منتديات السعادة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الإعجاز التربوي القرآني بالكلمة الواحدة ـ د .مصطفي رجب

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الإعجاز التربوي القرآني بالكلمة الواحدة ـ د .مصطفي رجب Empty الإعجاز التربوي القرآني بالكلمة الواحدة ـ د .مصطفي رجب

مُساهمة من طرف saied2007 السبت أبريل 12, 2008 2:57 am

لا مراء في كون القرآن الكريم معجزاً ، هذا ما اجتمعت عليه كلمة علماء البيان العرب قداماهم ومحدثيهم . ولكنهم تماروا قليلاً أو كثيراً في تحديد القدر المعجز من القرآن الكريم : أيتحقق الإعجاز بسورة كاملة ؟ أم بآية أم بكلمة أم بحرف ؟ أم أن الإعجاز لا يتحقق إلا بالقرآن كاملاً أو بعشر سور منه ؟ ومرد هذا الخلاف إلى تلك الآيات التى أنزلت فى مناسبات مختلفة تحدياً لأولئك المشركين الألداء الذين تصدوا للدعوة الإسلامية فى مهدها وزعموا أن بإمكانهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن !
وعلى مر القرون منذ بدأ التأليف العربي في العلوم اللغوية والشرعية ، جهد العلماء كثيراً في استنباط وجوه للإعجاز متعددة حتى وقفت مباحثهم فى عصرنا الحاضر عند حدود الإعجاز العلمي ، وهاهم أولاء يحاولون الآن مسايرة التقدم البحثي فى علوم الحاسوب فيدرسون ( الإعجاز الرقمي ) .
غير أن المتتبع لمباحث الإعجاز على مر تلك القرون يلحظ ملحظاً مهماً جديراً بالنظر : ألا وهو خلو تلك المباحث من مجال لم يكن للتأليف العربي به عهد فى عصوره الزاهية القديمة . وتعنى به الجانب التربوي وما ذلك إلا لآن العرب لم يكونوا ينظرون إلى (التربية ) بوصفها علماً مستقلاً كما هو الحال الآن بفعل شيوع فكر التخصص وتفتيت العلوم . فقد كان شأن التربية فى مفهوم العرب القدماء شأنا عاماً ، إذ كان ينظر إليها فى سياق الأخلاق الاجتماعية التى لم تكن تعلم ( بضم التاء وتشديد اللام المفتوحة ) وإنما كانت تمارس (بضم التاء وفتح الراء ) فى الحياة بصورة فطرية أو مكتسبة حسب نوعيتها .
ومن ثم ، كان العرب يستخدمون لفظ ( التأديب ) ومشتقاته بديلاً لما نعنيه فى لغتنا العصرية بلفظ (التربية ) . وقد جاء الذكر الحكيم باللفظ الثانى فى قوله تعالى :
(وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) { الإسراء /24 }
وجاء في حديث ضعيف لفظ ( التأديب) بمعنى (التربية والتنشئة )
وبذلك يكون اللفظان قرينين فى الدلالة على توجيه السلوك الإنساني الوجهة المقبولة .
أما ( التربية ) فلم تعرف بوصفها علماً مستقلاً إلا فى العصور الحديثة . وكانت لأول عهدها مقصورة على ما يعرف الآن بطرائق التدريس والوسائل التعليمية . فكانت تدرس فى القرن التاسع عشر الميلادي بهذه المثابة فى معاهد إعداد المعلمين أي بوصفها مادة مساعدة على فهم ما يدرس للناشئة من مواد تعليمية . ثم اتسع نطاقها وتولدت عنها علوم مختلفة حتى أصبحت تضم في الوقت ا لراهن عديداً من التخصصات منها : الأصول الاجتماعية للتربية ، والأصول الفلسفية للتربية ، والتربية المقارنة ، والإدارة التعليمية ، والمناهج ، وطرائق التدريس ، والوسائل التعليمية ، والصحة النفسية ، وعلم نفس النمو ، والإرشاد النفسي ، والفروق الفردية وتعليم الكبار ، وعلم النفس التربوي وقد أدي الولع بالتفريع والاسراف في الفصل بين التخصصات بالتربية - شأن غيرها من العلوم - إلى المبالغة فى التعمق فى تلك الفروع المتقاربة حتى اصبح للبحث التربوي مناهجه الخاصة ، التى باعدت نسبياً بينه وبين شقائقه من العلوم الإنسانية المساعدة كعلوم الاجتماع والاقتصاد والفلسفة وعلم النفس والتاريخ من جهة ، وحولت بعض بحوثه من جهة أخرى إلى طلاسم تعني بأخص المختص وأدق الدقيق من جزئيات العملية التربوية ، بحيث أصبحت فنيات التعليم - بمعنى التدريس - هى الشغل الشاغل للبحوث التربوية ، العصرية وتراجعت المفاهيم المرتبطة بمعاني التربية الخلقية ( التأديب والتهذيب ) بصورة ملحوظة .
الإعجاز التربوي في القرآن :
وإذا كان العقل والوجدان العربي والمسلم قد استساغا أوجه الإعجاز المتعددة للقرآن الكريم ، لاسيما إعجازه العلمى ، فلا بد من بذل الجهد لتلمس مظاهر وآفاق الإعجاز التربوي للقرآن الكريم . ولا يتأتى ذلك بعقد الموازنات بين نظريات التربية الحديثة وما ورد فى القرآن الكريم من قيم تربوية . فهذا خطل فى التفكير ، وخطأ فى النظر وقع فيه الكثيرون من الباحثين التربويين العصريين الذين غلبتهم الحماسة ، وحركتهم النيات الحسنة . فشتان بين ما جاء به بشر مغموزو السيرة ، شائنو السلوك من أمثال جان جاك روسو ، وجون ديوي ، ووليم جيمس وغيرهم ممن يلوك ناشئتنا فى كليات ومعاهد التربية أسماءهم منذ سبعين عاماً ويفتنون بما قاءت قرائحهم المريضة ، أقول ؛ شتان بين هذا الغثاء الغث ، وبين ما احتواه الذكر الحكيم من سمو فى التوجيه ، وروعة فى الأداء تبلغ حد ما أسماه القدامى بالإعجاز
وفى رأينا أن التربية القرآنية _ بما هى تنزيل من عليم خبير- تمتاز بالاعجاز على مستوى الجملة ، والاية بل والكلمة الواحدة .
الإعجاز التربوي بالكلمة :
إن اختيار كلمة بعينها - دون سواها - فى سياق آية تشريعية أو قصصية قد يحمل فى تضاعيفه كنوزاً من قيم التربية الإلهية السامية فمن ذلك مثلاً كلمة ( تجدوا ) فى قوله تعالى ( فإن لم تجدوا فيها أحد فلا تدخلوها ) ( النور 28 ) كان من الممكن أن يستعمل القرآن الكريم بدلاً منها كلمة أخرى مثل ( فإن لم يكن ) غير أن هذا الاستخدام يغلب عليه الجمود ولا دور للمخاطب فيه . أما استخدام فعل يكون المخاطب هو فاعله مثل ( تجدوا ) ففيه حركة وفاعلية . والمقام مقام تهذيب وتأديب وتعليم أحكام شرعية تتعلق بالزيارات - فإشراك المخاطب وهو فى حال التعلم – فى العملية التعليمية هو غاية ما انتهت إليه نظريات التعلم التي تدرس الآن فى كليات التربية .
فأنظر إلى إعجاز القرآن الكريم : كيف أدى هذا المعني بعفوية تعبيرية رائعة في سياق أفعال مضارعة تراوحت بين النفي ( لا تدخلوا – لم تجدوا ) والإثبات ( تستأنسوا – تسلموا ) وجميعها مسندة إلى المخاطب المعبر عنه هنا بواو الجماعة لأن الخطاب موجه إلى جماعة الذين آمنوا فى مطلع الآية . وهو – من الوجهة الشرعية - يخاطب به كل فرد من المؤمنين على سبيل الإلزام .
ووجه آخر للإعجاز التربوى فى هذه الكلمة ( لم تجدوا ) يتجلى فى أن البيوت المقصودة بالأمر الإلهي هى البيوت المأهولة – عادةً – بالسكان الذين لا يبرحونها إلا لضرورة . وعلى ذلك فإن معنى ( لم تجدوا ) قد يتسع ليشمل حالة ما أذا كان السكان موجودين بالفعل فى داخل البيت ولكن ظروفهم لا تسمح بالإذن للطارق أو أنهم لا يرغبون فى استقباله لأسباب تتعلق بهم أو به أو بالوقت الذى جاء فيه مستاذناً . وكل هذه المعانى لا يؤديها السياق لو كان نصه ( فإن لم يكن بها أحد ) أو ( فإن لم يوجد بها أحد ) مثلاً .
وقد ذهب الكاتبون فى التربية الحديثة ممن تخصصوا فى علوم الصحة النفسية وعلم النفس التربوي إلى أن تصويب السلوك الشائن الذى يبدر من المتعلم قد يتخذ صوراً مختلفة منها العقاب البدنى كالضرب والجلد ومنها العقاب النفسى كالحرمان والنبذ والإهمال ، ولكنهم اتفقوا على أن الغاية من ذلك كله واحدة وهى : التنفير من السلوك الخاطئ ودفع المتعلم إلى نبذه والتخلص منه . ويعبرون عن ذلك بقولهم ( خلق اتجاهات إيجابية نحو كذا أو كذا ) وهو مايسمى باللغة العربية السـليمة ( الترغيب والترهيب ) .
وفى القرآن الكريم أمثلة متعددة أدت فيها كلمة واحدة هذه الوظائف التربوية مجتمعة . ففى قوله تعالى ( مالكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) {التوبة / 38 } أدت كلمة ( اثاقلتم ) معانى : تقاعستم ، تكاسلتم ، قصرتم ، تجاهلتم ، وغيرها . إلا أن أيا من تلك الأثقال لم تحمل ماحمله الفعل ( اثاقل ) من معانى الخمول والخيبة و الإخلاد إلى الأرض . فإذا استمع المسلم إلى هذه الآية تتلى عليه أقشعر بدنه وهو يتخيل صورة بعض القادرين على الجهاد المخاطبين به وهم يتثاقلون ويودون لو لم يسمعوا الأمر الإلهى الصارم بالجهاد فى سبيل الله . ففى الكلمة إعجاز تربوي بما توحيه – بحكم بنيتها الصرفية وقيمتها الدلالية – من ترغيب فى الجهاد وترهيب من القعود عنه . أو بلغة التربويين العصريين : بما تخلقه من اتجاهات إيجابية نحو الجهاد . واتجاهات سلبية نحو الكسل والخمول والخوف من لقاء العدو .
إن الشحنة النفسية المشبعة فى الفعل (اثاقلتم ) تفعل فعلها فى التربية والتهذيب . فالكلمة – بذاتها – تحمل كل ما يمور فى النفس الإنسانية المحجمة عن الجهاد من خوف وتردد بين الإقدام طاعةً لله ، والإحجام حرصا على الدنيا وحباً للحياة ، وما يموج بداخل هذا الإنسان المتردد من صراع عنيف بين الرغبة فى تلبية الأمر ، والإشفاق من نتائج هذه التلبية فما إن يهم هذا المتردد بالقيام حتى يتلبسه خوفه من الموت أو الأسر أو إشفاقه على أمواله وأسرته فيقعد به عن القيام وهكذا يتعالى الصراع النفسي الداخلي العنيف حتى يبين أثره لا فى وجهه المتردد فقط بل وفى يديه ورجليه وسائر بدنه حتى يبدو وكأنه عاجز عن القيام وما هو بعجز. كل تلك المعاني يؤديها القرآن الكريم بكلمة واحدة ( اثاقلتم ) .
ومثال آخر للدور التربوي المعجز الذي تقوم به الكلمة فى السياق القرآني نجده فى قوله تعالى (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ) { النور 15 }
فقد يظن المتعجل أن كلمة ( بأفواهكم ) لم تضف جديداً بعد الفعل ( تقولون ) إذ القول لا يكون إلا بالأفواه . غير أن القارئ المتأني الذي يقرأ القرآن بتدبر يرى أن هذه الكلمة أفادت فائدة عظمي إذ أوضحت أن ترديد الإشاعات – والآية خاصة بحادثة الإفك _ إنما يكون فى غيبة العقل وغفلة القلب . فلا عمل فيه إلا للألسنة ، ولو تدبر مروجو الإشاعات فيما يرددونه وأعملوا عقلوهم لاستبان لهم فيما يقولون خطاً كبير أو مبالغة ممقوتة أو كذب أعرج .
والتربويون العصريون فى مباحثهم فى مجال فلسفة التربية عندما يتحدثون عن نظرية المعرفة ، يحددون مصادر المعرفة فيجعلون منها ( ما يقوله الآخرون – والعقل – والحواس – الخ ) ويتشككون كثيراً فى المعرفة التى لا تخضع للعقل لاسيما تلك التى ينقلها المتعلم عن الآخرين . وقد أغنت هذه الكلمة ( بأفواههم) غناءُ كبيرا فى هذا الصدد . وحفلت بكثير مما ينتاب مروجى الإشاعات من الغفلة والاستسهال وعدم التفكر فيما يمكن أن يصيبوا به الأبرياء من ألسنتهم ولو عقلوا ما يقولون لا نتهوا عنه .
والله أعلم .
saied2007
saied2007
المدير العام
المدير العام

عدد الرسائل : 4579
تاريخ التسجيل : 11/10/2007

https://saied2007.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الإعجاز التربوي القرآني بالكلمة الواحدة ـ د .مصطفي رجب Empty رد: الإعجاز التربوي القرآني بالكلمة الواحدة ـ د .مصطفي رجب

مُساهمة من طرف مى الأحد أبريل 13, 2008 5:20 am

اشكرك صديقى على الموضوعات المميزة
مى
مى
عضو مبدع

عدد الرسائل : 628
تاريخ التسجيل : 27/11/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى