضوممتاز
- عدد الرسائل : 74
تاريخ التسجيل : 31/10/2007
رد: الديموقراطية في مجتمع بطريركي..سمير طاهر..جريدة البديل
موضوعات هايلة وعظيمة ونافعة
تيمور- عضوممتاز
- عدد الرسائل : 71
تاريخ التسجيل : 18/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى