منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أبعاد التغيير الإنساني قبل كلمة الله الحاسمة -الشيخ محمد الغزالي

اذهب الى الأسفل

أبعاد التغيير الإنساني قبل كلمة الله الحاسمة -الشيخ محمد الغزالي Empty أبعاد التغيير الإنساني قبل كلمة الله الحاسمة -الشيخ محمد الغزالي

مُساهمة من طرف saied2007 الإثنين نوفمبر 08, 2010 2:17 am

لا تنجح رسالة أو تزدهر حضارة أو تسبق أمة إلا إذا وقع تغيير جذري في كيان هذه الأمة السابقة المتفوقة، أو تلاقت خصائص مادية وأدبية في مقومات تلك الرسالة الناجح والحضارة المزدهرة.

نعم، فصعود الجماعات أو هبوطها لا يتم وفق حظوظ عمياء أو مصادفات طارئة! بل للمد والجزر علل كامنة إن غابت عن العين المجردة فلن تغيب عن البصائر الحادة والعقول الثاقبة.

وقد تتبعت أسباب التحليق والإسفاف عند من يحلقون ومن يسفون فوجدت سنن الله الكونية تعمل عملها كأنها خصائص المادة وقوانينها الثابتة، ولا تنخرم ولا تتخلف.

ويسرني أن أقدم نموذج لاطراد هذه الحقيقة من سورة (الأنفال) وهي تخص أسباب النصر لقوم والهزيمة لآخرين.

ولكن ـ قبل هذا التقديم ـ أثبت كلمة قالها سائح مسلم في ديار الأندلس قال: إن الدليل الذي قادني بين آثار الحمراء، تناول المسلمين بالكلمة الحاسمة، لقد قامت لهم دولة هنا لما كانوا لله خلائف، ثم طردوا من هذه الديار لما أصبحوا على ثراها طوائف.

العبارة لاذعة بيد أنها تصور الحق المجرد، يوم قادهم الإيمان قامت لهم دولة ترعى الخير والشرف، وتصدر للآخرين العقائد والقيم، فلما أسلموا زمامهم للشهوات، ومزق وحدتهم الترف وحب الدنيا، لم يبق لوجودهم معنى، فعادوا من حيث جاءوا

ترى هل وعوا ذلك الدرس الفاجع؟ لا أدري! ولكني وأنا أتدبر القرآن الكريم وجدت صورة لأبعاد التغير الذي يسبق كلمات الله الحاسمة في الإعزاز والإذلال، وجدتها وأنا أتلو سورة الأنفال، فأحببت أن أصورها في هذه العجالة.

وفي وسط السورة تلمح قادة الجاهلية الوثنية وهم يودعون الحياة شر وداع، تتناولهم ملائكة الموت باللطمات والصفعات وهم يواجهون جزاءهم:
( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق. ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد).

ماذا فعلوا؟ ظلوا أمدا طويلا يكرهون الحق ويؤثرون العناد، ويحيون لأنفسهم فيما يرجون لله وقارا، ولا يتخذون عنده مآبا.

كانوا في رخاء لا تشوبه أزمة، وفي أمان لا يعكره قلق، فما شكروا من هذه النعماء قليلا ولا كثيرا، وجاءهم رجل منهم لا ترقى إلى سيرته تهمة فطاردوه في صلف غريب.

والإنسان العادي إذا اشتبهت عليه الأمور طلب من الله أن يهديه إلى الصواب، أما هؤلاء فقد أبغضوا الحق، وأبغضوا النزول على حكمه، وقالوا مكابرين رب الكون:
(إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).

ولقي دعاؤهم الأخير بعض الإجابة، فلما التقوا بالمسلمين في (بدر) حل بهم خزي رهيب، وتبخر السراب الذي كانوا يعيشون في خداعه فسقطوا بين قتيل وأسير.

إنهم ليسوا وحدهم الذين يفسدون فيعاقبون، كان الفراعنة على هذا الغرار، فغشيهم من أليم ما غشيهم:
(كدأب آل فرعون والذين من قبلهم، كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم، إن الله شديد العقاب. ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

وهند الجملة الأخيرة نقف طويلا لنتساءل: ما أبعاد هذا التغير وما مداه؟ إن القرآن الكريم يفسر بعضه البعض ويؤكد بعضه بعضا! في سورة أخرى يقول جل شأنه:
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).

ويقول بعدما أودي بنعيم (سبأ) وخرب جنانها:
( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا، وهل نجازي إلا الكفور).

ويقول في أهل مكة لما حاربوا الرسالة الخاتمة، وقاوموا إمام الأنبياء، ورفضوا إجالة النظر فيما عرض من آيات بينات . . يقول:
(وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).

وما يجب إبرازه هو طول المدة التي يستغرقها الاختيار الإلهي، فإن الأقدار طويلة الأنفاس، والصراع بين الحق والباطل لا تكتشف عقباه في سنة أو سنتين، ولا في جولة أو جولتين.
إنه قد يستوعب والقرون:
(وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون).

ولما كان عمر الأفراد محدودا، فقد اقتضت حكمة الله أن يهيئ لكل إنسان فرصة كافية يتمكن فيها من معرفة الحق، ويقدر فيها على اعتناقه، وذلك من تمام العدل الإلهي.
إن الناس تحكمهم تقاليد شديدة، ويتوارثون أفكارا يحتاج نقدها ووزنها إلى زمان غير قصير . . بل إن الأهواء التي تصرف البشر لها سلطان محيط، والخلاص منها لا يتم بين عشية وضحاها.

وقد تأملت في ماضي خالد بن الوليد عبقري الحروب الملهم، وماضي عمرو بن العاص السياسي الداهية، فوجدت كلا الرجلين لم ينشرح صدره للإسلام إلا بعد ما يقرب من العشرين سنة.
ومن رحمة الله وحكمته أن منحهما هذه الفرصة، وهما مثل لغيرهما من سائر الخلق.

وفي سورة الأنفال رأينا المعركة التي قصمت ظهر الوثنية، وقعت بعد خمس عشرة سنة من بدء الرسالة كانت هذه الفترة هي المدة التي حددها القدر الأعلى ليكتشف مصير فريقين من الناس.

أولهما: المؤمنون الذين تحملوا العنت وصابروا الليالي الكوالح وهم يساندون الحق ويأملون في الغد القريب أو في الدار الآخرة إن فاتهم النصر في هذه الدنيا.

والفريق الثاني: الكفار الذين قاوموا الشعاع المقبل بكل ما لديهم من جبروت، واستماتوا كيما يبقى ليل الوثنية مخيما على جزيرة العرب وكيما تبقى الخرافات تسرح في المشارق والمغارب.

ويخيل إلي أنه إلى آخر ليلة باتها المشركون قريبا من بدر كانت الفرصة باقية أمامهم ليسلموا ويسلموا . . ولكن المرء عندما يمضي على سيرته، أو عندما يتحرك وفق طبيعته يرتكب الغلطة التي تبت في عاقبة كلها، أي يفعل ما يسمى بالقشة التي قسمت ظهر البعير، أو القطرة التي فاض بها الإناء.

وذلك ما فعله أبو جهل، كان الرجل يستطيع أن يعود بقومه ما دامت القافلة التي خرجوا لإنقاذها قد نجت، بيد أن مشاعر الكبرياء، والغرور هاجت في دمه فقال: لا نعود حتى ننحر الجزور، ونشرب الخمور، وتغني لنا القيان، ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا . . أي أنه كان حريصا على إذلال الإسلام وأهله في مهجرهم الجديد.

إن هذا القصد النزق هو الذي ذبحه، وقاد قومه معه إلى المأساة! وهذا ما تفسره الآيات من سورة الأنفال التي نزلت لتشرح العدل الإلهي في مصاب المهزومين:
(ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقض الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم).

وفي أول السورة يزداد الأمر وضوحا، إن القدر الأعلى تدخل على غير ما يود المؤمنون! إنهم كانوا يودون الأوبة إلى المدينة بغنيمة باردة يدعدعون بها حياتهم المرهقة! ولكن الله ـ بعدما أنهى المشركون الفرصة الممنوحة لهم كي يعقلوا ـ قرر إنزال ضربة مهينة بهم:
(وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).

إن الأمم تضيع بعدما تبدد آخر فرصة للنجاة، والأقدار التي تنزل بصعود هذا، أو هبوط ذاك ليست حركات عبثية، إنها أقدار تزن بدقة هائلة مسالك الأفراد والجماعات.

وتتجدد فرصة النجاة، أو إمكانات التوبة مرة أخرى أمام الصناديد الذين وقعوا أسرى! لطالما ضيقوا الخناق على الآخرين وحرموهم الكلمة وحرية المعتقد، وها هم أولا أصبحوا في قيود الهوان والمسكنة لقد قيل لكم: إنكم وحدكم الذين تصنعون مستقبلكم، إن انتويتم خيرا للناس انفتحت أمامكم مجالات رحبة للحركة والعطاء، وإلا فلكم الويل:
(يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم. وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم، والله عليم حكيم).

إن الخونة قد يستطيعون الإساءة إلى غيرهم ردحا من الزمان، وقد يتطاولون في المجتمعات ويحسبون أن الجو قد خلا لهم. . غير أن القضاء الحكيم يتربص بهم إلى حين، ثم يستمكن الوثاق من أعناقهم.

وندع المجتمع الكفور يلقى مصيره كما صورته سورة الأنفال، ونلقي نظرة أخرى على المجتمع المؤمن! لقد عاش قبل الهجرة وبعدما يحترم دينه، ويقدم مطالبه على رغائبه، ويحمل في الحياة شارته ويرفع رايته! وكان خصومه يستكثرون عليه حق الحياة كما يريد، بل كانوا يروعونه في الحرم الآمن، ويرغمونه على النزوح هنا وهناك. . لقد أنالته الأقدار مكافأة سخية لم تخطر له ببال، فضلا عن أن نرسم لها خطة ويشرف على التنفيذ.

أجل، لقد أنالته الأقدار النصر والتمكين والسيادة، وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة:
(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون).

وهنا نلقي نظرة أشمل على السورة كلها، ولنرى أنها في صدرها رسمت صورة المجتمع المؤمن حقا ثم بثت خلال القصص الواعي وعبره البالغة نداءات شتى للمؤمنين تحدوهم إلى الكمال وكأنها تقول لهم: إن البقاء في القمة يحتاج إلى ذلك الجهد الذي بذل في بلوغها! فلا قعود ولا ترف.

ومن أجل ذلك تضمنت السورة سنة نداءات وآخرها يقومان على معنى واحد، هما قوله تعالى: (يا آيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار).
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).

وثم أربعة نداءات أخرى تتضافر على صون الأمة، واستدامة صلاحيتها للرسالة التي تحملها، هي قوله:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
وقوله: ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون).
وأخيرا قوله: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا).

ذلكم هو الأساس للتغيير الشامل الذي يجئ بعده حكم القدر بيننا وبين أعداء الله، وهو أساس لا يختلف مع اختلاف الليلي والنهار.
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى